رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل ميزانية مجلس النواب أمن قومي؟


صبر الشعب المصرى طوال الأشهر الستة الأولى من انعقاد البرلمان لأن الأعضاء يضعون اللائحة الخاصة به. وبعد مرور سنة على عمل مجلس النواب يتكشف لنا الامتيازات التى تتضمنها لائحة المجلس شبه السرية فى بلد تحيط به الأزمات كل يوم وكل ساعة، بلد ينام فيه ملايين المعدمين دون عشاء، وربما دون أكل طيلة اليوم.



شعب يشد الحزام على بطنه وبطون أطفاله الذين أصبحوا جلدًا على عظم. الشعب الصابر صبر أيوب استيقظ منذ نحو أسبوعين على خبر يقول «تم شراء ثلاث سيارات مصفحة لرئيس مجلس النواب ووكيليه بثمانية عشر مليونا من الجنيهات للمحافظة على أمنهم». هذا غير أربعة ملايين أخرى لشراء 17 سيارة لتكون تحت أمر نواب البرلمان.

وطالعتنا الصحف اليومية طوال هذا الأسبوع بتفاصيل من ميزانية مجلس النواب فى أول ستة أشهر، وفقًا للحساب الختامى لموازنة المجلس 2015-2016 «من 10 يناير إلى 30 يونيو 2016». بموجب هذه الميزانية حصل النواب على مكافآت عضوية بحوالى 17 مليون جنيه، وبدل حضور جلسات بقيمة 80 مليون جنيه. وأنفق البرلمان سبعة ونصف مليون جنيه على الزيارات الميدانية. كما أنفق 35 مليون جنيه نفقات «تأمين وعمولة ونفقات الأعياد والمواسم»، و4 ملايين جنيه قيمة اشتراكات سكة حديد وأتوبيسات وبدلات انتقال.

هذا يا سادة فى بلد يقع فيه 40% من المواطنين على الأقل تحت حد الفقر. ويوجد فيه ستة ملايين أسرة تحت حد الكفاف غير قادرين على تلبية احتياجاتهم الأساسية! ومما يزيد الطين بلة أن بعض النواب يناقشون زيادة مرتبات الوزراء. إذا لم تستحِ فافعل ما شئت! ألا تعترى وجوه هؤلاء مسحة من الخجل؟!.

لقد عرفنا الآن لماذا لا يقوم مجلس النواب بدوره فى مراقبة ومحاسبة الحكومة كما يجب، لأنه كما ذكرنا، من قبل، هناك أغلبية داخل المجلس شعارها «نحن والحكومة حبايب وقرايب ونسايب»، أى أن هناك مصلحة مشتركة بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية فى ألا يحاسب أحد الآخر حسب المثل: «لا تعايرنى ولا أعايرك، العز طايلنى وطايلك»!.

يا سادة لم نكن نعرف أن ميزانية مجلس الشعب أمن قومى! فهى سرية مثل أسرار الكون ومثل الأسرار العسكرية! هل يعيب رئيس المجلس ووكيليه ركوب السيارات المصفحة الموجودة لدى مجلسى الشعب والشورى السابقين «القديمتين» لما لا يزيد على ثلاث سنوات؟!.

ألم يكن من الأجدى أن يبدأ مجلس النواب دوره فى تشريع قوانين لصالح الشعب المصرى كما جاء فى الدستور؟.. كنا نتمنى أن يشرع أعضاء مجلس الشعب قوانين لصالح الشعب مثل قانون لحماية المنافسة ومكافحة الممارسات الاحتكارية، قانون لمحاربة الفساد وعدم التصالح مع ناهبى المال العام، قانون لإلزام الحكومة بالحد الأدنى والأقصى للأجور دون استثناء، مطالبة الحكومة بتخصيص دوائر متفرغة لقضايا الإرهاب والعنف لتحقيق العدالة الناجزة، إلزام الحكومة بحل الأحزاب الدينية وفقا للمادة 74 فى الدستور، مطالبة الحكومة بزيادة ميزانية الصحة والتعليم والبحث العلمى إلى النسبة المنصوص عليها دستوريا.

ألم يكن من أولويات مجلس النواب تشكيل لجنة لمراجعة كل القوانين المخالفة لدستور 2014، والتى مازالت يحاكم ويعاقب بها المواطنون، مثل قوانين ازدراء الأديان والاعتداء على حريات التعبير مثل التظاهر والإضراب؟.

لماذا لم يسارع أعضاء مجلس النواب بمناقشة المقترحات الخاصة بقانون المحليات من أجل سرعة إجراء الانتخابات لتقوم المحليات بدورها فى تقديم الخدمات وللقضاء على الفساد المستشرى فى الجهاز التنفيذى للمحليات؟.

لقد انتخب الشعب المصرى النواب من أجل العمل على وضع تشريعات تقر الحقوق الاقتصادية والاجتماعية من أجل حياة كريمة لـ90% من المواطنين، ومن أجل مراقبة الحكومة ومتابعتها ومحاسبتها.

هل يتخيل أعضاء مجلس النواب أنهم يعيشون فى مجمع سكنى مغلق «كمباوند» مثل الكومباوندات المنتشرة فى مصر، والتى تعزل الناس العلّيوى، الناس اللى فوق، تعزلهم عن عامة الشعب وتحميهم بأسوار عالية؟ أليست الشفافية وحرية تداول المعلومات ومراقبة موازنة مجلس النواب أحد أهم أسس الديمقراطية والرقابة الشعبية؟.. لقد مضى عهد الفساد والاستبداد، فالشعب هو السيد فى الوطن، السيد يا نواب مصر.