رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من كل شارع حكاية

حكايات من الشوارع
حكايات من الشوارع

تفاصيل كثيرة تتوارى خلف كل شارع لا يعرفها سوى من تطأ قدماه بالداخل.. تفاصيل تحمل فى طياتها الكثير من الاختلاف والرغبة فى الظهور بشكل مميز يجذب الجميع، وعندما نتأمل ما حولنا بشكل أعمق، نجد حكايات تحمل فى باطنها الكثير من الأسرار، التى تبدو واضحة على ملامح أصحابها، فتترجمها نبرات أصواتهم وتعبر عنها ابتساماتهم البريئة.

عندما نرى الصفيح الصدئ لا يمكن أن نستوعب استخدامه فى الفن التشكيلى، وتلك الفتاة التى ابتكرت شيئًا جديدًا فى عالم المرأة جعلها تبدو أكثر أنوثة وجمالاً، وفى مكان ناء يجلس هذا العجوز يبيع المش لزبائنه الأجانب والمشهورين، وهذا السودانى ترك وطنه وجاء إلى هنا ليبيع العاج.


ولأن الإبداع يكمن فى كل ما هو قديم، حرص هذا الشاب على إنتاج العسلية بيديه كما كانت منذ 50 عامًا.


محمد رمضان أبرز زبائنه

أبوطربوش..أشهر بائع «سندوتشات مش» للفقير والغنى

كومة من الطماطم والبصل موضوعة على عربة حديدية، وأمامها رجل يأخذ من الكومة ليصنع طبق «مش».


سعيد محمد، أو كما يطلق عليه زبائنه «أبوطربوش»، وأحيانًا ينادونه بـ«سعيد أفندى»، نظرًا لأنه يلبس عادة مريلة وطربوشًا أحمر: «الطربوش ده هو اللى لفت انتباه الناس لسندوتشاتى».


على رصيف بشارع السد، بالقرب من مسجد السيدة زينب، يبدأ سعيد أبومحمد، صاحب الـ40 عامًا، يومه.


اشتهر ببيع سندوتشات المش.. توارث المهنة عن والد كان يجوب شوارع السيدة زينب بحثًا عن رزقه، واختار رصيفًا مجاورًا لمقهى يعتبر الإفطار الرسمى لكل زبائنه هو «طلب مش بالبيض».


«ببيع سندوتشات مش»، بنظرة رضا بالحال، قال سعيد إنه لم يجد سوى هذه المهنة التى تعود عليه بعائد مادى له ولأسرته: «عندى طفلين.. والعربية دى هى اللى فاتحة البيت».


يبيع عم سعيد السندوتش بسعر جنيه ونصف، يتوافد عليه عشاق الأكلة الأشهر فى مصر، أكلة لا تفرق بين غنى وفقير: «محمد رمضان وحسن الرداد أشهر زباينى وفيه أجانب بييجوا مخصوص».


قال «أبوطربوش» إنه لم يفكر طوال حياته فى الحصول على محل لبيع السندوتشات، مشيرًا إلى أن عربته هى حياته: «العربية دى كلفتنى ألف جنيه.. وسندوتش مش بالبيض أحدث اختراعاتى».


الأزمة الاقتصادية لم تسبب له أضرارًا، لكن أسعار المش ارتفعت، حيث تراوح سعر الكيلو ما بين 40 و 45 جنيهًا: «بجيب شوية القوطة والمش.. وربنا الرزاق.


بجوار محطة مترو المرج

أبو أحمد..صانع عسلية زمان.. و«بجنيه»

عربة صغيرة تجتذب المارة، تجبرهم على التوقف وتأمل المشهد، فيقتربون منها متسائلين: «إيه ده؟»، ليخبرهم صاحب العربة أنها الطريقة البدائية لصناعة العسلية، التى تحتوى على «عسل أسود وسكر».


يقف «أبوأحمد بهجت»، أمام محطة مترو المرج الجديدة، على يساره وعاء كبير يضع فيه العسل الأسود على نار هادئة، وعلى يمينه أوانٍ بلاستيكية فارغة يضع فيها أكياس العسلية، أمامه لوح رخام يعلوه مسمار يثبت فيه العجين ويبدأ فى ضربه وسحبه بالطول، ثم إعادة لفه على المسمار بشكل متكرر حتى يفتح لونه.


انتقل «أبوأحمد بهجت» من محافظة الإسكندرية منذ 3 أشهر، قرر أن يمارس مهنته فى القاهرة طامحًا فى زيادة الرزق، يقول: «دى طريقة العسلية بتاعة زمان، قبل ما الغاز يخترعوه، وقت ما كانوا بيستخدموا الفحم، اتعلمتها من صغرى وحبيتها وبدأت أبيعها فى إسكندرية».


يؤكد «أبوأحمد» أن حركة البيع فى الإسكندرية قليلة، وعدد الزبائن محدود، أما القاهرة فالوضع فيها بدا معكوسًا: «فى إسكندرية الزباين معروفة ومحدش جديد بييجى يشترى، والسوق مريح معظم الوقت».


مثّل انتقال الرجل الأربعينى من الإسكندرية إلى القاهرة نقطة تحول كبيرة فى حياته المهنية، حيث اتسعت دائرة زبائنه، وبدأوا يفدون إليه من جميع المحافظات: «الناس بقيت تكلمنا بالتليفون وتطلب العسلية، ده غير الزباين اللى بتيجى مخصوص من بورسعيد والإسماعيلية و6 أكتوبر عشان يشتروا مننا».


يبلغ ثمن كيس العسلية جنيهًا واحدًا، وبرغم ارتفاع سعر السكر والعسل، والأكياس التى يضع فيها العسلية، إلا أنه لم يكن مع فكرة رفع الأسعار: «ببيع الكيس بجنيه لأنها سلعة ترفيهية، وعشان تكون فى متناول الجميع».


يبدأ «أبوأحمد» يومه فى الـ8 صباحًا، يعمل برفقة صديقه وابن أخيه وينتهى يومهم فى الـ2 بعد منتصف الليل، قائلًا: «لو واقفين 24 ساعة الناس بتشترى»، موضحًا أن الزبائن تحرص على شراء العسلية الطبيعية لأنها تصنع أمام أعينهم، وتكون طازجة، بالإضافة إلى فائدتها الصحية، حيث تعالج أمراض الكبد والصدر.


وعن المشاكل التى واجهته منذ قدومه القاهرة، يقول: «لفيت لمدة 15 يوم من 8 الصبح لـ3 بالليل أدور على مكان فاضى ومناسب أحط فيه العربية، ملقتش غير المرج الجديدة، الزباين كويسة لكن البياعين هما اللى عاملين لينا مشاكل مع الحكومة وكل شوية يشيلوا الفرش».


قصتها بدأت منذ 5 سنوات

مارينا.. مبتكرة قصات شعر على طريقة الهنود الحمر

عشقها للاختلاف جعلها تبادر باختراع خصلات شعر من الخيوط الملونة، راغبة فى وضع بصمتها مبكرًا فى عالم المرأة، حيث تمنح تلك الخيوط لكل من تضعها قدرًا عاليًا من الأنوثة والجاذبية، اخترعتها «مارينا حنا» الطالبة بالفرقة الثالثة بكلية الآداب قسم إعلام، على غرار الهنود الحُمر الذين كانوا يرتدونها منذ قديم الأزل.


بدأت الفتاة العشرينية مشوارها منذ 5 سنوات، تقول: «كنت بلعب بالخيط وحبيت أطلع منه أى شكل، لفيته غلط وطلعلى شكل الهير رابس، ولما أصحابى شافوه أعجبوا بيه جدًا»، مؤكدة أن هذا الشكل يرجع إلى قبائل الهنود الحمر ويُدعى «hair wraps».


قررت «مارينا» الاستمرار فى العمل بعد أن نال إعجاب أصدقائها، كما قررت أن تطور نفسها: «قررت أعمل الهير رابس للناس وأستفيد، وبدأت أتقنها أكتر وأعملها لناس معرفهاش، وخدت أجر رمزى فى البداية، وعملت سيرش ولقيت أشكال منها بس غير اللى أنابعملها، والهير رابس معروف بس فى الدول الأجنبية مش فى مصر».


فرحة شديدة غمرت قلب «مارينا» بعد أن نجحت فى مواصلة عملها وأصبحت معروفة ولها زبائن يحرصون على التعامل معها: «لما الموضوع اتعرف فيه ناس بدأت تقلده بس مكنش بنفس الدقة والطريقة اللى بشتغل بيها، وده خلانى أعمل بيدج ليا على الفيسبوك اسمها هير رابس، أعلم منها الناس وأعرض شغلى وعشان أسهل طريقة التواصل، ومكنتش بحط لوجو على الصور بتاعتى وكانت بتتسرق، وبعدها بدأت أنزل كل صورة بلوجو عليه اسم الصفحة».


شارك فى 26 معرضًا

محمود.. فنان تشكيلى يرسم «الصفيح المصدى»

نوافذ خشبية مفتوحة على مصراعيها، تطل من خلفها لوحات فنية تلفت الأنظار، تنعكس عليها أضواء خافتة تمنحها قدرًا عاليًا من الجاذبية والجمال، يتدلى منها صاج ذو لون بُنى، نُقش عليه بالخط العربى «مرسم الفنان محمود مرعى».


فى حارة «الدرب الأصفر» بمنطقة الجمالية، بدأ «محمود مرعى» مشواره مع الفن التشكيلى، بالعمل على مجموعة خامات مختلفة، واهتم بحديث الصوامت الذى جسده فى لوحاته، يقول: «فيه حاجات كتيرة إحنا بنشوفها صامتة، لكن هى بتتكلم وعبرت عنها فى لوحاتى».


شارك فى معرض بعنوان «إحياء الصفيح»، جسّد فيه البيوت القديمة فى منطقة مصر القديمة والقلعة: «البيوت القديمة واللى هتقع رسمتها بألوان مائية ورسمت فى درب اللبانة خلف سور القلعة». يعيش الشاب الثلاثينى فى «مصر الجديدة»، لكنه اهتم بأن يكون مرسمه فى منطقة «الجمالية» حتى يصل فنه لجميع طبقات المجتمع. وهو حاصل على بكالوريوس تربية فنية، وأصبح عضو نقابة الفنانين التشكيليين، وعضوًا بأتيليه القاهرة «جماعة الكتاب والفنانين»، كما شارك فى أكثر من 26 معرضًا، وأقام 6 معارض خاصة، حصل على الجائزة الكبرى لصالون الشباب الـ24 مناصفة، وجائزة اقتناء البنك التجارى الدولى، وجائزة الصالون فى التجهيز فى الفراغ.


عمره 8 سنوات و«مبيخافش من الدم»

محمد..أصغر جزار فى مصر مهمته تكسير رأس الذبيحة

«طفل بدرجة رجل».. الطفل محمد رجب، هو أصغر جزار بأشهر مذابح مصر وهو «مدبح السيدة زينب»، فعلى الرغم من صغر سنه التى لم تتعد التسع سنوات، لم يتردد فى أن يمتهن مهنة «الجزارة» التى تعتبر من المهن الشاقة.


بمجرد النظر إليه تجد طفلاً لا يزيد طوله على متر، يرتدى ملابس ملطخة بالدماء كعادة الجزارين، يلتف حول خصره الصغير حزام يحتوى على سكين صغيرة ويتدلى منه أيضا «مسن»، وتختبئ قدماه داخل حذاء بلاستيكى يطلق عليه «كوذلوك».


«عندى 8 سنين».. قالها محمد أو كما يطلق عليه الجزارون «بشكار»، أى صبى الجزار، يعمل محمد خلال فترة إجازته الصيفية ليعين والده الذى يعمل أيضًا جزارًا بالمذبح: «بساعد أبويا فى الأجازة».


«أنا شغلانتى فى المحل أفلق راس الدبيحة».. لا يقسو عليه الجزارون، فأشغاله تتلخص فى تنظيف رأس الذبيحة، وقسمها نصفين من خلال «بلطة».. محمد محبوب من الجميع.


ومثل بقية الأطفال، لم يخش محمد الأبقار والجاموس، فالخوف لا يعرف طريقًا لقلبه الصغير، يزن رأس البقرة أكثر من وزنه، يحمله محمد معترفًا: «أنا حابب الشغلانة دى.. ومش بخاف من الدم».


السبب وراء حبه لهذه المهنة الصعبة هو والده ولم يجبره عليها، والده هو القدوة والمثل الأعلى بالنسبة له: «بقالى شهرين.. وعايز أكون زى أبويا».


عباس: سوق الجمعة نعمة.. وبيع قرون الجاموس صنعتى

عباس محمد، والشهرة عباس السودانى، من دولة السودان، رجل تخطى الستين من عمره، طويل القامة، أسمر الملامح، يقف بأحد أزقة «سوق الجمعة» ممسكًا بقرن جاموس برى، وتنتشر حوله بعض قرون جمعها من السودان يضعها على ملاءة.


لفت السودانى أنظار المارة بالسوق، وأجبرهم ببضاعته الغريبة على الوقوف أمامه للاستفسار عن هذا الشىء الذى يمسكه بيده، وهو أنياب الأفيال.


لم يجد عم عباس سوى قرون «الجاموس البرى»، لكى ينفق على ابنه المريض الذى يعالج بمصر، وأخوته الثمانية، وأصبح سوق الجمعة بيته الثانى بعدما أحيل إلى المعاش، وكان يعمل محاسبًا بالسودان.


«القرن الكبير بـ100 جنيه والصغير بـ50».. هذه هى أسعار القرون، مشيرًا إلى أن السودان ينتشر بها الجاموس البرى بكثافة، وأن قرونه بعد تنظيفه يمكن أن تستخدم كتحفة بالمنزل، أو يتم تركيب «لمبة» بها وتصبح «أباجورة»: «أنا أسرتى فى السودان، ماليش بيت هنا».


يأتى «السودانى» إلى مصر كل ثلاثة أشهر من أجل ابنه المريض، وفى خلال فترة بقائه يفترش رصيف السوق ليبيع منتجه الفريد من نوعه.


وعن سوق الجمعة، قال «إنه نعمة من عند الله، حيث إنه يمكن للشخص بيع أى شىء دون أن يدفع إيجار»، مضيفًا أنه لم يجد سوى هذه القرون لكى تصبح مصدرًا لعائد مادى يساعده على المعيشة بمصر، بالإضافة إلى إعانته على تكاليف علاج ابنه.


«لو بعت قرنين فى اليوم يبقى كرم من عند ربنا»، بهذه الإجابة التى يملؤها الرضا والحمد يؤكد أن الظروف الاقتصادية التى يمر بها المصريون تصبح عائقًا له: «لو معاك 100 جنيه.. تجيب كيلو لحمة أحسن».