رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

البحث عن أبطال من ورق




ليس عيبًا أن تكون مفلسًا.. لكن إذا قررت وأنت فى هذه الحالة، أن تتباهى على جارك الثرى فربما تصبح أضحوكة ومثارًا لسخرية الجميع. وحالة الإفلاس التى أقصدها هنا ليست لشخص أو لمجموعة صغيرة، ولكنها حالة من يقدمون أنفسهم على الملأ باعتبارهم معارضين للنظام، وللرئيس عبدالفتاح السيسى، ومعارضة النظام أو الرئيس حق من الحقوق السياسية التى لا ينكرها أحد، لكن العيب أن يكون المبرر الوحيد للمعارضة، هو الكراهية لما هو قائم، أو لشخص الرئيس ورفض أى شىء منه، دون السعى لطرح فكرة أو برنامج بديل للنهوض بالوطن.
عندما تقرأ لهؤلاء أو تستمع إليهم تجدهم مفلسين.. يفتشون فى دفاترهم القديمة عن أشخاص كانوا يتحدثون عنهم فى الأمس القريب، على أنهم أعداء لهم وعلى أنهم رموز للفساد، لكنهم يحاولون اليوم الوقوف وراءهم وتحويلهم إلى أبطال ورموز، وهذه فى الحقيقة حالة نادرة من الإفلاس الجماعى أو لنقل إنها حالة من حالات المرض النفسى الجماعى.
لن تحتاج إلى جهد كبير لكى تجمع ما كان يقوله الإخوانجية والمعارضون من أجل المعارضة، عن الفريق أحمد شفيق فى انتخابات ٢٠١٢، وكيف أنهم وصفوه بأنه رمز من رموز عصر مبارك، لأنه ولاه وزارة الطيران، ولأنه رمز لحكم العسكر.
لقد سخروا منه فى كل شىء.. بداية من البلوفر الذى كان يظهر به، إلى حديث البونبون.. ومرورًا بعبارته الشهيرة «لقد حاربنا وقتلنا واتقتلنا».. حتى عندما كشف فرز صناديق الانتخابات أن المنوفية هى أكثر محافظة منحته أصواتها، سخرت المواقع الإخوانية وتندرت بأن «المنوفية هى بلد المليون شفيق»!.
ومع كل الاحترام للفريق شفيق.. فقد وجدنا الإخوان والمعارضين من أجل المعارضة، يهللون لهذا البيان الغريب الذى أذاعه من قناة الجزيرة عن نيته فى الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، فنسوا الفساد ورموزه والعسكر وحكمهم، وأصبحوا يتحدثون عنه وكأنه «واحد منهم»، وأنه أملهم.. هل هذه معارضة؟، هل فى هذه الأفعال أى منطق سياسى؟.
نفس الأمر تكرر عند إعلان ترشح الفريق سامى عنان، فقد وجدنا الذين كانوا يهاجمون الرئيس لأنه من أبناء القوات المسلحة، ويعلنون أنهم يرفضون ما يسمونه «حكم العسكر»، ويهللون مرة أخرى وكأن الفريق عنان متخرج فى كلية الفنون الجميلة!!.
وجود معارضة سياسية فى أى بلد ظاهرة صحية، لصالح البلد ولصالح العملية السياسية، ولكن المعارضة يجب أن تمتلك برنامجًا ورؤية واضحة تطرحها على الناس، وتقنعهم بأنها قادرة على تنفيذها فى حالة نجاحها، فالعبرة من الترشح للمناصب القيادية هى الرغبة فى خدمة الوطن، وليس تغليب شخص على آخر أو فريق على فريق، فالوطن أهم من كل الأشخاص ومن كل الفرقاء.
أما المعارضة التى تعتبر أن وقوفها وراء أى شخص آخر، لمجرد أنه ضد الرئيس عبدالفتاح السيسى، أى شخص حتى لو كانوا لا يحبونه أو حتى لا يحترموه.. فهذه ليست معارضة بل مجموعة من المهرجين أو العابثين بمقدرات الوطن.. وهى أشبه بمن يحاولون البحث عن أبطال من ورق، فى الوقت الذى يمتلك فيه الوطن بطلًا حقيقيًا، انتخبه الشعب فى عام ٢٠١٤، ونفذ وعوده بأن جعل مصر أكثر أمنًا واستقرارًا، وأعاد الروح إلى اقتصادها ولديه بصمات تعمير وبناء على كل شبر من أرضها، ورفعها إلى المرتبة العاشرة فى ميزان القوة العسكرية.
وإذا عدنا لحديث الغنى والمفلس.. فأرجو أن يمتلك هؤلاء الباحثون عن أبطال من ورق، الشجاعة لكى يسألوا أنفسهم، لماذا لم تحاولوا طوال أربع سنوات مضت البحث عن مرشح حقيقى ينافس الرئيس فى انتخابات ٢٠١٨، التى لم تأت بصورة مفاجئة؟.
الإجابة واضحة بالنسبة لى وللآخرين، لأن الذين يعيشون فى خندق الإخوان لن يرضيهم سوى مرشح من نفس فصيلهم المرفوض جملة وتفصيلًا، وهذا أمر مستحيل الحدوث على أرض الواقع، أما باقى الأحزاب - وعددها على حد علمى يناهز المائة - فهى مشغولة بخلافاتها الداخلية على الزعامة، ولا وقت لديها للقيام بالبحث عن مرشحين للانتخابات النيابية، أما الانتخابات الرئاسية فهى بعيدة عن تفكيرهم.
أما إذا تحدثنا عن أحبّتنا معارضى السوشيال ميديا، فرغم أنهم شباب فى الغالب الأعم، إلا أنهم تحولوا مع الوقت والترهل إلى ما يشبه «عواجيز الفرح»، فهم لا يعجبهم أى شىء، وفى الوقت نفسه لا نراهم يقدمون أى أفكار حقيقية، ويعتقدون أن نجاحهم الحقيقى فى الحياة مرهون بعدد المتابعين لصفحاتهم وعدد اللايكات التى يحصلون عليها.
هى إذن حالة إفلاس واضحة، ربما تستوجب البحث والدراسة، وربما تدعو إلى الرثاء، ولكن إذا وضعنا هؤلاء المفلسين فى مواجهة رئيس تتحدث إنجازاته عن نفسها فى كل مكان، وفى الزراعة والإسكان والاقتصاد.. رئيس يسابق الزمن بالعمل وليس بالكلام.. فسنجد أننا فى وضع لا يمكن المقارنة فيه بين من يعمل ويجتهد ليقود البلاد إلى بر الأمان، ومن يهرج ويطنطن ويبحث عن الأوهام.
بعض الذين يدعون بأن الحكم فى مصر لا يسمح بظهور معارض أو حتى منافس للرئيس، أتمنى أن يجيبوا عن سؤالى: هل هناك نظام سياسى فى العالم يمنح صكوكًا للزعامة، أو تصريحًا للمرور، الزعامات والقيادات - إن وجدت - تفرض نفسها فرضًا، وتستند إلى حواضن شعبية حقيقية هى التى تمنحها الضوء الأخضر للعبور، بعكس الزعامات التى تحاول قوى خارجية فرضها علينا، فليس لها أمل على المسرح السياسى، لأننا شعب لا يحترم التابعين ولا المأجورين، ولا الذين تباركهم وتمولهم أجهزة مخابرات غربية.
حكم مصر ليس نزهة أو ترفًا، لكنه مسئولية لن يتحملها إلا مقاتل قوى وعنيد، يعرف قيمة البلد الذى سيحكمه، وقيمة الشعب الذى سيقوده، وقدر التحديات والضغوط التى سيواجهها، وشخص بهذه النوعية - إن وجد- لن يحتاج إلى مباركة أو تصريح إلا ممن يؤمنون به وممن يعلقون عليه آمالهم.
مرة أخرى.. زعامة مصر ليست لعبة، ولا يجب أن نتعامل معها وكأنها مباراة لكرة القدم، بمنطق الفريق الذى أشجعه أفضل من الفريق الذى تنتمى إليه، حتى ولو كان أداؤه مُزريًا.. مصر أكبر من كل الفرقاء.. ومن كل المزايدات، مصر أمنا جميعًا، فافسحوا الطريق لمن يعمل بكل الإخلاص من أجلها.