رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القرط .. بين الانتقاد وتقدير الرئيس !


الجميل أن نجد أصحاب الأقلام الصحفية المخلصة يشاركون بمقالاتهم الإيجابية، إضافة إلى المشاركة العملية من فنانى الكاريكاتير؛ فى سباق رائع لمساندة الحملة فى مسارها؛ وظهرت المقترحات البناءة بعمل مزاد على «قرط السيدة العجوز» باعتباره رمزًا من رموز الصمود وإنكار الذات؛ والرد العملى على كل الألسنة التى خرجت للتهكم والسخرية على المتبرعين من أفراد الشعب.

استحدثت إحدى شركات الدعاية الغربية طريقة مبتكرة لجمع التبرعات من المواطنين، ونشر عدد من مستخدمى مواقع التواصل الاجتماعى فيديو يعرض فكرة تتسم بالبساطة، حيث تعتمد على عنصر الجذب البصرى، وضعت فيه الشركة أجهزة فى الأماكن المزدحمة تحمل صوراً لقطع خبز أو لمعتقلين مقيدين من الخلف، وفى منتصف الصورة يوجد المكان المخصص لمرور بطاقة الائتمان الـ «فيزا كارد»، وبمجرد تمرير المواطن بطاقته فيه يتم تقطيع قطعة الخبز، أو تقطع الحبال المربوطة بيدى المعتقلين، فى إشارة إلى أنك تستطيع بتبرعك أن توفر خبزاً لعائلة محتاجة أو تحرر معتقلاً بسبب ديونه أو ما يسمون الغارمين .

هذا الخبر من العالم الغربى، حيث الرفاهية وارتفاع معدلات الدخل للفرد، وبرغم هذا تلجأ منظمات المجتمع المدنى هناك إلى جمع التبرعات لتمويل الحملات الانتخابية على مستوى المحليات والمحافظين حتى رئاسة الجمهورية، والقوانين تسمح بهذا طالما تحكمها وتنظمها أطر ومراقبة مالية، فما بالنا بفقراء العالم الثالث الذين يحتاجون إلى المزيد من التبرعات تحت كل المسميات، بداية من التبرع بأكياس الدم؛ وقطع الملابس المستعملة، وصولاً إلى التبرع بأحد أعضاء الجسد لمن لا يملكون الثمن الباهظ لاستبدال كبد مهترىء أو كُلية أعلنت فشلها وإضرابها عن الاستمرارية فى وظيفتها الحيوية !

وما حدا بى إلى العروج على تناول هذا الموضوع؛ هو الحملة القومية لجمع التبرعات المالية لصندوق «تحيا مصر» ؛ التى دعت إليها القيادة الوطنية المصرية؛ والتى أعدها ـ من وجهة نظرى دعوة لإحياء وتوهج جذوة النخوة والوطنية والانتماء فى الروح المصرية؛ أكثر منها حاجة فعلية إلى الأموال لتغذية المشروعات العملاقة. وبرغم نجاح الحملة فى توجهها القومى والوطنى، خرجت علينا بعض الألسنة بالتهكم والتجريح لأهداف هذه الحملة النبيلة، وليتها معارضة إيجابية تضع البدائل والحلول للمشاكل المجتمعية الناجمة عن سنوات التجريف الماضية، ولكنها معارضة مؤدلجة ضد كل الإنجازات الوطنية التى تخدم صالح الوطن والمواطنين .

لذلك وجدت أنه من الإنصاف أن أتوقف أمام مشهد واحد من ملايين المشاهد الرائعة التى أفرزتها هذه الحملة الناجحة بكل المقاييس، معطية الدلالة على أن الدعوة إلى التكافل والتآزر مع الوطن فى هذه الظروف العصيبة؛ وصلت إلى قلوب وعقول البسطاء والفقراء داخل طبقات مجتمعنا، فنرى الأنموذج الرائع المتمثل فى هذه السيدة العجوز الكفيفة؛ التى لا تملك من حطام الدنيا سوى حبها القلبى لتراب الوطن و«قرطًا ذهبيًا» بسيطًا؛ تقول إنه الذكرى الباقية من رائحة الأجداد؛ تحتفظ به ليكون درعًا واقية ضد غوائل الزمن وثمنًا لشراء «الكفن» حين تودِّع هذه الدنيا الفانية، وبرغم هذا ـ نراها فى مشهد تاريخى - تسارع وتذهب به لتودعه تبرعًا خالصًا لوجه الله والوطن؛ ومنحه بكل طيب الخاطر لصندوق الحملة القومية «تحيا مصر» فمصر فداها «ديشيليون حلق» على حد تعبيرها!!

والجميل أن نجد أصحاب الأقلام الصحافية المخلصة يشاركون بمقالاتهم الإيجابية، إضافة إلى المشاركة العملية من فنانى الكاريكاتير؛ فى سباق رائع لمساندة الحملة فى مسارها؛ وظهرت المقترحات البناءة بعمل مزاد على «قرط السيدة العجوز» باعتباره رمزًا من رموز الصمود وإنكار الذات؛ والرد العملى على كل الألسنة التى خرجت للتهكم والسخرية على المتبرعين من أفراد الشعب، والتقليل والتحقير من شأن مواقفهم الإيجابية، لغرضٍ فى نفس يعقوب طبعاً؛ تلك النفوس التى لا تريد الخير والطمأنينة والسلامة للوطن وقاطنيه، ووصلت الاقتراحات الجميلة إلى المناداة بإقامة «مُتحف» يحتوى على كل التبرعات العينية التى قدمت من المصريين، ليكون بمثابة ذكرى طيبة للأجيال القادمة عن تضافرالشعب وإقباله بقناعة كاملة على العمل التطوعي؛ ومساندته لتوجهات الدولة ؛ للمشاركة فى تمويل المشروعات العملاقة وإن كانت التبرعات بطبيعة الحال ليست هى كل الحل.

وبرغم رمزية الحدث؛ وتسليط الإضاءة عليه؛ ليكون مثالاً واضحًا أمام الجميع، لما قامت به هذه المتبرعة العجوز البسيطة بدافع من إحساسها الوطنى الصادق؛ لم يهتز جفن للسادة أصحاب الملايين ليقدموا القدوة والمثال الذى يجب أن يُحتذى، والمفترض أن يكونوا فى طليعة المشهد وفى أول قوائم المتبرعين فى هذه الحملة القومية. الأمر الذى يثبت بما لايدع مجالاً للشك؛ أن الوطنيةالحقة لا تعترف بالتقسيم الطبقى، لكنها تنبع من الحرص الدائم على توثيق روح الانتماء والولاء للوطن . ومع المشهد الأثير عندى، والذى تزلزلت معه كل عروش الخيانة الخبيثة، وهو لحظة طبع الرئيس السيسى لتلك « القـُبلـة» الحانية على جبين «سيدتنا العجوز»؛ وكأنها «توقيع» على ميثاق الشرف والأمانة وتعميق الالتزام بحب الوطن، والتفانى فى عشقه الأبدى، فكان ممثلاً عن تقديره لموقفها وتقدير تسعين مليونًا فى آنٍ معاً ـ باستثناء القلة المريضة ذات الأهواء المغرضة ـ ، فجاءت تلك القُبلة كالبلسم الشافى لكل جراحات الوطن، وهدهدة حانية على أكتاف المتعبين والكادحين، وردًا عمليًا على كل المشككين فى نزاهة توجهات السلطة الوطنية، ورسالة صريحة وواضحة بأن الوطن لا يتخلى أبدًا عن المخلصين من أبنائه الشرفاء.

شكرًا فخامة الرئيس بالإنابة عن أهالى مصرنا المحروسة المدلهين فى حبها ..مثلك !

■ أستاذ العلوم اللغوية ـ أكاديمية الفنون