رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حسيت إنك خايف.. اسمع أهالى الشهدا


«الشهداء» كانوا أول شىء خطر على بالى، عندما شاهدت البيان الأول للعملية الشاملة للقوات المسلحة «سيناء ٢٠١٨»، إذ وضعت نفسى مكان عائلاتهم، وتخيلت إحساسهم وشعورهم بأن الجيش المصرى بكل فروعه يثأر لأرواح أبنائهم، التى تطوف وترفرف حول أرض المعركة تساند الأبطال.
تذكرت ضحكة الشهيد العقيد أحمد منسى، وبراءة نظرة الشهيد ملازم أول حسن محمد حسن، الذى لم يتقاض راتبه، وبطولات أسد سيناء محمد أيمن شويقة.
فى العام الماضى، شاهدنا خلال احتفالية المرأة المصرية، تكريم أمهات وأسر الشهداء، وكذلك فى الندوة التثقيفية للقوات المسلحة، وكانت تلك الليالى غير عادية مليئة بمشاعر وكلمات تدمى القلوب، وتبكى العيون وتجعل الحجر ينطق، لم لا وهى نابعة من أم، وكلمات الأم العطوفة عن ابنها دائمًا ما تحرك قلب أى إنسان، فما بالك بأم الشهيد؟
وتعرف مراجع علم النفس الشهادة على أنها: «إيمان وحب وتضحية وسمو وإيثار بلا حدود»، وكثيرًا ما حاولت دراسات نفسية أجنبية كثيرة وضع مفهوم للشهادة، وفهم نفسية الشهداء، والسمات المشتركة لهم، وربطها بالأديان، على اعتبار أن الشهادة موجودة فى مختلف الأديان.
معظم هذه الدراسات كانت عن نشأة الشهداء، وعلاقتهم بأهلهم، وكان السؤال المحورى فيها: «هل الشهادة سلوك مكتسب أم فطرة عند الإنسان؟».
وفيما تقول الدراسات الأجنبية المعتدلة إنها سلوك مكتسب يتعلمه الفرد وينشأ عليه، خاصة فى العالم الإسلامى والعربى، الذى يعتبر الشهادة شيئًا مقدسًا، يرى آخرون أنها فطرة وجينات وراثية، وأن كل عائلة بها شهيد، ستجد شهيدًا آخر فيها.
ووفق الدراسات والمراجع، فإن الشهيد منذ طفولته يكون مختلفًا عن أقرانه، وتجده أكثر تحملًا للمسئولية، وخفيف الظل، وعطوفًا على من حوله، ودائمًا ما تجد فى وجهه بشاشة وسماحة غير عادية، ويحافظ على عبادته وصلواته، ولا يحب النميمة ولا الكلام الكثير، فضلًا عن أنه مطيع لأهله وبار بهم.
وبجانب تلك الدراسات، يتبقى الأهم هو الكلام الذى سمعناه أو قرأناه عن الشهداء من خلال أهلهم، بداية من والد الشهيد محمد شويقة، الذى قال فى مداخلة هاتفية مع برنامج «٩٠ دقيقة»، مساء الأربعاء الماضى - وهو يبلغ ٤٩ عامًا - إنه لو تم استدعاؤه من القوات المسلحة لحمل السلاح مرة أخرى، سيذهب دون تردد.
أما والدة الشهيد فقالت فى مداخلة مع الإعلامى جابر القرموطى: إنها طالبت الفريق أول صدقى صبحى، القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربى، بقبول شقيق الشهيد فى الجيش، والتراجع عن قرار إعفائه من الخدمة، لأخذ الثأر من الجماعات الإرهابية.
ولم تختلف عنها السيدة الفاضلة بهية طه، والدة الشهيد الرائد مصطفى حجاجى حلمى محمد، أحد أبطال العمليات فى سيناء، والتى قالت إنها ألحقت شقيقه الأصغر بالكلية الحربية، ليكون له دور فى الدفاع عن الوطن، مؤكدة أنها مستعدة للتضحية بأولادها فى سبيل الوطن.
وقالت السيدة ياسمين زوجة الشهيد البطل العقيد أحمد الدرديرى، إن أمنية حياة زوجها عندما كان فى مرحلة الثانوية أن يصبح مقاتلًا فى الجيش، وتحقق أمله بدخول الكلية الحربية، وبمجرد دخوله تمنى أن يصبح شهيدًا، وحقق الله أمنيته فى النهاية.
وذكرت زوجة الشهيد أنه كان بارًا بها وأولاده ووالديه، وقالت: «لم يكن متفرغًا لأسرته لوقت كبير، لكن وقت تواجده معهم أثناء الإجازات كان يعوضهم عن أوقات غيابه».
وكلنا نتذكر كذلك عندما بكى الرئيس عبدالفتاح السيسى أثناء كلمة على محمد عبده، الذى استشهد ٣ من أبنائه فى سيناء، اثنان فى الجيش والثالث فى الشرطة، وقال خلال تكريم اسم ابنه الشهيد «عبدالرحمن» فى احتفالات الشرطة العام الماضى، «إن ابنه ترك الطب والتحق بالشرطة فداء للوطن». وكذلك قال النقيب مصطفى مالك، ضابط شرطة، ابن عم الشهيد المقدم أحمد صلاح مالك الدشاش، إنه كان قائدًا لكتيبة دفاع جوى فى القوات المسلحة، وطلب منه مساعدة أحد أهالى بلدته، لأنه فى سيناء منذ أكثر من شهر.
وأشار إلى أن الشهيد لديه طفلان هما «إسلام» ٤ سنوات و«فريدة» سنتان، وهو العائل الوحيد لأسرته بعد خروج والده إلى المعاش.
وختامًا، فإننا نحتاج مجلدات لرصد قصص وأساطير الشهداء، وكيف كان لأهلهم دور فى صناعتهم، وكيف يستقبلون جنازاتهم بالزغاريد والبسمة.
أهالى الشهداء كنز ودافع وسند ودعم ضد أى حرب نفسية، لا يحتاجون منا المواساة، بل أن نفخر بهم دائمًا ونقدر تضحياتهم وننحنى احترامًا لهم، وتمجيدًا لبطولات أبنائهم، وألا ننساهم، وأن نحفظهم فى ذاكرتنا للأبد.