رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أمن سيناء بالتنمية والتعمير وليس بالتهجير


«الحياة الآمنة حقٌ لكل إنسان وتلتزم الدولة بتوفير الأمن والطمأنينة لمواطنيها ولكل مقيم على أراضيها»، هذه الكلمات تشكل نص المادة 59 من دستورنا، تهديد ووعيد وقتل وحرق للمنازل وإجبار على التهجير وترك المكان الذى ولد فيه الإنسان، الذى يحمل كل الذكريات بحلوها ومرها وهنائها وشقائها، المكان الذى فيه المعيشة والوظيفة والمدرسة والكنيسة والجيران من المسلمين والمسيحيين، المكان الذى تلفه أجراس الكنائس وصوت الأذان.

القتل أصبح على الهُوية فى أرض الفيروز والمحبة والسلام.. الإرهاب يرعى على أرضها ويعيث فسادًا.. يحرق ويدمر تروى زوجة الشهيد جمال جرجس: «فوجئنا بشابين ملثمين يقفان على مسافة أمتار قليلة، وسألوا زوجى: هل أنت جمال جرجس؟ قال نعم.. لحظتها أخرج أحدهما مسدسه وأطلق رصاصة على رأسه فسقط وتوفى فى الحال».

الصورة إذن معتمة وقاتمة حينما يتم القتل على الهوية وتهديد للأهالى المصريين المسيحيين لترك منازلهم قسرًا وإجبارًا إذا أرادوا النجاة بأرواحهم..فحتى كتابة هذه السطور هناك أكثر من مائة أسرة انتقلت إلى الإسماعيلية وتم تسكينها فى المطرانية وفى بيوت الشباب، غير بعض الأسر التى انتقلت إلى بعض المحافظات عند أقاربهم فى القاهرة وأسيوط والشرقية والدقهلية والقليوبية.
 ما حدث وما يحدث وما سوف يحدث يا دولة، يا مسئولين، يا نواب، سيستمر حدوثه وسيستمر العنف والإرهاب طالما غابت دولة القانون والمواطنة والمساواة، وطالما استمرت مناهج التعليم تعتمد على الحفظ والتلقين وليس على استخدام المنهج العلمى فى التفكير، مع تنمية الانتماء وإطلاق القدرات فى كل المجالات الثقافية والفنية وتنمية المهارات، وطالما استمرت مناهج التعليم فى غيبة عن بث قيم عدم التمييز والمواطنة والتسامح.. بل سيستمر الإرهاب طالما استمرت البيئة الحاضنة له، بيئة الفقر وعدم توفير فرص العمل وعدم توفير الخدمات الإنسانية فى الصحة والتعليم والسكن والمياه والصرف الصحى، طالما استمرت العشوائيات وزادت البطالة.. سيستمر الإرهاب فى النمو وتمتد جذوره فى الأرض وترتفع فروعه إلى السماء طالما استمرت الأرض بلا تنمية، بلا زراعة، بلا بشر.

سمعنا مرارًا وتكرارًا عن أهمية التعمير وأهمية التنمية، وأن حماية المحافظات الحدودية ليست بجنودنا الذين يقدمون أرواحهم لحمايتنا، ولكن باستكمال التنمية والعمران بالإنسان.. سيناء التى تتسع لخمسة ملايين من البشر إذا تم استغلال مواردها الزراعية والصناعية والتعدينية والمنجمية، يمكن لهؤلاء الملايين أن يخنقوا الإرهاب ويتخلصوا منه ويحموا أنفسهم وأماكنهم وأرضهم. قلنا مرارًا وتكرارًا وقال معنا المثقفون والكتاب والمبدعون والسياسيون: ليس بالأمن فقط نواجه الإرهاب.

متى يتم تفعيل الدستور؟ أين مفوضية عدم التمييز، التى نصت عليها المادة 53 من الدستور، كما نصت على أن التمييز والحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون، وعلى أن تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وعلى أن ينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض.. متى يتم تفعيل الدستور للمادة 74 «للمواطنين حق تكوين الأحزاب السياسية بإخطار ينظمه القانون، ولا يجوز مباشرة أى نشاط سياسى أو قيام أحزاب على أساس دينى أو بناء على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو على أساس طائفى أو جغرافى أو ممارسة نشاط معادٍ لمبادئ الديمقراطية أو سرى أو ذى طابع عسكرى أو شبه عسكرى».

لماذا لم تتقدم شئون الأحزاب لتطبيق الدستور برفع قضايا أمام مجلس الدولة لحل الأحزاب الدينية والتى ينتمى أصحابها إلى الفكر التكفيرى والجهادى والسلفى والإخوانى الذى يقوم على انتهاج العنف واستخدام السلاح؟.. أين الدولة من حزب النور الذى يبث شيوخه كل يوم فتاوى تكفير النصارى وعدم التعامل معهم أو تهنئتهم بأعيادهم، وتكفير العلمانيين دعاة فصل الدين عن الدولة وشعار ثورة 1919 الدين لله والوطن للجميع؟ أصحاب فتاوى التقليل من شأن المرأة واعتبار مكانها المنزل ودورها هو إنجاب الأطفال.

هؤلاء الذين لا يؤمنون بالديمقراطية ولا بالوطن. إن ما حدث فى سيناء للأسر المسيحية ينزف له الضمير الإنسانى، ويتحمل مسئوليته كل القائمين على أجهزة الدولة التى تترك الفكر المتطرف يرعى تحت سمعها وبصرها.