رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مستقبل العرب


دائماً لا يحسن العرب خواتيم أعمالهم الكبرى، ولا يجيدون التخطيط لمستقبلهم، ربما لأنهم يعتبرون أن التخطيط هو نوع من الرجم بالغيب، وربما لا يعلمون أن التخطيط سمة من سمات النظم الديمقراطية والاشتراكية، وهو علم متشعب يشمل كل مجالات العلوم النظرية والعلمية ومع أنهم يدرسون علوم التخطيط فى كل الكليات، إلا أنهم يفتقرون للتخطيط فى النواحى العملية والحياتية. يظهر هذا فى شكل مدنهم، وشكل شوارعهم، حتى فى فنونهم، لا يتقنون الهدف الأسمى من الفنون التى يمارسونها. ينظرون دائماً إلى الهدف القريب وربما كان أقل نفعاً، ويهملون الهدف البعيد المستقر، والذى يتوخاه الناس من أجل راحتهم.

فعلى سبيل، لا توجد عندنا معاهد للتخطيط السياسي,لدراسة ما بعد الأنظمة القائمة، أو دراسة المستقبل دون الأوضاع القائمة، وهو ما جعل الأمور عندنا تتوالى كنتائج لواقع بغيض لا نريده.

ولعلنا لا نقرأ التاريخ جيداً. فى حرب فلسطين عام 1948، رفض العرب قرار التقسيم، ولم يفكروا فى البديل، ودخلوا الحرب متسرعين، فكانت النتيجة هزيمتهم، وضمت إسرائيل ضعف الأرض التى كانت مقررة لهم فى قرار التقسيم.لأن العرب لم يخططوا جيداً، لا للحرب، ولا للسلام، ولا لاحتمالات الهزيمة. وفى 1973 يمكن أن نقول إن الرئيس السادات خطط جيداً للحرب ثم للسلام، ولكن العرب لم يطاوعوه وجعلوه يسير فى طريق السلام منفرداً، وهو ما جعلهم يندمون على ما فاتهم، وحتى الآن لم يتمكنوا من إنجاز تقدم، منذ أكثر من تسعة وثلاثين عاماً.

وعندما احتلت العراق الكويت، لم يفكر صدام حينها فيما بعد الغزو، ولم يخطط لاستثمار الاحتلال، بما يحقق له ولشعبه فائدة، لو تراجع وخرج من العراق، ولكنه كان عنيداً ولم ينصع للحقيقة. وفى ثورات الربيع العربى وما بعدها، كان كل هَم الثوار، هو إزاحة الأنظمة الحاكمة، ولم يفكروا فى النظام البديل للحكم، وجاء البديل بما خيب ظنونهم، وتكالبت كل الحركات الدينية المتطرفة، على الأنظمة العربية الجريحة، ونهشتها ومازالت تنهض فيها دون فائدة تذكر.

الغريب أن الدول الغربية أو المتقدمة أسهمت فى تلك الجريمة المعروفة بالربيع العربى، عن عمد وسبق الإصرار، وقامت بتزكية تلك الحركات المتطرفة، بل وتعاونت معها، وقدمت لهاالمساعدات السخية. ومنها الأسلحة والدعم المالى، وساعدتها فى الدخول عبر الحدود التركية، إلى سوريا والعراق واليمن وقامت بإنزال الأسلحة إلى ليبيا، وتسربت تلك الأسلحة إلى مصر . وسمحت لمقاتلين أجانب بالعبور فى أراضيها إلى الدول العربية المجاورة ، وأغفلت عينيها عن صفقات السلاح المشبوهة التى دفعوا لها أموال العرب ليقتلوا بها العرب. فلم يفكر العرب فيما بعد داعش، لأن الحرب على داعش، حرب طائفية، وليست لصالح العراق. السُّنًة ينسبون النصر لهم، وكذلك الشيعة، وكل طرف سيحاول قطف كعكة ما بعد داعش، بإيحاء من ناطور خارجى، يرسم لكل طرف سياسته، وتلعب تركيا وإيران على هذا الوتر. لأجل هذا، كان تحقيق النصر بطيئاً، وإعلاميا فقط، ولا يعلمون أن داعش مثل الحرباء، عندما تضيق عليها الأمور وتشعر بالنهاية، تتلون فى صورة تنظيم آخر يظهر فى مكان آخر.