رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل خدم القدر عصام الحضري؟


عصام الحضري ظاهرة تستحق أن يتوقف أمامها علم النفس الرياضي. نتكلم عن حارس مرمى صاحب أربعة وأربعين عاما لا يزال في الملاعب يتألق يدافع عن عرينه و يزود عن مرماه. عصام الحضري كان ترتيبه في حراسة المرمى الحارس رقم 3. كان قبله حارسان الحارس الاول عمره 33 عام و الحارس الثاني 25 عاما أي فرق عشرين عام. يشاء القدر أن يصاب الحارسان و لا يوجد أي مخرج الا ان يتصدى الحضري لحراسة المرمى طوال البطولة.
الكثير من الجمهور كان يتفاءل من وجود الحضري في التشكيلة كتيمة حظ أو أنه يذكرهم بالانتصارات السابقة كما يقولون بالعامية بركة و لكن أن يلعب كأساسي و ليس لديه بديل لم تكن تدور في فلكهم أو تخطر على بالهم وخيالهم.
الحضري كان يعلم ما يدور في ذهن الجماهير وكيف يفكرون فيه و لكنه كان يفكر بطريقة أخرى كان يخاطب لله و يجتهد و يدعو يا رب لا تجعل حياتي في الملاعب تنتهي نهاية عادية فاستجاب له ربه.

الدافع عند الحضري هو الانتماء و السعي وراء إنجاز غير عادي و ليس بطولة فقط فالحضري حقق بطولات عديدة وحمل كؤوس عديدة وكرم من رؤساء ولكن أهم دافع كما تقول مراجع علم النفس الرياضي هو رغبة اللاعب أن يكون أسطورة وليس منتصر فقط خصوصا لاعبي كرة القدم. يبحثون دائما أن يكونوا أسطورة خاصة إذا كانت الجماهير تتفاعل معهم و تشجعهم.

الحضري كان يبحث عن تحقيق الذات و هو أعلى مراتب الدوافع عند علماء النفس كما يذكر عالم النفس الشهير ماسلو و يتكلم عن صفات الأشخاص الذين يسعون لتحقيق ذاتهم.

أهم صفات في هؤلاء الأشخاص هي عدم الالتفات للنقد السلبي و أخذ الأمور ببساطة و التواضع و حب الابتسام والفرح وإعطاء الأمل لمن حولهم مع حرصهم على الإبداع والابتكار في مجالهم.

لو طبقت هذه الصفات على الحضري سوف تجد أنه إنسان بسيط دمياطي أصيل بشوش لا يلتفت إلى أي نقد أو سخرية يعطي الأمل والحماس والخبرة للاعبين صغار السن الذين حوله تعبيرات وشه عند دخول هدف في مرمى الفريق المنافس وكيف يحتفل. كيف يعطي الأمل لكل شخص وليس اللاعبين فقط عندما يقولون له حياتك انتهت كلاعب فتجده يتحدى هذا الكلام ويصنع نصر ومجد جديد ويصدم من انتقدوه أو حاول أن يحبطه. ليعطي نموذج لكسر أي تحدي أو إحباط. نموذج للمواطن الدمياطي. لديهم جينات مختلفة وجين حب العمل والإبداع. هي مدينة لا يوجد به أمي واحد أو شخص عاطل. محافظة يعمل به كل فرد مهما كان عمره أو ظروفه.
أتكلم بناء عن تجربة شخصية فجدي لوالدتي من دمياط و يبلغ من العمر 95 عاما ووصل إلى منصب وزير ولكنه لا يزال يعمل و يفكر. ما فعله الحضري مسّني شخصيا وذكرني بجدي.

تكلمنا عن المشاعر والروحانيات والجزء النفسي. نأتي للتحدث عن الجزء الفسيولوجي والطبي وتقوله كتب الطب الرياضي والطب النفسي الرياضي أن معدل اعتزال أغلب اللاعبين هو 35 عاما. لأن احتمال الاصابات وآلام المفاصل وارتفاع ضغط الدم وفقدان التركيز ووفقدان اللياقة البدنية بعد هذا السن لأن هذا المجهود يمثل عبء على القلب. والمفاصل تفقد مرونتها. وأن اللاعبين الذين يكملون بعد هذا السن يجب أن يكون لهم نظام غذائي وبرنامج رياضي مختلف وتأهيل نفسي مختلف. كلنا يعلم أن مصر لا يتم تطبيق فيه نظام طبي رياضي متكامل. عصام تحدي كل هذا وصنع لنفسه برنامج واجتهد ووصنع المستحيل وساعده مدرب محترف كابتن أحمد ناجي الذي يجب أن نتوقف عنده قليلا. كابتن ناجي أعتقد أنه يساهم في تقديم دعم نفسي مميز. الحضري يتألق من مباراة إلى مباراة.

لكني سوف أتوقف عند نقطة هنا وهي ضربة الجزاء الترجيحية التي قرر حارس مرمى بوركينافاسو تسديدها في مرمي الحضري حارس مرمي بوركينافاسو يبلغ من العمر عشرين عاما أي في عمر أكبر أبناء الحضري. الحارس الشاب كان يريد أن يدخل التاريخ وقال لنفسه أنه لو سجل في مرمى الحضري سوف يكون سبب رئيسي في تحقيق النصر لفريقه بجانب أنه سوف يكون قضى على أسطورة الحضري. الشاب الصغير غرته الأماني وداعبته الأحلام فأقبل على تسديد ضربة الجزاء وهو يضحك فلقنه الحضري درسا لن ينسيه وحافظ الحضري الأسد العجوز عن عرينه.

وذهب الشاب يبكي منكس الرأس. أما الأسد احتفل واحتفل معه 90 مليون وأنعش ذكريات الفوز عند المصريين. في النهاية تعظيم سلام يا حضري.