رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عزيزى جلال الرومى .. كلمنى على الما سنجر


توفى الشاعر الصوفى الكبير «جلال الدين الرومى» عام 1273 م، أى منذ أكثر من سبعمائة سنة، لكن قصائده مازالت حية تصدح بقوة، ومنذ فترة صغيرة أنشأ البعض من محبيه صفحة باسمه فى فيس بوك لاستحضار سيرته وقصائده وحدث أن توقفت شابة عند الصفحة بالمصادفة وأعجبت بقصيدة فعلقت عليها مخاطبة جلال الدين الرومى بقولها: «إيه الحلاوة دى يا جلال؟!مش ممكن يا ابنى! أنت شاعر طحن مش أى كلام. المهم ما تكونش بتضيع وقتك فى قهوة البستان مع العيال الصايعة اللى هناك. اسمع كلامى وركز فى الكتابة واستمر. دلوقت أنا ح أكون فى البيت كمان ساعتين. كلمنى على الماسنجر». توقيع: فريدة. ملكة الإحساس. بالطبع لم يستطع جلال الدين الرومى أن يشكر فريدة ملكة الإحساس على إعجابها به وذلك لموانع كثيرة أحدها أنه متوفى من زمن. وإذا نحن نحينا الجانب المضحك من الموضوع، سيظل لدينا سؤال: ما مغزى هذه الحادثة الصغيرة؟ مغزاها الأساسى أن التعليم فى المدارس عندنا، خاصة فى مجال اللغة والشعر والأدب عاجز وفاشل حتى أن الشباب لا يعرفون « جلال الدين الرومى»، وإذا أمسى من الممكن مخاطبة شاعر عظيم بعبارة « إيه الحلاوة دى ياجلال؟» فلن أستغرب إذا خاطب البعض المتنبى بقوله «يا كوتو موتو أنت يا مبدع»! لدينا مشكلة فى التعليم، خاصة فيما يتعلق بالأدب والشعر، إذ يتم وضع المناهج الأدبية من قبل مجموعة من الموظفين لا علاقة لهم بالأدب، ولا ذائقة، ولا فهم، ومن ثم يتحول الشعر العربى بكل ثرائه إلى نوع من جلد التلاميذ وتعذيبهم وتلقينهم كراهية الشعر. وعادة ما تبدأ المناهج عندنا بأسخف نماذج الشعر القديم من نوع ما كتبه النابغة الذبيانى: «أتانى أبيت اللعن أنك لمتنى»، ولكى نثأر من التعليم كنا نرددها « أتانى أكلت اللحم أنك قفشتنى»! فى اعتقادى أن تعليم الشعر العربى يجب أن يبدأ بتحبيب الشعر إلى التلاميذ، مما يقتضى أن يبدأ تعليم الشعربشعراء العصر الحديث أولاً: إبراهيم ناجى، ومحمود حسن إسماعيل وغيرهما من شعراء أبوللو، ثم رجوعاً إلى حافظ إبراهيم وشوقى، ثم رجوعاً إلى ما قبل ذلك، وصولا إلى الجاهلية. من خلال الشعر الحديث، الذى تخلى عن الكلمات والصياغات المهجورة، يمكن للطالب أن يحب الشعر. يتبقى اختيار القصائد، ولهذا ينبغى أن تتشكل لجنة من الأدباء والشعراء لتضع المنهج مع وزارة التربية والتعليم، لكى يتوقف دور الوزارة فى تبغيض الشعر إلى الطلاب، بحيث نجد أننا إزاء حالة من تفشى الجهل تحديداً فى مجال الأدب. وأذكر أن عبقريات العقاد – خلال دراستى فى الثانوية العامة – كانت على سخافتها مقررة علينا، وفوجئت بعد ذلك بطه حسين يقول عن إحدى تلك العبقريات إنه « لم يفهمها» وذلك فى لقاء تليفزيونى مع ليلى رستم. وإذ كان طه حسين لا يستطيع أن يفهم ما تقرره وزارة التربية، فمن الطبيعى أن يكون جلال الدين الرومى لدى الشباب «جلجل» الذى ينتظرون مكالمته على الماسنجر، وأن يغدو أبو العلاء المعرى «علوة يا عسل.. يخرب عقلك.. أنت تجنن »!