رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المرأة.. وجائزة التنمية المستدامة


يبدو أننى صرت على قناعة شبه مؤكدة، بأن الأسماء تنعكس على أصحابها وصاحباتها، وأعد هذا ثمرة من ثمار متابعاتى للعديد من الشخصيات العامة، وبخاصة من النساء، ممن تقلدن المناصب القيادية أو من اللائى حققن نجاحات على المستوى المحلى والدولى، وكنَّ محل تقدير لما قدمنه من خدمات لأوطانهن وللإنسانية بوجهٍ عام...

... ونظرًا لأننا نعيش فى أجواء الاحتفالات بيوم المرأة العالمى وتكريم الأمهات فى عيدهن، وقع اختيارى على نموذج مشرف للمرأة المصرية التى قفزت إلى مصاف العالمية عن جدارة واستحقاق، وتقدمت الصفوف مسلحة بعلمها الغزيز فى مجال الاقتصاد الدولى. وقبل أن يقع عليها اختيارى، كان الاختيار الأسبق من منظمة الأمم المتحدة التى أعدتها المرأة الأولى عالميًا فى مجال التنمية المُستدامة ودعم الدول النامية، وهى من السيدات القليلات البارزات فى المجال الاقتصادى، فقد تخرجت فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعملت أستاذًا بقسم الاقتصاد المجتمعى بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، ولها خبرات فى مجال البنوك والتمويل تمتد لأكثر من 14عاماً. وقد بدأت د.سحر نصر حياتها كباحثة اقتصادية فى الغرفة الأمريكية بالقاهرة فى العام 1993، ثم التحقت للعمل كاقتصادية فى البنك الدولى فى العام 1996، وتدرجت فى المناصب إلى أن أصبحت مديرة مشروعات، وكبيرة خبراء اقتصاديات التمويل لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالبنك الدولى. وأسست د.سحر نصر، أول مكتب خاص للاستعلام الإئتمانى أثناء توليها منصب كبير خبير اقتصاديات التمويل بالبنك الدولى لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ،مما نتج عنه تحسن كبير فى المعلومات الخاصة بالجدارة الائتمانية للعملاء. وبرغم كل تلك النجاحات فى العمل العام، فقد آثرت أن تقدم استقالتها من عملها بالبنك الدولي، للتفرغ لمنصبها الجديد كعضو بالمجلس التخصصى للتنمية الاقتصادية، وهو فى الوقت نفسه يعد الاستشارى لرئيس الجمهورية، ومن المعروف أن وزارة التعاون الدولى تلعب دورًا كبيرًا فى تعاملات مصر معالمؤسسات التمويلية الدولية، للحصول على القروض والمنح لتمويل المشروعات التنموية. ولم تبتعد بحكم تخصصها عن ملف تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر خلال عضويتها بالمجلس الاقتصادي، ليتم تكليفها بهذا الملف والعمل على كيفية توفير فرص عمل للشباب للقضاء على البطالة ورعاية الفئات الفقيرة والطبقات المهمشة، بحيث يكون دور المجلس استشاريًا ومعاونًا للحكومة، خاصة فى ظل الظروف الاقتصادية الحالية. ومن الأهمية بمكان أن نلقى بعض الضوء للقاريء على مفهوم مصطلح «التنمية المستدامة»، فقد ظهر على الساحة الدولية والمحلية لكى يجد طريقه وسط عديد من المصطلحات المعاصرة مثل العولمة، صراع الحضارات، الحداثة، ما بعد الحداثة، التنمية البشرية، البنيوية، المعلوماتية، … وغيرها من المصطلحات التى يجب علينا فهمها، بغية إيجاد لغة خطاب مع العالم، وأيضا لكى يتشكل لدينا الوعى بمفهوم هذه المصطلحات، حتى نكون بمنأى عن الوقوع فى لبس أو خلط للأمور، فهو مصطلح يشير إلى التنمية «الاقتصادية/البيئية/الاجتماعية»، والتى تلبى احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال المقبلة على تلبية احتياجاتها الخاصة، والتنمية المستدامة ليست حالة ثابتة من الانسجام، وإنما هى عملية تغير واستغلال للموارد، وتوجيه الاستثمارات، واتجاه التطور التكنولوجى، فضلاً عن الاحتياجات الحالية. وأود أن أشير إلى معلومة مهمة وهى أنه قبل تداول استخدام مفهوم «التنمية المستدامة»فى أواخر الثمانينيات من القرن المنصرم، كان المفهوم السائد هو «التنمية» بمعناها التقليدي، الذى برز بعد الحرب العالمية الثانية وحصول مجتمعات العالم الثالثعلى استقلالها السياسى، وقتئذٍ بدأت الدول الرأسمالية الكبرى تروج للفكر التنموى التقليدى الذى يؤكد على أن ما تعانى منه دول العالم الثالث من فقر وجهل، إنما هو نتاج لتخلفها ـ وليس لاستعمارها لسنوات طويلة ـ ومن ثم طرح ذلك الفكر مفهوم التنمية كأداة تستطيع من خلالها دول العالم الثالث أن تتجاوز حالة التخلف وتلحق بالدول المتقدمة.

واللافت للنظر، أن قيام منظمة الأمم المتحدة بترشيح د.سحر نصر لنيل تلك الجائزة، لم يكن-بطبيعة الحال- لكونها تتولى حقيبة وزارية فى الحكومة المصرية، ولكنها تأتى كشهادة تقدير وتكريم للنجاحات المبهرة أثناء شغل منصبها فى البنك الدولي، ولقدرتها الفائقة على مساعدة مجموعة الدول النامية بالمنح والقروض والمساعدات، التى تعد السبب الرئيس فى خروج هذه الدول من محنتها الاقتصادية، الأمر الذى دعم موقف مصر فى المحافل الدولية والعالمية، بإعادة الترتيب للمناهج الاقتصادية. دعونا نزهو بالمرأة المصرية ممثلة فى شخص ومكانة د.سحر نصر، كأنموذج مشرف لسيدات مصر اللائى اقتحمن المجالات الدولية عن جدارة واستحقاق، وانتزاعها التكريم والصدارة من أكبر المنظمات الدولية ، ودعونى أؤكد مرة أخرى قناعاتى بأن الأسماء تنعكس على أصحابها، فاسمها قد انتصر لها.

ومن الجدير بالذكر أنه سوف تقام مراسم تنصيبها وتكريمها ومنحها لقب «المرأة الأولى عالميًا»، وتسليمها درع الأمم المتحدة للتنمية المستدامة فى احتفالية تقام بمقر الأمم المتحدة بمدينة نيويورك فى الحادى عشر من أبريل المقبل.

وهذا تأكيد على مقولتى بأن: النساء قادمات..وبقوة !