رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فبراير الحزين





ترتفع أصوات أهالى الضحايا ملتاعة لفقدان الأعزاء والأحباب و«الضنا الغالى» فقدان سببته كوارث الغرق فى قاع البحار بين أحضان وحوش مفترسة متربصة بالضحايا الغرقى فى عبارات الموت أو مراكب الهجرة غير الشرعية أو موتهم عبر حوادث الطرق والقطارات وانهيار العقارات والأسانسيرات.. حوادث ومصائب تدفنهم وتدفن معهم أحلامهم وشبابهم وآمالهم.
وعقب كل كارثة ترتفع أصوات المسئولين الكبار عن قلة الميزانية الخاصة بالصيانة والإحلال والتطوير، والحديث عن الإهمال أو الفساد، ويتم تحميل صغار الموظفين والعاملين دائما وفى غالبية الكوارث المسئولية دون تحميل الكبار المسئولية بحكم سلطاتهم ومناصبهم. وفجأة تنشط اللجان المتخصصة لمعرفة الأسباب الحقيقية والفنية وراء الحادثة، وغالبا ما يكون الفساد والإهمال «هذان الوحشان المتلازمان» مع البيروقراطية والترهل وعدم تحمل المسئولية جميعا أسبابا أساسية لحصد الأرواح البشرية فى كل الحوادث المفجعة، وتضيع علينا عشرات المليارات من الجنيهات نتيجة لهذه الحوادث، خاصة حوادث الطرق وما يرتكب من عنف ضد المرأة كما تقول أرقام الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.
هل علينا تقديم مزيد من خسائر الأرواح البشرية حتى تصحو الأجهزة المسئولة وتقوم باستئصال جذور الفساد والإهمال؟.. يجىء فبراير الحزين فى السنين الأخيرة بعدد من الكوارث أتذكرها معكم والحزن والألم يعتصران العين والقلب معا.
- غرق العبارة «السلام ٩٨» فى فجر الثانى من فبراير عام ٢٠٠٦ وهى فى طريقها من ميناء ضبا السعودى إلى ميناء سفاجا المصرى حاملة ١٤١٥ راكبًا من المصريين والعرب غير طاقم العبارة، ويتسبب يا سادة الفساد والإهمال وقتها من قِبل صاحب العبارة «صاحب رأس المال» والمرتبط مع «أصحاب الجاه والسلطة» يتسبب فى حصد أرواح ١٠٣٢ من المصريين رجالا ونساء وأطفالا مع عدد من المفقودين «منهم طاقم العبارة حتى الآن» أى منذ ١٢ سنة، ولم ينج غير ٣٨٨ راكبا بعد أن استمروا يصارعون الموت داخل المياه الباردة.
- ويستمر مجىء فبراير الحزين فى موقعة الجمل التى أصابت العشرات فى ٢ فبراير ٢٠١١ بعد اندلاع ثورة ٢٥يناير.
- مذبحة استاد بورسعيد فى أول فبراير ٢٠١٢ والتى أودت بحياة ٧٤ شابًا فى عمر الزهور من مشجعى النادى الأهلى وهم يشجعون فريقهم أمام فريق المصرى البورسعيدى.
- ويستمر مسلسل فبراير الحزين مع مصرع ٢٠ شابًا من مشجعى نادى الزمالك قبل انطلاق مباراة الزمالك وإنبى فى فبراير ٢٠١٥.. اعذرونى تذكرت كل هذه الوقائع الحزينة وأنا أتابع حادث مقتل ٧ أشخاص وإصابة آخر من زوار المرضى بمستشفى بنها الجامعى عندما سقط بهم الأسانسير من الدور السابع فى حادثة عنوانها الإهمال والتقصير وعدم تحمل المسئولية وعدم المتابعة والمراقبة وعدم توافر ميزانية كافية للصيانة وعدم الإتقان فى العمل.
هل تعرفون المثل العامى الذى ينطبق على هذه الفاجعة المؤلمة «إزىّ مريضكم؟ - سليمنا مات».. ذهب الأصحاء من أقارب وأحباب وجيران وأصدقاء المرضى لزيارتهم فكان الموت ينتظرهم بين جدران الأسانسير المتهالك، كما قالت اللجنة المتخصصة التى تكونت بعد الحادثة البشعة فى تقريرها عن سقوط أسانسير مستشفى بنها الجامعى، وكشف تقرير لجنة نقابة المهندسين عن أن «الأسانسير غير مطابق لمواصفات الكود المصرى للمصاعد، وتصميمه الفنى خاطئ والأجزاء التى تم تركيبها به غير معتمدة وغير مطابقة للمواصفات، وأنه لم يتم إجراء الصيانة منذ فترة طويلة» ألم أقل لكم إنه الفساد والإهمال والترهل وعدم المراقبة والمحاسبة؟!. هذا بجانب شيوع المسئولية وضياعها بين عدد من الأقسام والأجهزة والدواوين والمسئولين.
إننى أطالب وزير المالية بزيادة ميزانية الصيانة ليس للمستشفيات فقط ولكن فى جميع المؤسسات والأجهزة الحكومية وجميع وسائل الخدمات المقدمة للمواطنين الذين يدفعون الضرائب مقابل تقديم الدولة خدمات تليق بهم وتوفر حياة آمنة وكريمة لهم.
يأتى فبراير الحزين وسط الشتاء البارد الحزين ليحمل لنا ذكريات تعتصر القلب بالألم ويرتفع صوت البكاء والأنين، ووسط كل هذا نتمنى أن ينبثق شعاع أمل فى مواجهة حقيقية ودءوبة ورادعة للإهمال والفساد حتى ينصلح حال العباد والبلاد.. إن مواجهة الإهمال والفساد لا تقل أهمية عن مواجهة الإرهاب، فكلاهما يتسبب فى تدمير البلاد.