رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كارثة «الدمسا».. أطفال التوحد في مصر «فئران تجارب» لدواء أمريكى محظور (تحقيق)

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

أثارت «الانتكاسة»، التى تعرض لها بعض الأطفال المصابين بمرض «التوحد» جراء تناولهم عقارًا أمريكيًا يدعى «الدمسا»، وإصابة بعضهم بـ«انهيار عصبى»، تساؤلات عن طبيعة هذا العقار، والمواد المستخدمة فى تصنيعه، وحقيقة تسببه فى «الفشل الكلوى» وضعف النمو.
هذه التساؤلات كانت بمثابة بداية الخيط للبحث وراء هذا العقار، وبالفعل تم توثيق مجموعة من الحالات لأطفال أصيبوا بمضاعفات صحية خطيرة نتيجة تناول هذا العقار، إلى جانب اكتشاف حظره فى الولايات المتحدة، بناء على قرار من منظمة الغذاء والدواء الأمريكية «FDA»، بتاريخ ٢٢ ديسمبر ٢٠١٦. جاء قرار المنظمة بسبب أن العقار «يتخلص من جميع المعادن الموجودة فى جسم المريض، سواء الثقيلة وغير الثقيلة (الضارة والمفيدة)، ما يؤدى إلى الجفاف والفشل الكلوى، وأحيانًا إلى الموت».
ورغم ذلك، يعمد بعض الأطباء إلى وصفه للمرضى وإحضاره لهم عبر استيراده بطرق غير قانونية، من خلال بعض شركات الشحن الوسيطة لإدخاله إلى الأراضى المصرية، ومن ثم بيعه، فى غياب تام لرقابة وزارة الصحة ومصلحة الجمارك.

من «آدم» لـ«سيلين».. ٤ حالات متضررة بدءًا من «الهزال» حتى «الانهيار العصبى»
بابتسامة طفولية وضحكة صافية وعينين تملؤهما البراءة، استقبلنا الطفل «آدم محمود» المصاب بمرض «التوحد»، وهو الاسم المرضى الذى يُطلق على المصاب بحالة من «ضعف العلاقات الاجتماعية والتواصل واللغة مع من حوله، ويتم اكتشافه خلال الثلاث سنوات الأولى من عمر الطفل».
إلى جواره، بدت والدته عزيزة محمد، التى طغى عليها الأسى جراء معاناة طفلها الذى لم يتخط الثالثة من عمره بعد، ليقينها بعدم وجود علاج له، فجابت به العديد من المستشفيات علها تجد سبيلًا للتخفيف عنه.
تُجرى «أم آدم»، التى تسكن فى ميدان الجيزة، تحاليل لطفلها فى مستشفى قصر العينى بشكل دورى كل ٦ أشهر، ومؤخرًا التقت الدكتورة «أ. ص»، التى نصحتها بزيارتها فى عيادتها الخاصة، التى تقع فى حى العجوزة بالجيزة، بحجة أنها ممنوعة من كتابة أدوية خارج صيدلية المستشفى، فجددت الأمل بقلب «أم آدم» بأن هناك علاجًا جديدًا لمرضى التوحد سيساعد فى شفاء طفلها.
بعد أسبوع، جاء موعد الكشف الذى حددته الطبيبة، فكان العلاج المكتوب يسمى «الدمسا كليشن» «DMSA Chelation» من فئة ١ جم، وكانت المشكلة التى واجهتها، آنذاك، تكمن فى أن الدواء غير متوافر فى مصر، إلا أن الطبيبة طمأنتها بأنها ستوفره لها من خلال استيراده من الولايات المتحدة، بمبلغ ١٥٠٠ جنيه للعلبة الواحدة (أى ما يعادل ٢٨.١٢٥ دولار حسب سعر الصرف فى البنوك المصرية حينذاك)، على أن يتبع النظام الدوائى الذى أوصتها به لمدة ٦ أشهر.
بعد فترة من بدء جرعات العلاج أصيبت الأم بصاعقة كبيرة، فبدلًا من تحسن حالة «آدم» تدهورت صحته وأصيب بنوبات مرضية مضاعفة، تمثلت فى ارتفاع درجة حرارة جسده باستمرار، وعدم مقدرته على الوقوف فترة طويلة.
وظهرت هذه الأعراض بعد أول جرعة مباشرة، وبعد عدة أيام لاحظت الأم هزال جسد ابنها، ورفضه تناول الطعام، رغم أنه كان يواظب على تناول مكملات غذائية لتعويض العناصر المفيدة، التى تنقصه مثل الكالسيوم والزنك والماغنسيوم وفيتامين B66 والحديد، إضافة إلى فوار «أسوسيل»، حسبما نصحتها الطبية المعالجة، التى أكدت لها أن العلاج لا يتم تناوله منفردًا ولا بد من المكملات.
تقول أم آدم: «أنا مكملتش العلاج بسبب اللى حصله بعد استخدامه، ومن غير ما أرجع للدكتورة دى تانى، لأنى لما لقيت ابنى تعب من علاجها خوفت أروحلها»، مشيرة إلى أن الدواء غير متوافر بالصيدليات ويستورده الأطباء من أمريكا ثم يبيعونه بسعر أعلى من ثمنه الحقيقى، الذى يبلغ ٩٠ دولارًا «أى ما يعادل ١٥٣٠ جنيهًا مصريًا حسب سعر الصرف الحالى»، مؤكدة أن سبب اختفائه من الأسواق وجود مشكلة فى ترخيصه من وزارة الصحة المصرية، حسبما علمت من الطبيبة المعالجة لحالة طفلها. «آدم» لم يكن الحالة الوحيدة التى استنزفت أموالاً، أملًا فى علاج طفلها من التوحد، فتضرر بالآثار الجانبية لعقار «الدمسا»، الذى ثبت أنه غير مرخص من وزارة الصحة المصرية، لعدم إجراء أبحاث كافية لإقرار التعامل به، وتسببه فى مضاعفات سلبية له حتى مع الإشراف الطبى لمتخصصين مصريين معروفين بالوسط الصحى.
الحالة الثانية كانت لـ«محمد عامر»، الذى ما زال فى العام الثانى من عمره، ولاحظت والدته «سعيدة السيد»، التى تقطن بمدينة المنصورة، تأخره فى التواصل الاجتماعى مع الآخرين، فذهبت به إلى أقرب طبيب أطفال، فذكر لها أن الطفل مصاب بالتوحد.
بحثت «أم محمد»، عبر مواقع التواصل الاجتماعى، عن العلاج الأمثل لهذا المرض، وبالصدفة عثرت على «جروب» بموقع «فيسبوك» بعنوان «حمية أطفال التوحد»، الذى تديره بعض الأمهات اللاتى يعانى أطفالهن من مرض التوحد، فتكرر أمامها اسم «الدمسا» كعلاج فعّال، فقررت إعطاءه لطفلها فى يونيو ٢٠١٧، بناء على وصفة من الأمهات، وتمكنت من شرائه من خلال موقع (www.iHerb.com) الإلكترونى لعدم توافره بالصيدليات.
لكنها بعد ١٥ يومًا من استخدامه، لاحظت أن الطفل أصبح عصبيًا ولا ينام إلا لدقائق معدودات، ولا يستجيب لجلسات العلاج النفسى، التى كانت تسهم فى تحسين حالته من قبل.
أما «عمر أحمد»، عامان ونصف العام، الذى يقطن مع والديه بمدينة الزقازيق فى محافظة الشرقية، فتناول «الدمسا» باستمرار منذ ٥ أشهر، بعدما دلتهم عليه الدكتورة «أ. ص» أيضًا، وحصلوا عليه عبر الموقع إلإلكترونى (www.vtp.com) المتخصص فى بيع هذا المنتج الدوائى، إلا أنهم لم يروا أى تحسن أو تطور فى حالته الصحية، فى الوقت الذى يستنزف شراء العقار أموالهم واتضح أنه بلا جدوى، حسبما قال شقيقه الأكبر «عبدالرحمن» لـ«الدستور».
بينما كان الطفل «أحمد عادل»، المقيم بمحافظة كفر الشيخ، محظوظًا لعدم قدرة والده على جلب هذا العقار إليه، يقول والد أحمد: «أعلم أنه لا يوجد أى علاج لمرض التوحد، لكن حين تواصلت مع الدكتور «إ. ر»، أستاذ واستشارى أمراض المخ والأعصاب والطب النفسى لذوى الاحتياجات الخاصة والتوحد، دلنى على علاج (الدمسا)، وكانت المشكلة الوحيدة أنه غير متداول فى الأسواق المصرية». وأضاف والد أحمد: «لأن الغرقان بيتعلق بقشة، طلبت من أحد أقاربى العائدين من أمريكا بأن يحضر لى العقار معه، إلا أنه تم ضبط العقار بواسطة أمن المطار، لكونه ممنوعًا من الدخول إلى الأراضى المصرية».
توصلنا إلى حالة أخرى بالجزائر للتأكد من التداعيات السلبية لتعاطى العقار، وهى «سيلين كامل» ذات الثلاث سنوات، تقول والدتها الأربعينية: «بروتوكول الدمسا فاشل»، مضيفة أنها تابعت حالة سيلين مع الدكتور محمد المومنى، طبيب جزائرى متخصص فى علاج التوحد، ولأن «الدمسا» لا يباع فى الصيدليات، بل فقط فى أمريكا وألمانيا وبعض الدول الأجنبية اشترته من ذلك الطبيب، مشيرة إلى أنها استخدمته لمدة ٦ أسابيع فى كل أسبوع مرة، وبعد ٣ شهور أعادت استخدامه ٤ مرات أخرى. وتضيف والدة سيلين: «لم نجد منه سوى إضاعة الوقت والمال، رغم أننا لم نستخدمه منفردًا، بل كانت معه مكملات أخرى تسانده، كما نصحنا الطبيب، وهى الكالسيوم والزنك والماغنسيوم والسيلينيوم وفيتامين B6 والحديد».

الشركة المنتجة: آمن ويعمل بسرعة كبيرة.. و«FDA»: خطر وقد يسبب الوفاة

تُعرّف شركة «Northen Health Products» المصنعة لـ«الدمسا» عبر موقعها الرسمى، بميزات العقار، قائلة إنه «يستخدم لإزالة المعادن الثقيلة السامة»، وإنه «فعّال بشكل خاص فى إزالة الرصاص والزئبق، وهو آمن ويعمل بسرعة كبيرة، ولا حاجة إلى وصفة طبية».
وتجاهلت الشركة أن العقار يزيل جميع المعادن الموجودة فى الجسم، سواء غير السامة أو السامة، وكذلك تعمدت ذكر أنه لا يحتاج إلى وصفة طبية.
«الدستور» تواصلت مع هيئة الغذاء والدواء الأمريكية «FDA» عبر البريد الإلكترونى، لسؤالها عن سبب حظرها هذا الدواء، فكان ردها أنه «خطر على الأطفال إذا لم يتم استخدامه تحت إشراف طبى (طبيب أمريكى لديه ترخيص مزاولة مهنة الطب مستخرج من وزارة الصحة الأمريكية) حتى يتم تحديد مسار العمل المناسب، لأنه قد يتسبب فى الجفاف والفشل الكلوى، وفى بعض الحالات يؤدى إلى الوفاة». وحذرت الـ«FDA» عبر موقعها الرسمى، شركة «Northen Health Products» المنتجة لـ«الدمسا» من تداول هذا العقار فى الولايات المتحدة الأمريكية قائلة: «بناء على مراجعاتنا قررنا أن منتجكم دواء غير موافق عليه ووصفه بشكل خاطئ يؤدى لانتهاك الفقرتين ٥٠٥ (أ)، و٥٠٢ (f1) من القانون الاتحادى للغذاء والدواء ومستحضرات التجميل».
وفسرت المنظمة هذا الحظر بأنه تمت الموافقة على «الدمسا» لتداوله كمكمل غذائى، لكن بموجب المادة ٢٠١ (ff) (3) (B) لا يمكن أن تحتوى المكملات الغذائية على مادة معتمدة كدواء جديد بموجب المادة ٥٠٥ من القانون، ما لم يتم تسويق تلك المادة كمكمل غذائى أو غذاء قبل موافقة منظمة الغذاء والدواء عليه، مشيرة إلى أنه لم يتم تسويق العقار كمكمل غذائى أو طعام.
وأكدت«FDA» أن «الدمسا» منتج غير معترف به وليس آمنًا وفعالًا، كما أوردت الشركة فى تعريفها له، لأنه لا يمكن استخدامه إلا فى حالة إشراف طبيب مرخص له، ما يعنى أن الدواء يحتاج إلى وصفة طبية، وبناء على ذلك، يفشل «الدمسا» فى تحمل توجيهات كافية للاستخدام المقصود له، ما يجعله ينتهك القانون.
من جانبها اعتبرت منظمة «APIES For Freedom»، وهى منظمة أمريكية معنية بحقوق التوحد، أن استخدام العلاج بالاستحلاب (أو الدمسا كليشن) غير أخلاقى، ويحتمل أن يكون خطرًا، معللة ذلك بأن هناك القليل من الأبحاث العلمية التى لا يمكن الاعتماد عليها، التى تدعم استخدام العلاج بالاستحلاب كعقار فعال للتوحد.
جدير بالذكر، أن المكملات الغذائية، هى مستحضرات هدفها تكملة النظام الغذائى بمواد تغذية مثل الفيتامين والمعادن والألياف والأحماض الدهنية والأحماض الأمينية، التى قد تكون مفقودة فى النظام الغذائى للشخص أو قد لا تستهلك بكميات كافية، وزيادة استخدامها قد يكون ضارًا، حسبما قال الدكتور إيهاب عيد أستاذ الطب السلوكى بجامعة عين شمس.

العقار يدخل تحت اسم «مكمل غذائى»
الطريقة التى أرشدنا إليها أهالى الحالات المتضررة فى الحصول على «الدمسا» تمثلت فى عدد من المواقع الإلكترونية التى تبيع العقار، لكن ليس من خلال الشركة المنتجة فى أمريكا، بل من خلال شركة بديلة تسمى «Living Supplement» تقع فى ١٤ بينيترى كريسنت، فريدهوك، كيب تاون، فى جنوب إفريقيا، ومسجلة برقم (١٩٩٨/٠٤٧٧٩٦/٢٣) حسبما ورد فى الموقع الرسمى للشركة.
وبالبحث عن كيفية إدخال العقار المحظور إلى مصر، عثر محققا «الدستور» على صفحة على «فيسبوك» تعلن عن توافر كميات مُحددة من العقار، طالبة من راغبى شراء «الدمسا» التواصل معهم عن طريق الرسائل، وجاء الرد: «يصل الدواء خلال فترة تصل إلى ٥ أسابيع من تاريخ طلب العلاج».
وأضاف أدمن الصفحة أنه يجب سداد جزء من سعر العبوة (١٠٠ جنيه) من خلال خدمة «فودافون كاش» أو حوالة بريدية، تأكيدًا للحجز وجدية طالب الدواء، ولا يتم استكمال المبلغ إلا عند استلام الكمية المطلوبة، وليس مُتاحًا أن يكون التواصل هاتفيًا أو عبر مقابلة.
وأوضح أن «الدمسا» الموجود لديهم هو علاج بديل لكنه يحوى نفس المادة الفعالة، ويتم إحضاره من جنوب إفريقيا بديلًا عن العلاج الأصلى الموجود فى أمريكا، ويحمل نفس اسم العلاج الأصلى «DMSA»، مشيرًا إلى أن سعر العبوة بتركيز ٢٥ جم هو ٩٠٠ جنيه، وفى حال طلب أكثر من عبوة، يكون السعر ٨٥٠ جنيهًا للعبوة الواحدة، غير شامل رسوم شركة الشحن، مشيرًا إلى أنهم يتعاملون مع شركة «ميديل إيست» للشحن لإيصال الدواء إلى عملائهم.
وأكد الأدمن أن «الدمسا» يدخل إلى الأراضى المصرية تحت مسمى «مكمل غذائى» وهو ما يخالف التصنيف الطبى للعقار على أنه دواء يتم صرفه بروشتة طبية حسبما ورد فى رد FDA، لذا فهو مسموح به بطريقة عادية ورسمية من الجمرك المصرى، مضيفًا: «إجراءات الجمارك صعبة بعض الشىء، لكن أحيانًا ربنا بييسر ونخلصها، وأحيانًا لا، والعقار مكمل مسموح به مش ممنوع ولا متهرب، ولو كان متهرب مكنش الأطباء يكتبوه أبدًا».
«الدستور» واجهت أدمن الصفحة بأن الأطباء فى مصر يكتبون للمرضى العلاج المُصنع فى أمريكا، وليس العلاج المنُتج بجنوب إفريقيا، فقال إن الدواء المُصنع بجنوب إفريقيا، به نفس المادة الفعالة، وكثير من أهالى المرضى أشادوا به، مشيرًا إلى أن «DMSA» المُصنع فى أمريكا تم منعه ولا يُعطى إلا بـ«روشتة» طبية يكتبها طبيب أمريكى، مؤكدًا أنه فى حال حجز الدواء بالمطار، يتم رد مقدم الحجز لمن يطلب العقار.
مُروج الدواء كشف أنه يتم الحصول على الدواء المُصنع فى جنوب إفريقيا، عن طريق موقع إلكترونى يُسمى «Livingsupplements.com» وهو الموقع الرسمى للشركة المُنتجة لـ«الدمسا» فى جنوب إفريقيا.
وبتصفح الموقع، عثرنا على أنواع عدة من عبوات «DMSA» حاملة تركيزات مختلفة، وتراوحت أسعار العبوات بين ٢٠ و٢٩ دولارًا للعبوة الواحدة، فى حين كان سعر العبوة التى طلبناها من صاحب الصفحة ٢٥.٧٨ دولار، أى ما يعادل ٤٥٠ جنيهًا مصريًا، حسب سعر صرف الدولار حاليًا بالبنوك المصرية.

الأطباء واصفو العلاج: يهدد الحياة.. لكن لا يمكن ترك الطفل فريسة لـ«المرض»
من خلال الحديث مع الحالات المتضررة من العقار، قالوا إنهم حصلوا على «الدمسا» من خلال شرائه من أطباء، وتضمنت قائمة الأطباء المتورطين فى وصف العقار لمصابى «التوحد»، حسب الأهالى: «الدكتور «إ. ر» أستاذ العوامل الوراثية، والدكتورة «أ. ص» بكلية طب قصر العينى، والدكتورة «م. س» أستاذ بشعبة الوراثة البشرية وأبحاث الجينيوم بالمركز القومى للبحوث».
واجهنا الأطباء بما توصلنا إليه، بداية من الدكتور «أ.ر»، أستاذ واستشارى أمراض المخ والأعصاب والطب النفسى لذوى الاحتياجات الخاصة والتوحد، وكان اللقاء داخل المركز القومى للبحوث، فقال فى اعتراف مسجل إن «الدمسا» يلتقط المعادن الفاسدة والصالحة معًا، ما يُهدد حياة المريض، مؤكدًا أنه عند البحث عنه لا تجده فى الأسواق، ويأتى بشكل فردى، من خلال استيراده للمريض من أمريكا، لافتًا إلى أن العلاج غير معروف فى مصر أو الوطن العربى، لعدم إجراء الأبحاث الكافية عليه.
وأضاف «رجائى»: «لا يُمكن ترك الطفل فريسة للتوحد، فبعض المعادن وجودها خطير فى جسد الطفل، مثل الزئبق، فهو أول معدن اُتهم بإحداث التسمم عن طريق وجوده كمادة جامعة داخل اللقاح الثلاثى (إم إم آر) أى (الحصبة)، كما أن الألومنيوم يؤدى للإصابة بألزهايمر، والرصاص يؤدى إلى الإعاقة الذهنية، والزرنيخ يُعطل وظائف المخ»، موضحًا أنه لا بديل من التدخل الطبى بـ«الدمسا»، وهو ما يُطلق عليه بين الأطباء «الكليشن» أى غسيل المعادن.
أما الطبيبة الثانية التى واجهناها، فكانت الدكتورة «أ.ص»، بكلية طب قصر العينى سابقًا، التى قالت: «لست متهمة بشىء كى أدافع عن نفسى، ولست بصدد الحديث عن دواء أستخدمه فهذا نوع من الترويج له».
وأشارت إلى أن «الدمسا» إذا كان محظورًا بالفعل، فلن يكون محور الحديث بين الأطباء فى المؤتمرات الدولية، وكذلك فى الكتب العلمية مثل كتاب «Olson»، الذى نجد فيه فصلًا كاملًا يتحدث عن «الدمسا».
ورأت أن العيب يكون على الأهل، وليس على الدواء، فما يحدث هو أن «بعض الأهالى لا يلتزم بالنظام الذى نضعه للاستمرار على هذا العلاج، فهو لا يؤخذ كل يوم، بل هناك نظام قرص فى الصباح لمدة ٣ أيام، ثم تركه لمدة ١٠ أيام ثم نعاود الأمر مرة أخرى».
وأضافت: «هذا العلاج لا يتم إعطاؤه للطفل إلا بعد إجراء التحاليل اللازمة لقياس نسبة المعادن، وأولها تحليل للشعر لكنه ليس الأساس، بل هو مجرد مسح لحالة الطفل، لكن الأكثر فاعلية هو تحاليل الدم أو البول، لأن كل معدن له مكان معين يستقر فيه».
وفسرت تحذير «FDA» من «الدمسا»، بأن وراء ذلك عدم استخدام العامة له، واستخدامه تحت إشراف طبى ليحقق الهدف المرجو منه، مشيرة إلى أن «الدمسا» لا يعد علاجًا للشفاء الكامل من التوحد، بل يحاول ضبط المستوى بين المعادن الأساسية (الزنك والكالسيوم والحديد)، والمعادن الملوثة (الرصاص والزئبق والألومنيوم) بجسم الطفل، والأساس فى هذا المرض هو محاولة تحسين السلوك لدى الطفل والتخاطب، لمحاولة إدماج الطفل فى المجتمع نفسه.
ولفتت الطبيبة إلى أن «الدمسا» ليس العلاج الشافى بنسبة ١٠٠٪ لأطفال التوحد، بل يساعد على تحقيق هذا التوازن بين المعادن، فهو فى الأساس مكمل غذائى، وبالتالى فهو آمن على الأطفال، وليست له أعراض جانبية، والعَرَض الوحيد الذى قد يسببه هو الإحساس بالميل للقئ، نافية ما لحق بالحالات المتضررة، التى عرضناها عليها، قائلة: «إيه الإثبات إن السبب هو هذا الدواء؟».
وأضافت: «كنا نستخدم عقار الأرتامين Artamin كبديل لـ(الدمسا)، إلا أنه أصبح غير موجود تقريبًا، وبالتالى أصبحنا نستخدم (الدمسا)، وهو البديل الأكثر أمانًا».
وأشارت إلى أنه من صفات مرضى التوحد العِنّد وتناول نوع واحد أو نوعين فقط من الطعام، وبالتالى فإن فقدان الشهية ليس من الآثار الجانبية لـ(الدمسا)».
أما بالنسبة للجرعات فرفضت الإفصاح عنها، قائلة: «مينفعش أقول جرعاتى بشتغلها إزاى، كل جرعة لها بروتوكول محدش بيناقش فيه الدكتور، وبتكون على حسب وزن وسن الطفل»، مؤكدة أنها لا تصف «الدمسا» للطفل إلا إذا كانت لديه مستويات عالية من الرصاص أو الزئبق أو الألومنيوم فى جسمه.
وفى محاولة منّا لمعرفة كيفية دخوله إلى مصر بعد مواجهتها بكونه محظورا دخوله للبلاد، قالت إنه مادة فعالة موجودة فى جميع أنحاء العالم ولا تحتكر دولة تحضيره فليس هناك بلد منشأ محدد، مؤكدة أن هذا العلاج لا يكتبه سوى طبيبين أو ٣ أطباء على مستوى الجمهورية.
وكشفت عن وجود مجموعة من الأطباء كونوا مجموعات عبر مواقع التواصل الاجتماعى، ومن يستطيع إحضاره معه يبلغ زملاءه بأنه تمكن من توفيره، كذلك الآباء أنفسهم ممن يتمكنون من السفر للخارج يساهمون فى إحضاره، كنوع من الخدمة المجتمعية، لأن الدواء باهظ الثمن ولا يتمكن أغلب الناس من الحصول عليه أو يعجزون عن شرائه «أون لاين».
أما الدكتورة «م. س»، أستاذ بشعبة الوراثة البشرية وأبحاث الجينيوم بالمركز القومى للبحوث، فحاول معدا التحقيق التواصل معها من خلال لقائها داخل المركز القومى للبحوث، إلا أننا لم نتمكن سوى من محادثتها عبر الهاتف الخاص بالمركز، وعند مواجهتها بما توصلنا إليه تهربت من الإجابة.
يذكر أن لائحة آداب المهنة الخاصة بنقابة الأطباء الصادرة تحت رقم ٢٣٨ لسنة ٢٠٠٣، تنص فى الباب الأول، مادة (٩) على أنه: «لا يجوز للطبيب تطبيق طريقة جديدة للتشخيص أو العلاج إذا لم يكن قد اكتمل اختبارها بالأسلوب العلمى والأخلاقى السليم ونشرت فى المجلات الطبية المعتمدة وثبتت صلاحيتها وتم الترخيص بها من الجهات الصحية المختصة».

يدخل البلاد مهربًا.. وجروبات علاج «التوحد» على «فيسبوك» حوَّلته إلى موضة
قال الدكتور ياسر المنسى، أستاذ المخ والأعصاب فى المنصورة، عضو الجمعية المصرية للأمراض النفسية والعصبية، إن «الدمسا» يدخل إلى البلاد «مُهرّبًا»، مرجعًا الأمر إلى واحد من سببين، أولاً كونه غير مسجل فى وزارة الصحة لعدم وجود شركة مستوردة له فى مصر، والثانى أن مصر ليست لديها معامل مجهزة لاختبار الأدوية للحصول على موافقة بتداوله.
وأكد «المنسى» أنه من الممكن القيام بالاختبارات على الدواء فى المركز القومى للبحوث، الذى يضم العديد من المتخصصين الذين يستخدمون هذا الدواء فى علاج مرضاهم.
وأشار أستاذ المخ والأعصاب، إلى أن هناك غير متخصصين فى علاج «التوحد» يشخصّون حالات الأطفال الذين لديهم فرط حركة على أنه «توحد» موضحًا أن أزمة عقار «الدمسا» أنه أصبح «موضة» فمثلًا إذا نشرت إحدى السيدات على مواقع التواصل الاجتماعى أن العلاج أفاد ابنها، تجد أخريات يسعين نحو علاج أطفالهن المصابين بالتوحد بـ«الدمسا». وأوضح أن استخدام العلاج لابد أن يكون بحذر، وبعد التأكد من أنه مفيد بالفعل، لافتًا إلى أن هُناك من يعتقد أن السبب فى التوحد هو المعادن الثقيلة، لكن بعد سحبها لا يتحسن الطفل، وهذا يرجع إلى أن المشكلة مركبة ومتداخلة، وهناك أسباب كثيرة لها، فلا يجب أن يقوم أى شخص بسحب المعادن، فلذلك طريقة معينة وتحذيرات أيضًا.
وأضاف: «حتى إن ثبت وجود معادن ثقيلة لدى الطفل، فيجب النظر إلى السبب أولًا قبل البدء بسحبها، فمن الممكن أن تكون نفاذية الأمعاء كبيرة، والطبيعى أن الأمعاء تختار المركبات وتمتص المواد الكيميائية بتركيزات معينة وكميات محددة، وكلنا نتناول أطعمة بها زئبق ورصاص، لكن لا تؤثر علينا، إلا أنه فى حال كانت نفاذية الأمعاء كبيرة فإنها تؤدى إلى زيادة المعادن فى جسم الطفل، لكن لكل طفل حالته الخاصة، حتى لو تشابهت الأعراض».
أما الدكتور عصام حسن، استشارى التخاطب واضطرابات التوحد وصعوبات التعلم، فقال إنهم كأطباء لا يعمدون إلى صرف «الدمسا» للمريض لأنه غالى الثمن وله بدائل أخرى، وهذا الدواء قد لا تكون له نتائج واضحة.
ولفت «حسن» إلى أن هناك بعض الحالات من دول عربية كانت تتابع معه، بحكم أنهم قادرون على شراء الدواء، إلا أنهم وجدوا أن له نتائج غير مرضية على أطفالهم، فباعوا ما تبقى لديهم من العبوات عبر صفحات «فيس بوك» الخاصة بـ«التوحد».
وتطرق المتخصص فى مشكلات النطق والتخاطب وتعديل السلوك، للحديث عن آلية عمل «الدمسا» قائلًا إنه يسحب المعادن الثقيلة بالجسم، إلا أن هناك إشكالية فى سحب المعادن الثقيلة للطفل المصاب بـ«التوحد» على وجه الخصوص.
وأضاف: «من خلال خبرتنا فى الأعشاب وجدنا بدائل أخرى أكثر أمانًا من الأدوية المباشرة التى تحتوى على المواد الكيميائية، وهو ما نحاول تطبيقه على الأطفال مع اتباع حمية خاصة بهم، وهى من الأساسيات التى تساعدنا فى نجاح الدواء».

«الوزارة» ترفض كشف أضراره.. «النقابة»: الشطب عقوبة واصفيه.. و«الصيادلة»: «مسمعناش عنه»

التقينا الدكتورة منى عبدالمقصود، أمينة الأمانة العامة للصحة النفسية بوزارة الصحة، للاستفسار عن تداعيات استخدام عقار «الدمسا»، فطالبتنا بالانتظار ١٠ أيام، لإعداد تقرير وافٍ بشأنه.
بعد انتهاء المدة المحددة، أخبرتنا بأنه تم الانتهاء من التقرير بالفعل بصحبة الدكتور «محمد على»، وأنه تبين أن «الدمسا دواء سلبى» أما باقى محتويات التقرير فرفضت الإفصاح عنه إلا بعد تصريح رسمى من الدكتور خالد مجاهد، المتحدث الرسمى باسم وزارة الصحة.
وقضى معدا التحقيق أسبوعًا كاملًا فى محاولة للتواصل مع الدكتور خالد مجاهد، للحصول منه على تصريحات بشأن العقار والدراسة التى أعدتها أمينة الأمانة العامة للصحة النفسية، من خلال زيارة مكتبه فى وزارة الصحة، وزيارة مكتبه الموجود خلف مستشفى العباسية للصحة النفسية، ومن خلال الاتصالات الهاتفية والرسائل النصية، إلا أنه لم يرد حتى موعد نشر التحقيق.
من جهته، قال الدكتور إيهاب الطاهر، الأمين العام لنقابة الأطباء، إنه إذا ثبت استخدام طبيب دواء غير مثبت علميًا يحول إلى لجنة آداب المهنة، لأن ذلك تصرف غير مقبول، فلا يجوز أن يستخدم أحد أى ابتكار أو عقار دوائى جديد ليست له أدلة وإثباتات علمية، فإذا وصلتنا شكوى من تورط أى طبيب فى هذا الأمر يتم التحقيق معه فى لجنة آداب المهنة.
وأضاف الطاهر: «حسب قانون نقابة الأطباء ليست هناك عقوبة محددة لكل مخالفة، لكن القانون ذكر أنواع المخالفات وحدد أنواع العقوبات التى تبدأ بالإنذار ثم الغرامة ثم الإيقاف عن مزاولة المهنة لمدة أقصاها سنة ثم الشطب نهائيًا من سجلات مهنة الطب»، موضحًا أن الهيئة التأديبية، وهى عبارة عن محكمة داخل النقابة، ترى مدى المخالفة والجرم الذى حدث ثم تختار له عقوبة من العقوبات الموجودة طبقًا لجسامة المخالفة الموجودة.
وأكد الأمين العام لنقابة الأطباء أنه إذا تورط طبيب فى تهريب دواء من الخارج فإن النقابة ليست مسئولة عنه، ولا دخل لها فى الأمر، بل ينطبق عليه قانون العقوبات.
أما الدكتور محيى عبيد، نقيب الصيادلة، فأكد أنه لأول مرة يسمع عن «الدمسا كليشن» كعلاج لمرضى «التوحد».
وقال نقيب الصيادلة، إنه بمجرد رصد دواء غير مسجل بوزارة الصحة تبدأ المخاطبات للإدارة المركزية للشئون الصيدلية، ثم مخاطبة التفتيش الصيدلى، وصولاً إلى التعاون مع مباحث التموين لرصد المكان الذى يبيع تلك الأدوية غير المرخصة، أما الطبيب الذى يبيع الدواء فى العيادة فيتم الإبلاغ عنه، ثم يُحرر محضر ضده، لأنه يخالف القانون مرتكبًا جنحة لمزاولته المهنة دون ترخيص، بالإضافة إلى تهربه الضريبى لحصوله على مكسب دون دفع ضريبة.
من جانبه، قال الدكتور إسلام محمد، صيدلى متخصص فى مجال تراخيص الأدوية، إن العقوبة الموجهة لمن يبيع دواء غير مسجل أو مهربا هى تحرير محضر مزاولة مهنة بدون ترخيص وغرامة قدرها ٢٠٠ جنيه، ثم يتم حفظ المحضر.
وأضاف: «إن كان هناك طبيب وراء التهريب فإن نقابته تحميه من خلال زعم أن ما يروج له تابع لمهنته والنقابة مسئولة عن محاسبته»، مشيرًا إلى أن هذا العقار لا رقابة عليه، فهناك بعض العبوات منتهية الصلاحية ويتم ترويجها، حسب قوله.
وأشار إلى أن «الدمسا» كمكمل غذائى يعد مفيدًا أما كعلاج لـ«التوحد» فليس مفيدًا، لافتًا إلى أن كل المكملات الغذائية لا توجد أبحاث كافية عليها ويتم ترخيصها فى المعهد القومى للتغذية وليس الإدارة المركزية للصيدلة، وآثاره الجانبية قد تصل إلى الفشل الكلوى مع الاستخدام المفرط له.