رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بطلة.. اسمها نجوى الحجار


حالة من الحزن العميق لا تزال تخيم على البيوت المصرية المحبة للوطن والمتطلعة إلى أمنه واستقراره وسلامته منذ أيام.. صدمة مروعة أفزعت المصريين بحادثتين إرهابيتين ارتكبتهما أياد ملعونة ملوثة بدماء المصريين الذين كانوا يؤدون صلاتهم داخل الكنيسة المرقسية بالإسكندرية.. وكنيسة مارجرجس بطنطا.. سقط لنا شهداء من أهلنا ولم تفرق يد الإرهاب الأسود بين سيدة أو رجل، أو كبير أو صغير، أو مسلم أو مسيحى.. حادثتان لا ينبغى أن تتكررا ولا ينبغى أن تُترك الأمور هكذا دون مراجعة شاملة.. إذ لابد من معالجة كل مواطن الخلل فى بلدنا والكشف عن الأسباب التى أدت إلى الحادثتين المروعتين اللتين أدمتا قلوبنا كمصريين نريد الأمن والاستقرار لبلدنا فى مواجهة الخطط الدولية التى تستهدف بهذا الإرهاب تدميرنا، ولكنها تفشل أمام شعبٍ مُحب للحياة والبهجة والسلام والتنوير.. شعب يعرف جيداً متى يقف صفاً واحداً فى أوقات المحنة.

والحقيقة أننى هنا-ورغم احترامى للحريات وحقوق المواطنة-إلا أننى أقف-كمصرية محبة لوطنى-مع كل الإجراءات الضرورية لحماية مصر، شعباً وأرضاً وعرضاً.. وكل رجل أو سيدة لديهم مشاعر وطنية لابد أن يقفوا مع الرئيس السيسى لإنقاذ الوطن واجتثاث جذور الإرهاب واقتلاع كل البؤر الإجرامية التى تسلطت على المصريين لقتل الأرواح وتدمير الاستقرار فى هذا الظرف التاريخى-الاستثنائى الذى نمر به.. وأتوقف هنا عند أولويات لابد منها.. يأتى فى مقدمتها: ضرورة تطهير البلاد من سرطان الإرهاب الخبيث الذى يظن أن قتل الأرواح متاح وأن بث الفتن متاح دون حسيب أو رقيب.. فهذا الإرهاب دخيل علينا وليس من شيم الشعب المصرى.. ولابد أن تواجهه الدولة بأيدٍ قوية وحازمة من ناحية.. وفى الوقت نفسه لابد من وقفة الشعب جنباً إلى جنب مع الدولة أيضاً لمواجهته بروح ومشاعر وطنية مصرية قوية وواعية ومحبة للوطن.

إننا نعزى أنفسنا فى فقدان إخوة وأخوات فى الوطن.. ونعزى أسرهم الذين فقدوهم فى أيامٍ مباركة كنا نستعد فيها للاحتفالات بالأعياد المصرية، مسلمين ومسيحيين.. وسط هذه المشاهد المؤلمة.. أتوقف إجلالاً واحتراماً أمام سيدة مصرية كانت مكلفة بحماية المصلين داخل الكنيسة فى شجاعة نادرة.. أتوقف عندها لأننى لا أعرفها شخصياً.. لكن وجب علينا جميعًا اعتبارها رمزًا للأم المصرية البطلة التى قدمت روحها فداءً لمصر عندما طالتها يد الغدر فتحولت إلى شهيدة فى لحظات.. بينما كانت تؤدى أنبل واجب تجاه الوطن.. وإذا كان المثال الكبير محمود مختار قد اختار الفلاحة المصرية لتكون نموذجاً للمرأة المصرية وصمم لها تمثال النهضة المصرية الموجود حالياً أمام جامعة القاهرة.. فإننى أؤمن بأن تكون «نجوى الحجار» رمزاً أيضاً للمرأة المصرية البطلة حامية المصريين.. والتى استشهدت فى التفجيرات الآثمة فى كنيسة الإسكندرية.

«نجوى الحجار» ليست فقط بطلة مصرية فقدناها فى هذه التفجيرات الآثمة فنذكرها لأسبوع ثم ننساها.. وإنما «نجوى الحجار» لابد أن تظل فى ذاكرتنا جميعًا كضابط شرطة برتبة عميد.. وكجندى من خير أجناد الأرض.. ولابد أيضاً أن نكتب اسمها بحروف من نور فى ذاكرة الوطن كرمز لنساء مصر» الشجاعات» .. نجوى الحجار» لا ينبغى أن تكون اسمًا عابرًا نتذكره أحيانا ثم ننساه فى زحمة الأحداث المتلاحقة والخطيرة التى تمر بِنَا.. بل لابد أن تكون فى كل مكان.. لابد أن تُوضع قصة حياتها فى المناهج المدرسية لتلاميذ مدارسنا.. وأن يُوضع لها تمثال فى ميدان كبير بمدينة الثغر أو فى ميدان التحرير بالقاهرة.. وأن تُكتب قصة حياتها واستشهادها فى كتب التاريخ.. وأن تصبح رمزاً للبطولة المصرية والشجاعة والفداء فى سبيل مصر الجديدة.. كانت «نجوي» تقف مع طقم حراسة كنيسة مار جرجس فى خط المواجهة الأول للدفاع عن المصلين.. واستجابت لنداء الواجب رغم أنها فقدت ابنا شابًا لها قد استشهد قبلها.. وكان أيضًا من جنود الشرطة المصرية ولم تتقاعس رغم هذا المصاب الأليم.. وظلت تؤدى واجبها كشرطية شريفة حتى لفظت أنفاسها الأخيرة أثناء حماية الكنيسة فى يوم «أحد السعف» وفِى أسبوع الآلام.. لم يحزن أو يبكى «نجوي» أهلها أو جيرانها الذين اشتهرت بينهم بالأخلاق الطيبة وحُسن السمعة فقط.. بل بكى عليها كل من يحب مصر وكل من يحب الحياة.. عن نفسى وجدت دموعى تنهمر بغزارة فورعلمى بهذه الجريمة البربرية النكراء.. حزنت عليها وبكيتها، كما حزنت وبكيت شهداءنا من خير أجناد الأرض.. الأبطال الذين نفقدهم يوميًا فى حرب الإرهاب الأسود.. كما حزنت وبكيت المصلين الأبرار الذين كانوا فى لحظة خشوع وصلاة.

كما انهمرت دموعى أيضًا على الشهيدة «أسماء إبراهيم» التى تركت أسرة تبكيها وطفلتين مازالتا فى عمر الزهور وفِى أمس الحاجة إليها.. ونفس الدموع ذرفتها على عريف شرطة «أمنية رشدي» وكلاهما زهرتين من خير أبناء الوطن.. لكل ذلك نشد على أيدى الرئيس ونقول: مرحبًا بإعلان حالة الطوارئ التى أعلنتها ووافق عليها البرلمان».. فقد كانت مطلبًا شعبيًا منذ ٣ سنوات.. أى عقب ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ لمواجهة واقتلاع جذور الإرهاب وتخليص البلاد من الجرائم والتصدى لدعاوى التحريض على الجيش والشرطة ومواجهة الحض على الكراهية وازدراء الأديان والدعوة للعنف والتظاهرات المسلحة وإثارة الفتنة والفوضى والجرائم الممنهجة لزعزعة أمن واستقرار الوطن.. لقد كنت ومازلت من أوائل الذين كتبوا مطالبين بإعلان حالة الطوارئ وبتحويل الجرائم الإرهابية إلى المحاكم العسكرية وإلى تعديل بعض مواد الدستور الذى تم وضعه فى ٢٠١٤ لإنقاذ مصر من السيناريو الدولى الذى يحاك ضدها.

كما طالبت ومازلت أطالب بيد قوية وحازمة للدولة فى كل المواقع.. نريد خططًا متكاملة لمحاربة الأفكار الظلامية وتطهيرًا شاملاً لمؤسسات الدولة وإيقاف نزيف الظلام الذى يبث فى المنابر والزوايا والمساجد.. وكذلك إيقاف الدعاة الذين يستغلون الجهل والفقر لبث السموم فى العقول.. وضرورى جدا أن تتم تنقية المناهج مما أصابها.. وأن نستبعد المتطرفين فى المدارس والملاجئ لإنقاذ جيل كامل تلوثت أفكاره.. فهناك أحياء فى بلدنا مازالت تعشش فيه مجموعات موالية لمخطط التخريب.. وتلك المجموعات مازالت تخرج فى تظاهرات جماعية لبث الرعب بين الأسر المصرية.. وهناك أصحاب لحى يمرون على المنازل لدعوة الأهالى إلى اعتناق أفكارهم واغراء أبنائهم ليتركوا بيوتهم ويذهبوا للصلاة معهم فى الجوامع حتى يسهل استقطابهم.. و لا يفوتنا التنبيه إلى دعاوى هؤلاء التى تحض على الأفكار المتخلفة والتى سبق أن نبهت لها فى مقال سابق مثل عدم الاحتفال بأعيادنا كـ»عيد الآلام» و «شم النسيم» وغيرهما من الأعياد.

لذا فلم يعد يُجدى السكوت أو الصمت أو التراخى أو التهاون أو التباطؤ مع هؤلاء ومن يدعمهم.. فلدينا عدد كبير من الدُعاة الملتحين الذين يحضون على احتقار النساء واستباحة المرأة واحتقارها.. كما أن هناك حاجة إلى منع النقاب فى الشوارع، لأنه «زى دخيل» على مصر وعلى الإسلام ذاته.. وهناك حاجة ماسة إلى المزيد من الحراسة فى الشارع المصرى لتوفير الأمن والأمان للبنات والسيدات ضد إرهاب الخونة والعملاء والمأجورين وكل من تسربوا إلى داخل حدودنا للتخريب والتدمير.. وهى ذات حاجتنا إلى استعادة قيمنا وأخلاقنا واحترام كبير ورحمة صغيرنا. والحفاظ على هويتنا من الضياع.

أخيرًا أقول إن «نجوى الحجار» رمز لشجاعة المرأة المصرية الوطنية التى لبت نداء وطنها الجريح.. فسلامًا وتحية لها وللشهداء: عماد الركايبى وشريف الحسينى وأسماء إبراهيم وأمنية رشدى من أبطال الشرطة ولكل من فقدناه من المصلين فى الكنيستين ومنهم: مكاريوس خليل ومينا زكى وأنجلينا زكى وسامى جرجس وشادى كمال وفادى وليم وغيرهم من شهداء الكنيستين الذين طالتهم يد الغدر والخيانة أثناء صلاتهم.