رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«سارة وسليم»


عن السيدة الإسرائيلية والشاب الفلسطينى المسلم يتحدث مخرج الفيلم الفلسطينى"مؤيد عليان" والذى قدم فيلمه «التقارير المتبادلة بين سارة وسليم» فى مسابقة مهرجان روتردام الدولى للفيلم السينمائي بهولندا في عرضه العالمى الأول.

قصة عادية قد تحدث كثيرًا. إذ تتولد المشاعر وتشتد بين رجل وامرأة بشكل إنسانى بحت. فهى قصة متكررة تحدث هنا وهناك وفى كل بقاع الأرض، ولكن أن يكون الشاب من بيت لحم بالقدس الشرقية والمرأة إسرائيلية تعيش فى القدس الغربية ومتزوجة من كولونيل بالجيش الإسرائيلى هنا تأخذ القصة منحى آخر وتسييسًا من قبل الطرفين المتنازعين.

الطرف الفلسطينى والذي ظن بتجنيد السيدة الإسرائيلية للشاب الفلسطينى لصالح الموساد، والعكس إذ ظنت مخابرات دولة الكيان الصهيوني أن الشاب أقام معها علاقة حميمة بغية تجنيدها وأن تكون هدفًا للمخابرات الفلسطينية.

تعقدت الأمور والأحوال بعد أن انكشف ما كان مستورًا، إسرائيلية تتحرك بين البارات والشوارع مع فلسطينى من بيت لحم وتدعى أنها هولندية كى لا تصاب بأذى، وبعد أن اكتشف الطرفان المتنازعان على الأرض والحقوق والشرعية ما حدث. زج بسارة وسليم لمعترك لم يحسبا له حسابًا. إذ قامت السلطات الفلسطينية بالتحقيق مع الشاب الفلسطينى سليم ونصح كى لا يفتضح أمره بأن يكتب بنفسه للمخابرات الفلسطينية تقريرًا كاذبًا مفاده أن السيدة الإسرائيلية هي مجرد عاهرة وأنه كان يحاول تجنيدها لصالح الجانب الفلسطينى، وبعد عملية مداهمة واجتياح إسرائيلى لمبنى المخابرات الفلسطينية تسرق تقارير سليم الكاذبة ويؤسر ليصبح بطلًا أسيرًا بالصدفة!.

تتداعى الأحداث وتحاول محامية سليم الفلسطينية إخراجه من سجون الاحتلال وفك أسره بالتواصل مع سارة فشهادتها ستكون لصالحه حتمًا فى حين تضطر سارة أيضًا لكتابة تقارير كاذبة بشأن سليم بضغط من الموساد لحساسية الموقف ووجود زوجها "ديفيد" فى مكان حساس بالجيش الإسرائيلي، وهنا يظهر موقف"بيسان" زوجة سليم.

المرأة الفلسطينية التي لم تطق خيانة زوجها لها فطلبت منه تطليقها كى لا تصبح هى من تخلت عن زوجها الأسير الذي صار بين عشية وضحاها بطلًا أسيرًا في سجون الاحتلال، في حين أنها تعرف حقيقة ما حدث، وتجتمع «بيسان» الفلسطينية - هنا تظهر دلالة الاسم فبيسان اسم مدينة فلسطينية محتلة من إسرائيل- وسارة اليهودية معا، ويربطهما في نهاية الفيلم خيط إنسانى عميق هو الأمومة.

فبيسان وضعت حملها وولدت صبيًا أسمته كريم كى لا يضن عليها أو على بلاده وقضيته بشىء، وسارة لديها طفلة صغيرة تدعى فلورا، ثقافتان مختلفتان و متنازعتان جمعتهما الأمومة ورباط الزواج الذى فقد قدسيته بعد أن خان سليم بيسان ولم تنس له ذلك.

وافتضح أمر سارة وخيانتها لزوجها ديفيد الكولونيل الإسرائيلى، وتساعد فى النهاية سارة سليم بتغيير شهادتها وأقوالها كي يخفف عنه حكم الأسر من ١٠ سنوات لثلاث فقط، فى حين يفقد سليم ابنه وزوجته.

تفقد سارة زوجها وابنتها بسبب علاقة عابرة مارس خلالها رجل و امرأة علاقة مع طرف آخر غير شريكة كان يمكن أن تمر بسلام لولا حساسية العلاقة بين فلسطين ودولة الاحتلال، وبالتالي سيست علاقة سارة بسليم واتخذت منحى أمنيًا مخابراتيا، وأصبح كل منهما عميلًا يتجسس على بلده لصالح العدو، فالسياسة دومًا والنزاع والصراعات تفسد العلاقات الطبيعية والإنسانية بين البشر!!.

وبصرف النظر عن عدم الأمانة التي مارسها كل من سليم و سارة تجاه شريكه بارتكابهما حماقة الخيانة الزوجية، كان من الممكن أن يظل الأمر بين الأسرتين والقرار يكون قرار الزوجين فقط، لا أن تتدخل دول وأجهزة للزج بسليم وسارة في معترك دخلوه مجبورين وتكبدوا من خلاله أثمانًا باهظة دفعوها كنوع من الكلفة التى لم يحسبوا حسابها، وهي كلفة الصراع والنزاع الدائر المحموم الذى لم يتوقف للآن، وسيظل هكذا حتى يعم السلام للمنطقة المتنازع عليها وتكف دولة الاحتلال عن احتلال أراضى الغير وضم القدس وإلخ.. الممارسات التي بدورها تثير حفيظة الطرف المجني عليه ويظل التراشق قائمًا والسهام موجهه إلى الجميع، ويحرم البشر من إمكانية العيش بشكل طبيعى وأن يحيا الجميع حياة طبيعية وينشغل بنفسه وتفاصيله الخاصة، دون أن يجر لحلبة الصراع المرير والمتجدد والذى يشتعل فى كل لحظة.

ويعلق مخرج الفيلم فى لقاء خاص معه لـ«الدستور»، قائلًا إن «فيلمه إنسانى بحت يدعو إلى وقف نزيف الدم والصراع وتحميل البشر ما لا شأن لهم فيه من صراعات دائرة بين أطراف متنازعة، ولم يقصد بفيلمه أى محاولة لطرح فكرة التعايش أو المصالحة مع دولة الكيان الصهيونى، ففيلمه كما يقول لا علاقة له بالسياسة، ويتمنى أن لا يتم تسييسه أو تحميله ما ليس فيه تمامًا كما حدث فى التقارير الكاذبة المتبادلة بين سارة وسليم».

ويعد الطرح وتصبح تيمة الفيلم جديدة على السينما الفلسطينية التى اضطرت لسنين طويلة تحكى حكايات الثورة والنضال، ونجد دومًا فيها ملمحًت سياسيًا له علاقة بطبيعة الصراع الدائر بين فلسطين وإسرائيل، فنحن هنا أمام فيلم جديد خرج خارج عباءة سينما المقاومة إلى مناطق أكثر رحابة وإنسانية، وتلقى فريق العمل دعماً من مهرجان روتردام السينمائي الدولي ومهرجان برلين، وجهات دعم خارجية أخرى، إلى جانب إنتاجه من خلال شركة إنتاج فلسطينية صاحبتها امرأة تحمست للفيلم، الذى أرى فيه ملمحًا أنثويًا أيضًا.

فاختيارات بطلتى الفيلم بيسان الفلسطينية وسارة الإسرائيلية يظهر فيها اعتداد كبير بالنفس والقدرة على اتخاذ قرار صعب وحاسم وقت حدوث الأزمة لصالح كل منهن كسيدات وكأمهات، وينال بطل الفيلم سليم جزاءه على خيانة بيسان التى تعرف جيدا أنه بطل بالصدفة وأنه والد ابنها، لكن لا تريده زوجاً لها.

هذه الحبكة الدرامية فى حكاية جسدت على الشاشة من خلال عمل سينمائي قد تعيد لأذهاننا حكايات وروايات وقصصًا نسجتها من قبل السينما المصرية التى هى دوما مصدر ونبع، بل قبلة لصناع الفن السابع.. فيبدو على الفيلم وحبكته الدرامية وطريقة كتابة السيناريو تأثره بالسينما المصرية وقدرتها الفائقة على نسج القصص والحكايات كانت ومازالت و  خالدة في ذاكرتنا السينمائية العربية، وينهل منها الجميع هنا وهناك.