رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حكايات مصرية: محمود عبدالغنى


فى النصف الثانى من التسعينيات، عندما دخلت لأول مرة ديوان عام محافظة القاهرة كمحرر لشئون العاصمة عن جريدة الأسبوع، سمعت صوتًا جهورًا يلاحق رؤساء الأحياء وكبار مسئولى المحافظة، كان صاحب الصوت العالى معروفًا للجميع، وكانت ابتسامتة تسبق صوته العالى، ولأننى كنت أبحث عن مصادر تمدنى بأخبار المجلس المحلى للعاصمة الذى تجمعه بديوان عام المحافظة فى مبنى واحد، فكرت فى السعى لمعرفة هذه الشخصية خفيفة الظل وقوية الحضور، وقبل أن أتعرف عليه بادر هو وتعرف عليا، وسرعان ما تحولت علاقتى بأقدم أعضاء المجلس المحلى لمحافظة القاهره إلى صداقة قوية رغم فارق السن، وعلاقة تبادلنا فيها المصالح، نعم مصالح ولكن ليست شخصية، كما هو الانطباع عن نواب الحزب الوطنى، بل كانت مصالح فى حب مصر وخدمة الضعفاء من مواطنى محافظة القاهرة، فبقدر ما أمدنى صديقى الكبير سنًا ومقامًا بعشرات الموضوعات المهمة والمستندات التى يصعب على أى صحفى الحصول عليها، كانت محافظة القاهره بكل تفاصيلها معى، وفتح لى الطريق أمام أهم وأبرز العلاقات في المجالس المحلية فى العاصمة وأبرز شخصيات الحزب الوطنى بما يملكون من أسرار عما يدور فى كواليس البلد.

وفي منطقة التوفيقية اتخذ "عم محمود عبدالغنى مكتبا لخدمة المواطنين، هذا المكتب الذى كان ملجاءً لكل أهالى القاهرة وكان عوضًا عن غياب نوابهم وتقصيرهم فى خدمة أهالى دوائرهم، كنت أجلس معة لساعات ورغم مرضه وكبر سنهإلا أنه كان يستمع لساعات متواصلة لشكاوى الضعفاء كان يضايفهم جميعًا، وكأنه هو صاحب المصلحة عندهم.

كان تجار شارع التوفيقية جميعم يحبونه ويسمعون كلامه وكانوا يعتبرونه الأب والراعى لهم ولمصالحهم، جمعته صداقات قوية مع رموز العمل السياسى في هذا الوقت، منهم الدكتور محمد رجب زعيم أغلبية مجلس الشورى، وعبدالإله عبدالحميد عضو مجلس الشورى السابق، ومحمد بطاح عضو مجلس المحافظة ورجل الأعمال، ومحمود عطية المحامى، ونورالدين بكر رئيس شركة مصر للسياحة السابق، والسياسى حسن هريدى، وغيرهم من الشخصيات البارزة، لكن أهم علاقة وأجملها جمعت "عم محمود عبدالغنى"، هى علاقته باللواء أركان حرب أحمد فخر، رئيس المجلس المحلى للعاصمة ومدير المركز القومى لدراسات الشرق الأوسط، وأحد ابرز قيادات حرب أكتوبر، والذى رغم ما كان يسببه له "عم محمود" من صداع ومناكفة معه فى كل جلسة من جلسات المجلس، فإنه اختاره بعد تعرضه لأزمة صحية أن يحمل "عبدالغنى" وصيته، وأن يكون مشرفًا على جنازته، من فرط الثقة والحب الذى كان يحظى بهما من اللواء فخر ومن كل من عرفه..

 رحم الله عم محمود عبدالغنى وعزاؤنا لأسرته الصغيرة من إخوته وأبنائهم ومن أسرته الأكبر فى العمل السياسي بالقاهرة وأبنائه بالتوفيقية.