رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تساؤلات مطروحة.. وتخوفات مشروعة «1»


شهد شهر مايو الماضى مرور الذكرى المئوية على مشروع «سايكس بيكو» وهو الاتفاق الإنجليزى- الفرنسى الذى تم توقيعه عام 1916، والذى بموجبه تم تقسيم المنطقة العربية إلى مجموعة تحت النفوذ الإنجليزى تضم مصر والسودان والعراق وفلسطين وشرق الأردن، ومجموعة تحت النفوذ الفرنسى تضم سوريا ولبنان والمغرب العربى «تونس والجزائر والمغرب»، ولحق به خلال عام وعد «بلفور» 1917 الذى مكن من نشأة الكيان العنصرى الصهيونى على قسم من أرض فلسطين المغتصبة وفى منتصف شهر مايو مرت الذكرى الثامنة والستون على اغتصاب فلسطين وإعلان تأسيس دولة الكيان الصهيونى.

وفى هذه الأيام الأولى من شهر يونيه يمر تسعة وأربعون عاماً على احتلال الجولان السورية وبقية أرض فلسطين خلال حرب يونيه 1967. تجىء هذه المناسبات والدول العربية الآن فى أضعف حالاتها. فها هى الدول العربية بعد الاحتلال الأمريكى للعراق عام 2003، والذى كان مقدمة لمزيد من الهيمنة على المنطقة وعلى ثرواتها ومقدمة لتحقيق مخطط إعادة تقسيم المنطقة إلى دويلات صغيرة كثيرة وإشعال الاقتتال بين شعوبها على أساس عرقى وطائفى ومذهبى مع القضاء على الدول القومية وجيوشها فى العراق وسوريا وإشعال الفتن فى اليمن وعدوان حلف الناتو على ليبيا مع إشعال العمليات الإرهابية بداخلها وحظر تسليح جيشها. كل هذا يتم على أساس التحالف مع الإسلام السياسى بدءاً من الإخوان المسلمين وانتهاءً بالقاعدة والنصرة وداعش.

هذا بجانب المحاولات المستمرة والمستميتة لحصار مصر اقتصادياً وسياسياً وإشعال العمليات الإرهابية داخل البلاد وعلى الحدود لإنهاكها وإنهاك وإضعاف جيشها، بعد ثورة ملايين الشعب المصرى فى 30 يونيه التى أسقطت النظام الإخوانى الفاشى والعميل للدول الكبرى والذى كان الأداة الرئيسية للدول الاستعمارية الكبرى فى تنفيذ مخطط التفتيت المعروف بالشرق الأوسط الجديد والذى يضم بداخله إيران وتركيا. بهذا تصبح إسرائيل الدولة الكبرى الآمنة فى هذا المشروع. وإذا نظرنا لتفاصيل الوضع العربى نجد أنه بعد الاتفاق الأمريكى- الإيرانى حول رفع الحصار عن إيران مقابل ضمانات بألا يتحول برنامجها النووى إلى الاستخدام العسكرى، اعتبرت دول الخليج وعلى رأسها السعودية أن هذا الاتفاق تهديد لأمنها. كما اعتبر الكيان الصهيونى أن هذا الاتفاق تهديد لأمنها. أى تلاقت المصالح والأهداف الخليجية الصهيونية ضد إيران، مثلما التقت هذه المصالح من قبل لإسقاط نظام بشار الأسد وتفتيت سوريا والوقوف ضد مقاومة «حزب الله».

وبدلاً من تكوين قوة الدفاع العربى المشترك قادت السعودية تكوين حلف سنى ضد الخطر الشيعى الإيرانى وأدخلت فى هذا الحلف تركيا والأردن وبعض الدول الإسلامية الآسيوية، وتحول الخطر الرئيسى على المنطقة العربية من العدو الصهيونى إلى العدو الشيعى الإيرانى. وكعادة أنظمة معظم الدول العربية فهى مستعدة للتحالف مع العدو الصهيونى للحفاظ على بقاء عروشها وثرواتها.

والتقت هذه المصالح أيضاً مع دويلة قطر، مخلب أمريكا فى المنطقة وممولة الجماعات الإسلامية الإرهابية، والمحرضة ضد الشعوب فى عدد من فضائياتها. كما التقت أيضاً هذه المصالح مع دولة تركيا التى تريد فرض هيمنتها الاستعمارية على الدول العربية بحلم إعادة الخلافة العثمانية، وهى ما يمثل وجهاً آخر للشرق الأوسط الجديد. ووسط الضعف العربى الشامل استغل الكيان الصهيونى ذلك فى توسيع الاستيطان والمزيد من تهويد القدس والاعتداء على الشعب الفلسطينى، كما أعلن أنه سيضم الجولان السورية إلى أراضيه نهائياً، ويستولى على الضفة الغربية، ويعلن الدولة شعار يهودية الدولة بهدف طرد عرب 1948.

وها هو نتنياهو يعين المتطرف ليبرمان وزيراً للدفاع استعداداً لمفاوضات الصلح وفقاً للمبادرة العربية، والمبادرة الفرنسية، ونداء الصلح المصرى. هذا الوزير الذى أثارت تصريحاته من قبل غضب المصريين عندما هدد بضرب السد العالى وهدمه ويصرح الآن بضم الجولان نهائياً وعدم عودة اللاجئين. إن المصالحة التى يتم طرحها الآن لحل القضية الفلسطينية تجىء وسط موازين قوى لصالح الكيان الصهيونى، ولا تتيح استرداد الحق العربى والفلسطينى.