رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدولار.. الأزمة والحل!


لم لانعترف بأن جانبًا كبيرًا من أزمة الدولار الحالية «مفتعل»، نتيجة عزوف العديد من شركات الصرافة وتجار العملة عن بيع الدولار، بهدف تعطيش السوق وسط تنامى الطلب بشكل هائل. ولنستعرض معاً تاريخ الجنيه المصرى وربطه أو تبعيته لما يطلقون عليه «العملة الصعبة», فقد ظل مرتبطًا بالجنيه الأسترلينى حتى عام 1962م وتم ربط الجنيه بالدولار الأمريكى وكان سعر الدولار أقل من نصف سعر الجنيه فى بداية هذا الارتباط، حيث سجل الجنيه المصرى مقارنة بالدولار الأمريكى حوالى 2.3 دولار، ولكن فى ظل الظروف الاقتصادية التى مرت بها مصر بعد ذلك والحروب التى خاضتها، خاصة بعد حرب أكتوبر انهار الدولار بشكل كبير أمام الجنيه وسجل فى ذلك الوقت 2.555 دولار لكل جنيه، ولكن بدأ الدولار فى الصعود نتيجة السياسات الاقتصادية التى اتبعت بعد الانفتاح فى العام 1975، حيث تم تعويم الجنيه جزئيًا فى سوق العملات فى عام 1989م إلى أن أصبح الدولار يساوى 3.3 جنيه واستقر هذا السعر حتى عام 2003م حتى تم تعويم الجنيه بشكل كامل وبدأ الدولار فى الارتفاع أمام الجنيه المصرى.

ولنا أن نتتبع بتروٍ وتؤدة بداية المشكلة التى تطرأ بين الحين والحين وسرعان مانجد لها الحلول الناجزة، إلى أن تحولت فى الأيام الحالية إلى أزمة بفعل المتربصين من الخونة لزعزعة الاقتصاد المصرى. والمعروف أن تغذية الدولار تتوافر من خلال خمسة مصادر رئيسة هي: التصدير، السياحة، قناة السويس، تحويلات المصريين فى الخارج، والاستثمارات الأجنبية، وأقصى ما تملكه الدولة هو حصيلة «التصدير» ودخل «قناة السويس»، بما فيها التفريعة الجديدة التى أنفقت عليها الدولة من مدخرات المصريين فى البنوك بالعملة الدولارية والمحلية، إضافة إلى تحمل الدولة عبء فوائد تلك المساهمات وتوزيع العوائد على أصحابها. وألف باء الاقتصاد هو تحكم نظرية العرض والطلب فى آليات السوق، فيكون من الطبيعى ارتفاع سعر العملة الأجنبية وانخفاض سعر العملة المحلية بما يتبعه هذا من تداعيات خطيرة، لأنه ينتج حالة تضخم مع انخفاض القيمة الشرائية للجنيه، وبالتالى ارتفاع تلقائى لأسعار السلع المحلية والمستوردة، تتم بإحساس التجار الغريزى الذى لا يهدف إلا إلى الربح، دون وازع ٍ من ضمير تجاه الفرد أو الدولة، يساعدهم فى هذا الجشع غياب الدور الرقابى الفعال على الأسواق، خاصة ونحن نستورد أكثر من 75% من احتياجاتنا من الخارج، بداية من السلع الضرورية من الغذاء حتى علبة الدواء، وهو ما ينعكس مباشرة على الحياة اليومية للمواطن، أما النتائج الأخرى فهى ظهور المضاربة وانتعاش السوق السوداء نظراً لاحتياج المستوردين للعملة الصعبة، وعدم توافر الدولار لدى السوق الرسمية فى البنوك، والحقيقة أن مكاتب الصرافة المنتشرة فى طول البلاد وعرضها ـ بما فيها مايطلق عليه “شركات بير السلم” ـ مملوكة لبعض العناصر المناوئة للحكم فى مصر، وتلعب دورًا خطيرًا فى الأزمة الحالية،وأصبح دورها مكشوفاً لكل متابع للحرب الضروس التى تواجهها مصر بقيادتها الوطنية، تلك الحرب التى تتخذ عدة توجهات للنيل من الاقتصاد، والوقيعة بين الشعب والسلطة، تلك الحروب التى ساعدت على انحسار موجات السياحة التى تعد أحد المصادر الرئيسة للعملة الصعبة، ويقول أحد خبراء الاقتصاد: «إن مكاتب الصرافة مُتسببة فيما يزيد على 50% من الأزمة، من خلال تطبيق ممارسة خاطئة، موضحاً أن الأصل فى العملية قيام الأفراد بتبادل العملة عن طريقها، وتقوم بتوريدها للبنوك والشروع فى العملية الطبيعية، لكن ما يحدث أن البعض يقوم بتوريدها لرجال الأعمال الذين يقومون بتهريبها للخارج مما يحدث حالة من الجفاف فى السوق المحلية، وتكون الحجة جاهزة لفرض نظرية العرض والطلب!

وقد أصدر البنك المركزى أول قراراته ضد شركات الصرافة التى ثبت تلاعبها بسوق صرف العملات الصعبة وعلى رأسها الدولار، مما تسبب فى هذه الأزمة الاقتصادية، خاصة بتعاملات السوق الموازية أو السوق السوداء عن الأسعار الرسمية التى يحددها البنك المركزى، وجاء قرار البنك المركزى بوقف أكثرمن 30 شركة عن العمل لمدة عام، مع شطب تراخيص 9 شركات نهائياً من السوق المصرية، وذلك بعد أن ثبت تلاعب هذه الشركات بالمضاربة على العملات الأجنبية، وهو ما أعده البنك المركزى عاملاً يشكل ضررًا على استقرار الاقتصاد القومى لمصر .

والحلول الحتمية تكمن - بالضرورة - فى سرعة إقرار سياسات وإجراءات عاجلة، أولها قرارات وقف استيراد السلع غير الضرورية، والتشجيع على شراء المنتج المحلى، وتحفيز المصريين بالخارج على تحويل أموالهم بأسعار لاتقبل المنافسة، والإسراع فى حل أزمة المصانع المتعثرة، وعودة عجلة الإنتاج إلى الدوران لزيادة الإنتاجية لزيادة معدلات التصدير، والإسراع فى دعم القطاع السياحى، وتنظيم حملات ترويجية لعودة السياح مرة أخرى، لضمان جلب المزيد من تدفق العملة الصعبة، ولن يتأتى هذا إلا بالقضاء على شراذم العصابات التى تحارب الدولة، بتنفيذ الأحكام القضائية العادلة الصادرة بحقهم، والثابتة بالمستنداث والوثائق، وحتى يعى الجميع أن يد الدولة قادرة على بسط ذراع الأمن والأمان لكل مواطنيها الشرفاء لتحيا مصر عصية دوماً على الانكسار أو الاندحار رغم أنف الحانقين ولتذهب مكائدهم أدراج الرياح!

■ أستاذ العلوم اللغوية ـ أكاديمية الفنون