رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثلاثة وأربعون عاماً على حرب أكتوبر



... وتحية لشهداء ثورة 25 يناير الذين واصلوا مسيرة المواجهة والتصدى لنظام الاستبداد والقمع والتبعية والفساد، الذين سالت دماؤهم على أرض ميادين مصر وسطرت الأمل فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.

فى السادس من أكتوبر 73 ذهب الشباب والرجال للتطوع والتدريب للدفاع عن أرضنا ولحماية الجبهة الداخلية فى الدفاع المدنى، ونحن الفتيات والسيدات ذهبن إلى المستشفيات للتدريب على الإسعافات الأولية للمساعدة فى علاج الجرحى والمصابين. الكل واحد أمام العدو. كانت البلد على أتم استعداد. عارفين ليه يا شعب مصر؟ عارفين ليه يا مسئولين؟ لأن القطاع العام وفر لنا كل الاحتياجات الأساسية من أغذية وأدوية وكل المستلزمات للبيت والمستشفى والمدرسة والمصنع. هذا غير توفير السلاح والمعدات على خط القناة. الكل واحد. العطاء والشهامة والشجاعة وإنكار الذات. لا تستطيع بلد أن تواجه العدو الخارجى والداخلى دون الاعتماد على نفسها فى توفير احتياجات مواطنيها الأساسية.

الآن يجئ العام الثالث والأربعون على حرب 73 وبدلاً من التنمية والإنتاج والاعتماد على الذات، وحسن استخدام مواردنا الطبيعية والبشرية نجد أن حكوماتنا منذ 1974 وحتى الآن تنتهج سياسات الانفتاح الاقتصادى بمعنى تحرير التجارة الداخلية والخارجية، وتحرير الاستثمار أمام المستثمرين المصريين والعرب والأجانب والتخلى عن الإنتاج المحلى الذى لم يصمد للمنافسة فى سوق مفتوحة. قاد عدم التركيز على تطوير الاقتصاد الإنتاجى من زراعة وصناعة، بل وتدهورها والتركيز على تطوير المرافق إلى أن يكون المصدر الوحيد لتطوير المرافق هو بالاعتماد على الاستدانة من الخارج والقروض من صندوق النقد الدولى والبنك الدولى. أدى هذا إلى اتفاقيات التثبيت وإعادة الهيكلة الاقتصادية وبيع أصول القطاع العام منذ عام 1991، مما أدى إلى التبعية للرأسمالية المعسكرة المتوحشة وتنفيذ السياسات التى تمليها الدول الكبرى فى الخصخصة وبيع أصول بلدنا الإنتاجية وإغلاق مصانعها وتشريد عمالها والاعتماد على الاستيراد من خلال مافيا احتكارية تتحكم فى قوت الشعب المصرى. كما قاد هذا إلى تخفيض متواصل لقيمة الجنيه المصرى فتدهورت معيشة الفقراء بينما ازداد الأغنياء غنى وزاد تفاوت الدخول فى المجتمع.

يجئ العام الثالث والأربعون لتتسع الفجوة بين الأغنياء والفقراء حتى نعود إلى مجتمع النصف فى المائة الذى يسيطر على 80% من ثروات بلدنا، غير انتشار الفساد ونهب الثروات وإهدار المال العام. يجئ العام الثالث والأربعون وبدلاً من استرداد أموالنا وثرواتنا وأراضينا التى استولى عليها الفاسدون نجد القوانين التى تُسَن لتقليل الضرائب على الأغنياء وزيادتها على الشعب الفقير، والقوانين التى تُسن للمصالحة مع الفاسدين ناهبى المال العام. لقد تم إصدار قانونين: القانون الأول فى عهد الرئيس السابق المستشار عدلى منصور لتحصين عقود الدولة مع المستثمرين من الطعن عليها أمام المحاكم من أى مواطن وقصر حق الطعن على الطرفين، أى الحكومة والمستثمر الأجنبى، بالمخالفة للقوانين والأعراف المتداولة.

وصدر القانون الثانى رقم 16 لسنة 2015 بتعديل بعض مواد قانون الإجراءات لتنص على إمكانية التصالح فى قضايا المال العام وإبراء ذمة من تربحوا وسرقوا من المال العام. رغم أنه لا يوجد قانون فى العالم يتصالح فى جرائم نهب المال العام، حيث إن هذا المال ملك للشعب وليس للحكومة التى عليها الحفاظ على المال العام بنص الدستور.

يجئ العام الثالث والأربعون ونجد أنه ما زال الفاسدون والمفسدون بيننا، بل ويتم التصالح معهم ويعودون إلى أرض الوطن سالمين كأن ثورة لم تقم وكأن دماءً لم تسل على أرض الوطن، وكأنها دعوة لمزيد من الفساد ونهب الثروات طالما المصالحة ممكنة فى النهاية.