رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إلى من يهمه الأمر: لماذا لا نزور العريش؟


سبق لى أن زرت العريش مرتين، ما بين عامى 2002 و2006، وأحتفظ فى ذاكرتى بالكثير من مشاهد الهدوء والصفاء والسلام النفسى الذى يمكن أن يعيشه أى زائر لهذه المدينة، حتى إننى فكرت إذا ما اخترت مكانًا لغرض الاستجمام والكتابة، فستكون العريش وجهتى.

لكن الأيام التى تخبئ لنا ما لا نتوقع.. جعلتنى أعتذر لأحد أصدقائى الكُتاب من أهل سيناء عندما اقترح علىّ أن أدعو لتكوين وفد من الكتاب والإعلاميين لزيارة العريش، لمشاهدة ما يحدث على أرض الواقع، ودعم ورفع الروح المعنوية لأهالى سيناء الذين يعانون من كماشة الإرهاب من ناحية والاتهام بأنهم لا يقدمون ما عليهم لمواجهة هذا الإرهاب من الناحية الأخرى.
أجبت صديقى بأننى حقًا أود زيارة العريش، ولكنى أخاف هذه الزيارة، فأنا لا أريد أن أيتم ابنتى مبكرًا، رغم إيمانى بأن الأعمار بيد الله، ضحك صديقى وقال: خليها على الله.
بعد أن انتهت هذه المحادثة انتبهت لنفسى.. إذا كان هذا الخوف هو حالى، فكيف بمن يعيشون هناك حيث لا توقيت للموت، وحيث القلق والخوف والترصد والتربص هو الحياة.
أستعيد أصوات أصدقائى ومعارفى من أبناء المدينة وهم يحكون لى - على البعد وعبر التليفون أو الفيسبوك - عن معاناة أهل سيناء من الأنظمة التى تعاقبت على حكم مصر، ومن نظرة هذه الأنظمة العوراء إلى أهل سيناء، وتعمدها تشويه صورتهم، واختزالها فى أنهم لا يتعدون كونهم جماعات بدوية مارقة، ومهربين وعملاء، وفى النهاية إرهابيين، فى حين أن العناصر الإرهابية من سيناء، لا يتعدون العشرات، وهم أولئك الذين تعرضوا لمظالم كثيرة وكبيرة فى فترة مبارك، فقد تعرضوا لتهم ملفقة وأحكام غيابية يصل بعضها للمؤبد، ولم يجدوا أمامهم غير أن يعيشوا مطاريد، وكثير من هؤلاء انضموا للعناصر الإرهابية فى سيناء ليثأروا من السلطة، فى حين يمثل القادمون من محافظات الوادى المختلفة الأكثرية من هذه العناصر الإرهابية.
المعاناة اليومية لأبناء سيناء أصبحت نمطًا للحياة عليهم التعايش معه، فمدينة العريش التى كانت لا تنام حتى الصباح؛ صار أهلها الآن ينامون ويلزمون بيوتهم بعد العشاء؛ أصحاب المحال يعجزون عن دفع إيجاراتها فأغلقها أكثرهم وما تبقى منهم ليس أمامه غير ذلك.
ويرتفع هذا الصوت ليعبر عن رؤية مؤلمة، وهى أن سيناء الآن طاردة لأهلها، وما يحدث على أرض الواقع يتعارض تمامًا مع ما نسمعه من الحرص على تنمية سيناء أرضًا وبشرًا؛ مما ترتب عليه الشك فى صحة ما يدور فى سيناء من شائعات بأن ما يحدث على أرضهم ما هو إلا تمهيد لبيعها أو استبدالها تحت أى مسمى؛ وما يؤكد هذا المخطط أن صار الكل فى سيناء مشتبهًا به وعُرضة للقصاص.
ويوجه أبناء سيناء اللوم للتعامل الأمنى مع العناصر الإرهابية، ويشيرون إلى ضرورة التغيير فى الفكر الاستراتيجى الأمنى وإلغاء الكمائن الثابتة على الطرق الرئيسية، ليل نهار، فالكمائن الثابتة تكون صيدًا سهلًا للعناصر الإرهابية، لتواجدها فى أماكن محددة وتوقيتات معلومة.
وبكثير من الحزن والألم يشيرون إلى قضية حساسة، وهى تعامل البعض مع الأهالى بعدوانية وعجرفة، مما يؤدى إلى زيادة ابتعاد الأهالى عنهم.
ويرتفع صوت أبناء سيناء مطالبين بتنمية سيناء واستغلال ثرواتها، وفتح ملفات بطولات أهل سيناء فى مختلف حروب مصر، والتوقف عن تشويه صورتهم، والتعامل معهم على أنهم مواطنون وليسوا لاجئين. وتحفيز أبناء الوادى على الاستقرار فى سيناء ليكونوا درعًا بشرية فى وجه كل طامع فى أرض مصر. تمليك أهل سيناء لأراضيهم، وأن تكون لهم ما لأبناء الوادى من حقوق، وما عليهم من واجبات.
بعد كل هذا الألم والمرار الذى يتجسد فى أصوات أبناء سيناء، أجدنى أتخلى عن حذرى وأدعو المثقفين والكتاب والإعلاميين لتنظيم زيارة لمدينة العريش، وليكن تنظيم الوفد تحت إشراف جهة سيادية توفر الحماية والتصاريح الأمنية. فإذا كنا لا نستطيع أن نمسك السلاح ونوجهه إلى الإرهاب الذى لا يريد إلا موتنا، فليس أقل من نترك صفحاتنا على فيسبوك ونتخلى قليلًا عن الدعة والراحة والسخرية والقلش ونواجه فى بضع ساعات، ما يعيشه بعض منا طوال الوقت.. إلى من يهمه الأمر.. فى انتظار الرد.