رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صحافتنا.. تاريخ من الحرية


فى الثالث من مايو من كل عام يحتفل العالم بيوم حرية الصحافة، وفى هذا المضمار فقد خاضت الصحافة المصرية على امتداد تاريخها معاركها من أجل الحرية بالتصدى لمختلف أنواع التعسف والمطاردة والإغلاق والتكبيل، وعانى كتابها فى سبيل ذلك من السجن والتشريد، وصان تاريخ الصحافة المصرية شعار يعقوب صنوع الذى قال عند صدور قانون المطبوعات فى 1881: «اكسروا أقلامنا وسدوا أفواهنا فسوف نكسر أنف أظلم حكامنا»! ولم تكف الصحافة عن التقدم بتاريخها للأمام منذ أن صدر «الجورنال» بأمر من محمد على باشا عام 1828 لحاجة الوالى إلى تقرير منتظم عن نشاط الدواوين التى أنشأها، ثم تحول «الجورنال» عام 1828 إلى جريدة «الوقائع» التى قامت بالتعريف بأخبار الحكومة وبناء الجسور وترقيات الضباط.

وحتى ذلك التاريخ كانت الصحافة مجرد نشرة حكومية تقتدى بما فعلته الحملة الفرنسية حين أصدرت جريدتين لجنودها فى القاهرة. وفقط عام 1841 بدأت الصحافة مسيرتها عندما وضع رفاعة الطهطاوى خطة جديدة للوقائع بإضافة أنباء العالم الخارجى ومقطوعات أدبية فقفزت الوقائع إلى مرحلة «الدور الإعلامى». ولم يكن ذلك يعنى أن الصحافة قد نضجت لتصبح صحافة «رأى وموقف». وفقط عام 1877 وعلى ألسنة نيران الحرب الروسية التركية عرفت الصحافة عندنا طريقها إلى «الرأى والموقف» لتغدو صحافة رأى عام تحرك الوعى بالقضايا الكبرى.

وبعد 65 عاماً من نشأتها أخذت الصحافة المصرية فى النقد السياسى الصريح وتبنى موقف وطنى. وأدرك الضمير الصحفى ما قاله فولتير ذات مرة: «وما على إذا لم يكن لى صولجان؟ أليس لى قلم؟». وبالحرية التى انتزعها الكتاب وصفت إحدى الجرائد إسماعيل باشا بأقذع الألفاظ للمرة الأولى قائلة إنه «أنفق مائة ألف جنيه من دم الفلاح وأنه بمثل هذه التصرفات السيئة يفضى بالبلاد إلى الهاوية» فأمرت الحكومة بإغلاق الجريدة. وتنقب جريدة أخرى هى «مرآة الشرق» لمحررها إبراهيم اللقانى عن أسباب الفساد الذى تفشى فى مصر وتكتب صراحة أن السبب هم الحكام الذين «لا يعرفون شرعاً، ولا يرضون قانوناً، بل تعدوا الحدود وانتهكوا المحارم، وحاربوا العدل، فطغوا وبغوا، ونهبوا وسلبوا، وفتكوا وهتكوا وأفراد الرعية على مرأى منهم حفاة عراة يتضورون جوعاً».

وينشر أديب إسحق مقالاته النارية فى جريدة مصر التى أنشأها فأغلقتها الحكومة بعد ثلاثة أعداد ويكتب ضد قانون المطبوعات ويندد بالامتيازات الأجنبية، فتغلق الحكومة جرائده وتنفيه إلى باريس. وواصلت جرائد عبدالله النديم «التبكيت والتنكيت» فى يونيه 1881، ثم «الطائف» وجريدة «الأستاذ» رفع مشاعل الحرية، وفيها كلها حمل النديم على طغيان الحكام. وظهرت صحف يعقوب صنوع الساخرة فلاحقته السلطة هو الآخر. ومع هزيمة الثورة عطل الاحتلال البريطانى الصحف وقيدها. ومع مقدمات ثورة 1919 تبلور على نحو نهائى الإدراك بأن الصحافة مهنة ذات رسالة، وبرزت فى ذلك السياق صحيفة اللواء التى أسسها الزعيم مصطفى كامل لتفتح النار على الاحتلال. فى اليوم العالمى لحرية الصحافة يحق لنا أن ننظر بفخر إلى تاريخ طويل من الكفاح الصحفى الشريف من أجل الحرية، تاريخ محكوم بالصراع بين من يؤرقهم الشوق إلى الحرية ومن يؤرقهم الخوف من الحرية. تحية لصحافتنا ومعاركها فى اليوم العالمى لحرية الصحافة.

■ أديب