رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من فوضهم للحديث باسم الأقباط ؟!


فى مشهد حزين تصرخ أم الشهيد المكلومة عبر الهاتف فى وجه ضيف البرنامج الطبيب رئيس هيئة الطب الشرعى وهى تشعر بعدم صدق الرجل بشأن ما جاء فى تقريره حول حالة ابنها عند استشهاده، فتطلب منه أن يُقسم بالله أن وفاته حدثت بسبب حادث سيارة،

وعندما يُقسم تثور السيدة غاضبة متوعدة «هروح معاك للبابا وتقسم هناك» .. ثم يائسة تقول «وحياة الرب يا دكتور» متصورة بطيبة قلب أن المسيحى ماعندوش ربنا بلهجة المصرى العامية وإنه بيسميه الرب كما تشاهد فى الأفلام الأجنبية التى يتم تعريبها أو عبر الصلوات التى تذاع ومكتوبة نصوصها باللغة العربية .. وتجاوزاً لأزمة غياب المعرفة الحقيقية لعبادات شركاء الوطن، فإن صراخ «أم الشهيد» يعكس حالة احتقان عامة وفقدان ثقة بمؤسسات الدولة، وكان ينبغى معها ألا يتطوع أحد للحديث عن مؤسسات أو جماهير أو رموز دون توكيل وبجسارة غريبة، دون حسابات لخطورة تبعات ذلك من أحداث تتعلق بالإضرار بالمصالح العامة للبلاد والعباد.

يقول د.شريف دوس - رئيس هيئة الأقباط العامة لـ«الأقباط متحدون» أهم وأفضل المواقع الإلكترونية المسيحية - فى مهنية الأداء «نؤيد المشاركة فى الانتخابات البرلمانية المقبلة وندعو القوى المدنية للدفع بمرشحيها، وأضاف أن غالبية الأقباط سيؤيدون قرار المشاركة فى الفترة المقبلة والمقاطعون يميلون لجبهة الإنقاذ ولو غيرت موقفها سيؤيدون المشاركة»..هل بوسع رئيس منظمة عمل مدنى حتى لوأطلق عليها «هيئة» و«قبطية» تحديداً القول إن غالبية الأقباط سيؤيدون قرارالمشاركة فى الانتخابات، من أين أتى د.دوس بتلك القراءة ومن وكله للحديث باسم الأقباط وهو الممثل سياسياً بانتمائه للحزب الإخوانى «مصر القوية» أحد أحزاب الموالاة لجماعة تجاهلت حقوق كل الأقليات فى دستور 2013 وعليه كان انسحاب الكنائس، ويصرف النظر عن معرفتنا بموقف الأقباط «مع /ضد» المشاركة، ثم كيف له أن يهين الأقباط بقوله «والمقاطعون يميلون لجبهة الإنقاذ ولو غيرت موقفها سيؤيدون المشاركة» وكأن من يقاطع من الأقباط هو مواطن مستخدم من جبهة الإنقاذ معدوم الإرادة!!

أما «نجيب جبرائيل» فقد تحدث عبر تقرير أعده عماد حبيب، الصحفى المهنى المتابع بمهارة للملف المسيحى بمجلتنا «المصور» .. قال «من المؤكد أن الأقباط سوف يخوضون الانتخابات مهما كانت الظروف» .. كيف للرجل اليقين بأن هذا هو قرار الأقباط فى النهاية؟، ثم والأهم الحديث عن مواقف سياسية اتخذتها السلطة التنفيذية ويكون الحديث فى المقابل عن رد فعل الأقباط وكأننا قررنا أن الموالاة من الأقباط مهما قل عددهم والمعارضون منهم مهما مثلوا أغلبية ينبغى فرزهم بعيداًعن شركاء الوطن على أساس الهوية الدينية مع أن الانتخابات فى النهاية حدث وطنى وممارسة سياسية.

يكتب عماد «لفت جبرائيل أنه من سجلات الكنائس فإن الكتلة التصويتية للأقباط تبلغ نحو 5 ملايين صوت ،أى ما يساوى 10% من مجموع من لهم حق الانتخاب فى مصر ..» وأسأل إذا كان للكنيسة تعدادها الخاص «رغم نفى رموز الكنيسة الكبار لذلك الأمر»، فهل سلمتها الكنيسة لسيادته ؟... وهل فوضته للإعلان عنها ؟.. وماذا يعنى ذلك الإعلان الآن وهل تم حساب ما يمكن أن يحدث من تبعات سلبية كانت أو إيجابية على الأرض جراء ذلك الإعلان؟

أما ما نسب إلى مصادر بالكنيسة والتى جاءت نصاً فى تقرير حبيب «أن الكنيسة سوف تدرس ملف الانتخابات بالكامل من خلال اجتماع البابا مع أساقفة الإبراشيات على مستوى الجمهورية، كما أنه سوف يتم توجيه الدعوة إلى من يرغبون فى خوض الانتخابات منهم بحيث يكون ذلك عن طريق الأحزاب المدنية حتى لا يكونوا منفردين فى الشارع السياسى فى معركة الانتخابات .. أرى أن المصدر لو صدق «ولا أعتقد ذلك»، فالكنيسة مطالبة بالرد والتوضيح، لأن قداسة البابا ورجال العهد الجديد أعلنوها واضحة أن الكنيسة لا علاقة لها بالشأن السياسى وباتت كل قراراتهم ومواقفهم فى الفترة الماضية تؤكد ذلك.

وبهذه المناسبة، لا بأس بالتذكير بتلك السطور من مذكرات القطب الوفدى المسيحى المناضل ابراهيم فرج .. يقول «أتذكر بشأن علاقة الوفد الجديد بعد عودته عام 1978 بالكنيسة القبطية والبابا شنودة وكنت همزة الوصل بينهما .. أثناء حضورى الاحتفال الذى أقامته نقابة المحامين فى 23 أغسطس 1977 فى ذكرى وفاة الزعيمين خالدى الذكر سعد والنحاس والتى ألقى فيها فؤاد سراج الدين كلمته المشهورة وكنت معه على المنصة وبجوارنا كاهن أرثوذكسى».. ويرى فرج فى مذكراته أن ذلك يُعد بمثابة إرسال إشارة للأقباط للانضمام لحزب الوفد، وفى مقطع آخر من المذكرات أكد فرج «إن البابا أراد تشجيع بعض كبار الأقباط الذين يريدون الابتعاد عن الممارسة السياسية للانضمام إلى حزب الوفد لأنه يعرف ويقدر ميراثه التاريخى فى تحقيق الوحدة الوطنية .. واعترف بأنه اتصل فعلاً بالبابا ليطلب من القساوسة ألا يردوا من يريد من الأقباط إلى الوفد اعتقادا منهم أنهم برفضهم يخدمون الحكومة، وأن البابا أكد له أنه سيبلغهم بذلك، وبعد عدة أيام قابل ممدوح سالم رئيس الوزراء ورئيس «حزب مصر العربى الاشتراكى» الذى أصبح بعد ذلك «الحزب الوطنى» وحالياً « الحرية والعدالة» البابا شنودة وأعرب له عن انزعاجه لحضور سكرتيره الكاهن مؤتمر نقابة المحامين، وأن ذلك يمثل تحدياً للحكومة!!

أُذكر بتلك الأوراق من ذاكرة توثق تلك العلاقة الملتبسة من جانب كل الأطراف ومنذ زمن بعيد، فالمؤسسات الدينية كانت تلعب سياسة ببساطة عبر مواقعها المؤثرة على عواطف ومشاعر أتباعها ولا تدرى أوتدرى ولا تبالى بتبعات خطورة ما يفعل رموزها، والمعارضة والأحزاب ترى فى اللجوء للمؤسسات الدينية وطلب رضا رموزها الباب الذهبى لقلوب الناس ومشاعرهم، والسلطة توجز الأقباط والمسلمين فى رموز مؤسساتهم .. إنه ممدوح سالم أكثر رموز السلطة نقاء واعتدالاً، والذى جرت فى عهده أنزه وأعظم انتخابات برلمانية فى تاريخ مصر، ومع ذلك لا يجد الرجل حرجاً وهو يعبر عن انزعاجه لتمثيل الكنيسة فى احتفال شعب برموزه الوطنية، فما بالنا الآن وجماعة الإخوان قد وصلت لسدة الحكم والتى فى ظل حكمها يتصرف أهل التشدد على طريقة «أنا ملكى أكتر من الملك! «فكان التهجير القسرى وازدراء الدين المسيحى والتعذيب والسحل والوقوف بأبواب الكاتدرائية ومهاجمة الكنائس إلخ..

■ كاتب

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.