رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حوار مع صديقى السلفى «1- 3»


هذا ما أذهلنى حقاً فقد كانت استقلايتك راسخة عندى ولم أعهدك منشغلاً، هكذا بالحديث عن فضائل صديقنا وجارنا الإخوانى ونقل أقواله والثناء على مواقفه، وإن كنت لم أستغرب أنه يقوم بنفس الفعل عنك فى كل الأماكن ومع كل الناس.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أفتقدك كثيراً يا صديقى السلفى هذه الأيام يا صديق المسجد والحى فلم يجمعنا لقاء منذ أحداث ثورة 25 يناير اللهم إلا الحديث القصير الذى دار بيننا على باب المسجد بعد نجاح الثورة بيومين وتبادلنا فيه التهانى وسألتك عن القادم ماذا ترى فيه.. وجاءتنى إجابتك وقتها جامعة شافية بأن الله تعالى أراد بهذا الوطن خيراً ولن يتركنا نضيع أبداً.

على باب المسجد سمعت هذه الكلمات فنزلت على قلبى برداً وسلاماً وأظنها مناسبة أن أحدثك عن بعض ما لم أحدثك به أيام أن كنا نلتقى فى المسجد قبل الثورة فقد كانت صورتك الحبيبة التى تطالعنى كلما دخلت هناك خاصة والأجواء هادئة فى غير صلاة الجمعة.. وصدقاً أقول لك إن انشغالك بالصلاة والذكر لم تمنع عينى من التعلق بك فقد كنت مختلفاً عنا دون شك، كنا فى أغلب أوقاتنا غاضبين من شىء ما وكنت أنت هادئاً وكان الحزن سمت وجوهنا بسبب ودون سبب وكانت ابتسامتك إشراقة دائمة لا أدرى لها نبعاً.. أو أدرى أنها جزاء «وفاقاً» لك فى سبقك لنا بالعبادات والنوافل وجديتك التى ألزمت نفسك بها، لم يشغلك يوماً ما كان يدور بين أصدقاء المسجد والحى من أحاديث وجدل حول الهام وغيره وعندما أتحجج بسؤالك عما ترى فى الأمر كى أفتح الحوار معك كانت إجابتك مختصرة راجحة وكأنك قتلت ما نختلف عليه وتدقيقاً كان تعجلك الجميل غير منفر فما انقطع من حديث بعد هذه الصلاة قد يوصل بعد الصلاة القادمة فأنت بالطبع موجود ونحن الذين قد لا نأتى.

لن أطيل فى ذكر ما مضى فأظنك تعرفه.. لأنه إجمالاً «من لم يكن يحبك مثلى كان يكن لك احتراماً وتقديراً» فى أى تعامل بين الجميع وبينك ما هو مهم بالفعل اليوم فى حوارى معك هو الحاضر الذى أصابنى فيه من الدهشة الكثير، فما أن تبدلت الأحوال بعد الثورة وفتحت أبواب السياسة حتى وجدت منك وأصدقائك اندفاعاً «غريباً» نحو تنظيمها وممارسة واستغراقاً كاملاً علماً بأننى مازالت أذكر بأنك كنت تستنكر على صديقنا وجارنا فى الحى الذى ينتمى إلى الإخوان المسلمين اشتغاله بالسياسة وكنت أسمع منك فى أكثر من موقف حديثك إليه بأن للسياسة أهلها وأن الانشغال بالعبادة والدعوة أجدى وأنفع لعامة المسلمين.. وكثيراً ما وجهت إليه عتاباً لطيفاً على إهدار وقت يمكن قضاؤه فى إرضاء الله يستغل فى صراعات مع أهل الحكم، وعندما راجعتك أن وصديقى الإخوانى مرة فى هذا الأمر وأبدينا عدم رضائنا عما يفعله أهل الحكم كان ردك وقتها أننا لابد من الاهتمام بإصلاح أنفسنا أولاً وليس ضرورياً فى أهل الحكم إلا أن يكونوا على قدر الكفاءة التى تحقق مطالب الشعب وترتقى به إلى الأفضل وليس من الواجب مطلقاً أن اهتم بالصراع معهم ومنازعتهم فى سلطتهم،

وأظن هذا الرأى هو ما كان يباعد بينك وبين صدقنا الإخوانى جار الحى مع أنكما كنتما تشتركان فى ملمح واحد من المواظبة على المسجد وحديث الدين الذى يغلف ويفسر أى موقف يدور بيننا أو حدث يقع حولنا.. كان هو حريصاً على الاستغراق معنا وأنت فى الجانب الآخر حريص على التباعد والانشغال بنفسك فعلياً «مما أعطى لك اتساقاً» مع ما تحدثنا به، لكن التبدل السريع الذى حدث لك هو غير المتسق نهائياً، فقد وجدتك فى غضون شهور معدودة داخل صفوف حزب سياسى وتمارس ألعاب الحشد واجتذاب الأنصار وانقلب حديثك بسرعة ناحية الخوض فيما كان وما يجب أن يكون وشاهدت منك فى الاستفتاء على تعديل الدستور ومن بعدها فى أول انتخابات لمجلس الشعب أعمالاً غريبة فى الشارع والحى، ولكن بالنسبة لى كان أشدها غرابة هو ذوبان كل الثلوج ما بينك وبين صديقنا الإخوانى ووجدتك معه طوال الوقت تقريباً، ما بين لقاءات بالمسجد وزيارات لأهالى الحى واختلاق حديث متطابق بينك وبينه تقدمونه للناس جميعاً.

هذا ما أذهلنى حقاً فقد كانت استقلايتك راسخة عندى ولم أعهدك منشغلاً، هكذا بالحديث عن فضائل صديقنا وجارنا الإخوانى ونقل أقواله والثناء على مواقفه، وإن كنت لم أستغرب أنه يقوم بنفس الفعل عنك فى كل الأماكن ومع كل الناس حتى الذين كانوا يرون تباعدكما اليومى من قبل لقد كانت أياماً غريبة ولكننى كغيرى لم نتوقف عندها طويلاً، فالأحداث المزدحمة والأجواء العامة للفترة الانتقالية كانت يومياً تأتى لنا بالجديد والمثير.

وحقاً «كانت محبتى لك راسخة فما وقفت طويلا» أمام ما حدث أيام الانتخابات وما عانينا منه طوال المرحلة الانتقالية أصاب الجميع بالتبدل والتغير لملاحقة ما يدور فأحلت هذا التغير الذى طرأ عليك وأصدقائك بأنكم مثلنا تحاولون فعل شىء، وأنه عارض سرعان ما نستقر على ما كنا عليه من قبل واستبشرنا إجمالاً فى أن يكون دخولك للصورة والعمل بالسياسة يحمل نقلة للأمام فلم أنس أحاديثك السابقة عن التقدم وانشغال الناس بالمهم من الأمر وإسناد المناصب والمهام لأهلها ومن له خبرة وكفاءة فيها وبالقطع حديث لزوم طهارة اليد ومحاربة الفساد الذى يخرب الذمم وفى هذه النقطة كانت لنا أحاديث طويلة وكان رأيك الصريح أن الحكام وأولى الأمر إن تخلوا عن كونهم القدوة فى ذلك فسد الأمر كله.. وكنا نسمع ونصدق ونؤمن على هذا بالطبع.

لكن الحقيقة أن ما جعلنى أتجاوز عن تلك الفترة أن ما كان بعد ذلك وما حدث فيه حمل إلينا جميعاً من المفاجآت التى أنستنا ما قبله وأفزعتنى أنا شخصياً لما بعده.

■ كاتب