رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رد على الرد


طالعت باندهاش رد الدكتور «محمد الباز» على مقالى السابق «ملاحظات على الانتخابات الرئاسية»، لسبب أساسى، هو أن القراءة الموضوعية لمقالى لا تبرر هذا الغضب فى رد د. محمد، على ما أوردته من ملاحظات مخلصة النوايا، غايتها الترشيد والإصلاح.
أما رد د. الباز ففحواه أنه ليس فى الإمكان أفضل مما كان، وأن السبب فيما نحن فيه من مآزق، مرجعه الأساسى أحزاب وشخصيات المعارضة، التى كال لها د. الباز كل التهم، دون تفريق بين تمايزاتها، التى ينبغى إدراكها بدقة، حتى لا يصبح بمنتهى الاستسهال كل صاحب رأى مخالف عدوًا، ومنهم صاحب هذا القلم الذى يعرف د. محمد جيدًا تاريخه، ومواقفه من عصابات الإخوان وجماعات إرهابهم، ودفاعه عن الدولة الوطنية والقوات المسلحة والشرطة، ودورهما فى مواجهة خطر الإرهاب، عبر مئات المقالات، (عشرات منها على صفحات جريدته، «الدستور»، ذاتها) ومئات المناظرات والمحاضرات والمواجهات، وكتابين: «السلفى الأخير»، و«الشياطين يرفعون المصاحف»، صادرين مؤخرًا.
وسأتجاوز الرد على «مناكفات» د. محمد، ومنها اعتبار كل ما كتبته فى مقالى «مغالطات»، والغمز الضمنى، والتعريض الصريح، بمواقفى ودوافعها!.. وفى الحقيقة، فإن د. الباز لم يرد على جوهر ملاحظاتى الأساسية، وأجملها فى عدة نقاط هى:
أولًا: الظروف التى تجرى فيها الانتخابات ليست هى الظروف الأنسب، ولا أتصور أن هناك داعيًا أو مبررًا لإنكار هذه الحقيقة.. وأسباب هذا الوضع ليست وليدة اليوم، فهى عميقة فى أغوار العلاقة بين السلطة والمواطنين طوال العقود الماضية، ولم تتراجع بعد الثورتين، وهو ما أدى إلى ضعف المعارضة، الأمر الذى تتحمل أطراف المعارضة الجادة جانبًا من مسئوليته، أما «الدولة» فتتحمل النصيب الأعظم، لأنها صاحبة القرار والإرادة، بما استنته من روادع وقيود، وما خلقته من أثقال وتكاليف، تُعجز أى معارضة على النهوض بأعبائها، ومنها عشرات من الأحزاب الصورية التى يتم التشهير بها الآن، وعدد كبير من أحزاب «الموالاة»، وما لا يُحصى من الأحزاب الدينية، المكونة بما يخالف الدستور!.
وثانيًا: ويؤثر فى هذا الوضع، غير اللائق، أسباب موضوعية، منها الاستقطاب السياسى الراهن، الذى لا يفيد إنكاره إلا فى تعميق الشرخ.. فهناك قطاعات ليست بالقليلة من الشباب والسياسيين والمثقفين، الوطنيين، والمعادين فى الأصل للإخوان وعصاباتهم، لهم رأى واجب مراعاته، حول مساحة حريات الرأى والتنظيم والتعبير، وضرورة توسيعها أمام الرأى الوطنى الآخر، والذى لا يعارض أسس استقرار الدولة وحماية ركائزها السياسية والاقتصادية، ولغياب قنوات الحوار المجتمعى الحقيقية، وحول الحاجة إلى تفعيل مفهوم مواجهة الإرهاب، لكى يشمل الأبعاد الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والتعليمية والإعلامية والدينية، وغيرها من المحاور الغائبة، لاقتناعهم بأن اقتصار الأمر على المواجهة الأمنية بالجيش والشرطة وحدهما، على بطولتهما وعظمة تضحياتهما، ومع الإقرار بوجوبها، غير كافية، ولأسباب أخرى يضيق المجال لذكرها!. وقد أدار الكثيرون من هؤلاء الظهر للعملية الانتخابية، لإحباطهم، نتيجة ممارسات يطول شرحها، بل إن قطاعات أيضًا ليست بالقليلة من الجماهير، تستقى الآن معلوماتها من فضائيات وإعلام مُغرض، بسبب سيادة إعلام «الصوت الواحد»، الذى يُشيطن كل أصحاب الرؤى والاجتهادات المغايرة، وهذا الموقف لا علاقة له بالحرب ضد الإرهاب، التى لا يختلف على جوهرها وطنيان، حتى وإن اختلفا على أدواتها ومساراتها.. كذلك فهناك ممارسات مُضرة، ومُستفزة، حتى بالنسبة للمؤيدين الموضوعيين للنظام، ومنها واقعة الاعتداء على المستشار «جنينة»، والتى ألقت ظلالًا سيئة على عملية الانتخابات.
وثالثًا: إن جانبًا من الوضع الراهن سببه العلاجات التى واجهت بها الحكومة مشكلات الاقتصاد المصرى، وأثرت فى حماس قطاعات من الجماهير للانتخابات ولغيرها، ودون إنكار ما تحقق من إنجازات، فإن مشكلاتنا الاقتصادية لا خلاف حول ضرورة علاجها، لكن الخلاف هو حول: مَن يتحمل تكاليف هذا العلاج القاسى: الفقراء ومحدودو الدخل وحدهم، وهم الأغلبية العظمى من المواطنين، أم يتم توزيع أعباء عملية الإصلاح بالعدل بين طبقات المجتمع كله، ولا يُعفى كبار الأثرياء من كل مسئولية؟!، وهى السياسات التى يوصفها د. «أحمد جلال»، الاقتصادى، الوزير الأسبق، «رغم بعض المحاولات الجادة لمواجهة الفقر والبطالة».. «لا ترقى إلى طموحات الفقراء»، الذين وصل عددهم، كما يذكر، إلى«ما يقرب من ثُلث السكان طبقًا لآخر إحصاء للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء»!، (المصرى اليوم، ٤ فبراير ٢٠١٨)، فهل يفيد يا دكتور محمد أن تنجح العملية ويموت المريض؟!.
ثم إن هناك وجهًا آخر للاجتهاد حول السبل المتبعة الآن فى حل المشكلة، والتى نراها تعالج العَرَض ولا تواجه، جذريًا، المرض، وعما إذا كان من الممكن تحقيق الأمر بطرق أخرى أنجع، ومنها الاتجاه لتعظيم الاعتماد على إمكانياتنا، وما أعظمها، والتوجه نحو زيادة المكون الإنتاجى، الزراعى والصناعى، فى اقتصادنا، وتفعيل القدرات الذاتية، بدلًا من الاستدانة، الداخلية والخارجية، بما يرتبه هذا الوضع من أعباء ومخاطر.. إلخ.
ويأتى فى هذا السياق إنكار د. محمد لأن تكون الإجراءات الاقتصادية فى السنوات الأخيرة مفروضة من «صندوق النقد الدولى»، وهو أمر غريب، فالكل يعلم شروط أو مطالب الصندوق الواجب تطبيقها، لموافقته على قرض الـ١٢ مليار دولار، وهو ما أعلنه البنك مؤخرًا فى تقريره حول المراجعة الثانية، وطبّقته، وتطبقه الحكومة، وستطبقه فى الفترة المقبلة!.
نحن يا سيدى فى لحظة لا يفيد معها دفن الرءوس فى الرمال، والنظر فى عين المشكلات أجدى من الدوران حولها.. وأخيرًا، أظن أنه من حقى، اعتمادًا على التقاليد الصحفية الراسخة، أن أمنح الفرصة لنشر ردى على الرد، مع الاحترام.