رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدولة الدينية والاستبداد والقهر «1-2»


لست من المنادين بفصل الدين عن الدولة، لأن الشعب بتنوعاته وأديانه ومعتقداته المختلفة جزء من مكونات الدولة، ولكننى من المطالبين بفصل الدين– أى دين – عن أنظمة الحكم، وأن يكون النظام الحاكم محايداً تجاه جميع المواطنين، ومحايداً تجاه جميع المعتقدات والأديان سواء كانت سماوية أو وضعية، ويخطئ من يظن أن الدولة الدينية هى التى ظهرت فقط فى العصور الوسطىفى أوربا عندما سيطرت الكنيسة على المناخ العام، فمن حولنا توجد دول الآن نستطيع أن نعتبرها دولاً دينية، وهذه الدول تعرضت للخراب والدمار والتقسيم بسبب الإصرار على فرض الشرائع الدينية، ولعل الصومال والسودان وأفغانستان وإيران أمثلة واضحة لكل ذى عين بصيرة، وقد عرف الدكتور جلال أمين الدولة الدينية  بأنها «دولة يمارس حكامها الحكم باسم الله، معلنين أنهم يطبقون شريعته ويستلهمون مقاصده، ويلتزمون أوامره ونواهيه»،فالدولة الدينية إذاً لا تشترط أن يحكمها رجال الدين مباشرة، فباستثناء دولة الفاتيكان أوالدولة الفاطمية فى مصر، كان حكام كل الدول الدينية  يمارسون الحكم باسم الله،والحكم الدينى – أيا كان الدين - سواء كان فى أوروبا أو غيرها من الدول التى تستند فى حكمها لمرجعيات دينية، لن تجد فى ظله إلا سيادة القهر باسم الله وباسم الدين، وحيث الحكم الدينى تسود العنصرية والاستعلاء على الآخر الدينى المغاير، وفى ظل أى حكم دينى ينتشر التمييز على أساس اللون والدين والجنس، كما يتزايد كبت الحريات، وتكميم الأفواه، وقمع الأفكار، وقصف الأقلام، ومصادرة الكتب، وقتل الإبداع، وكذلك فى ظل الحكم الدينى كثيرًا ما يحدث تقسيم للدولة الواحدة إلى عدة دول، لأن الاندماج الوطنى لا يمكن أن يحدث فى ظل أى حكم ديني، فأنصار الدولة الدينية يفضلون دولة صغيرة متجانسة دينياً مع ما يعتقدونه صحيح الدين، عن دولة كبيرة متعددة الأديان والمذاهب، ولعل أخطر ما فى الدولة الدينية هو أن الحاكم فيها يكون ظل الله فى الأرض، يحكم باسم الله ويصدر التشريعات والقوانين باسم النص المقدس، ويرسم السياسات باسم الله، ومن يطيعه فقد أطاع الله، ومن خالفه فى الرأى أوحاربه فإنما يخالف ويحارب الله، مع أنه مجرد بشر، قد يصيب وقد يخطىء، لكنه فى هذه الحالة تضفى عليه علامات التقديس ليصبح فى الحقيقة هو الوكيل الوحيد والمتحدث الشرعى دون سواه باسم الله، ومن ثم لا تجوز مراجعته ولا مساءلته وبهذا تفتح هذه الدولة الباب واسعًا للاستبداد باسم الدين وهو أسوأ أنواع الاستبداد.وهناك من يخففون من حدة الأمر فيرفضون الدولة الدينية ولكنهم يتحدثون عن دولة مدنية بمرجعية دينية، وعبارة الدولة المدنية ذات المرجعية الدينية تعتبر عبارة مطاطة متناقضة مع بعضها، هذا فضلاً عن أن هذه الدولة تكرس أيضاً للاستبداد والديكتاتورية والقمع باسم الدين، أما الدولة المدنية الوطنية الحديثة ذات المرجعية المدنية–وليس الدينية- فهى الدولة التى تحترم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. وللحديث بقية