رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

البرلمان والمصداقية الجماهيرية


.. ولكن هل هذا يعنى أن البرلمان ومنذ إعلان نتائج الانتخابات يعتبر حاصلاً على ما يسمى بالشرعية الجماهيرية؟ بداية فمن المعروف أن الديمقراطية فى مفهومها اليونانى ومنذ أن عرفت طريق التطبيق كانت تسمى بالديمقراطية المباشرة والتى كانت تعطى الفرصة للجماهير كل الجماهير فى المناقشة والتصويت والاختيار. ولكن لم يكن من حق كل المواطنين ممارسة تلك الديمقراطية فهى كانت للنخبة وللأسياد. ثم تطورت الممارسة الديمقراطية وأصبحت بشكل غير مباشر أى عن طريق اختيار الشعب لنوابه الذين ينوبون عنه فى صنع القرار والمشاركة فى اتخاذه. والديمقراطية غير المباشرة وعن طريق اختيار النواب لا يمكن لها أن تتم على أرضية سياسية بغير وجود أحزاب لها برامجها الحزبية ولها قواعد الجماهيرية وكوادرها التنظيمية. وهنا تكون الانتخابات هى الموسم السياسى الذى تقوم فيه الأحزاب بطرح وتسويق برامجها الحزبية والانتخابية حتى يتسنى للناخب إمكانية وحرية اختيار النائب الذى يلتزم بهذه البرامج والذى يتوافق سياسياً مع آرائه ويحقق طموحات الناخب ويحل مشاكله، أما إذا كان المرشح مستقلاً فهنا يكون الاختيار على أساس انتماء المرشح ورؤيته السياسية ودوره السياسى مع الجماهير ويتبنى مشاكلهم والتعبير عن قضاياهم من خلال الممارسة السياسية فى الشارع ووسط الجماهير. وهنا يكون الاختيار سواء للنائب الحزبى أو النائب المستقل اختياراً على أرضية سياسية وحزبية يحكمها رؤية وبرنامج.

على هذا فماذا كانت الصورة الحقيقية والإحصائية للعضوية البرلمانية؟ يعرف الجميع أن نسبة النواب المستقلين هى أكثر من نسبة النواب الحزبيين. والنواب الحاصلون على العضوية باسم الأحزاب فهؤلاء لا علاقة لهم بهذه الأحزاب من قريب أو من بعيد، حيث إن الأحزاب تفتقر إلى الحشد الجماهيرى فلا علاقة لها بالشارع ولا يوجد حزب واحد طرح برنامجه الحزبى أو الانتخابى بصورة صحيحة أو مباشرة بل تم تطرح برامج من الأساس، حيث إن مرشحى الأحزاب جاءوا بطريق الإيجار المفروش ولمدة محددة لهذه الأحزاب، أما النواب المستقلون فهؤلاء لا علاقة لهم بالأحزاب ولا السياسة ولا الثقافة البرلمانية. فهؤلاء جاءوا على أرضية المال الانتخابى والعصبية والقبلية والطائفية وما يسمى بالنفاق الجماهيرى عن طريق الإعلام مثلما حدث مع العكش الذى حصل على أعلى نسبة من الأصوات وأنت لا تعرف له موقفاً ولا تدرى له رؤية غير الفهلوة والتناقض والمصلحة الذاتية والأنا المرضية. فهل مع هذه الخلطة البرلمانية غير السحرية والمخاصمة للسياسة والفاقدة للرؤية السياسية وغير الملتزمة بأى برنامج سياسى أو انتخابى يمكن لهذا البرلمان أن يحصل على المصداقية الجماهيرية؟ حتى الآن لا وألف لا، فالبرلمان لم يحصل على هذه المصداقية وذلك نتيجة تلك الممارسات الهزلية التى تجاوزت كل الأعراف والثوابق البرلمانية ليس فى مصر فقط ولكن فى العالم كله. فبعد شهرين وحتى الآن لا يرى المواطن أى نتيجة أو يشاهد أى ممارسة برلمانية توحى له أن هذ البرلمان بالفعل يعبر عن المواطن فى هذه المرحلة التاريخية من عمر الوطن بما فيها من تحديات خطيرة داخلياً وخارجياً تهدد سلامة الوطن.ناهيك عن حالة الفوضى التى ضربت كل الأرجاء والتى مازالت آثارها باقية بل تتفاقم وتزداد. ناهيك عن كم المشاكل الاقتصادية والتحديات السياسية والانفلات الاجتماعى الذى أصبح الفساد يتسيد واجهته. ففى ظل هذا الواقع المتردى وعلى ضوء هذه السلبية القاتلة وبالرغم من المشاكل التى تحيط بالوطن والمواطن مع وجود آمال كبار تتمنى الجماهير تحقيقها بعد ٢٥/٣٠ نجد البرلمان لا يرى غير حالة الظهور الإعلامى المرضية وتصفية الحسابات الشخصية والسعى وراء المكاسب الذاتية، نرى تأسيس لحالة الأغلبية الديكتاتورية واستنساخ وإعادة للحزب الوطنى باسم ما يسمى بـ «ائتلاف دعم مصر» والأهم ترى أن إجازات المجلس أكثر كثيراً من أوقات عمله بالرغم من خطورة المهمة التشريعية والرقابية التى تنتظره مع دستور لم تشرع مواد كثيرة منه إضافة لحزمة التشريعات المهمة والمطلوبة فوراً. نعم لم تقر اللائحة فلا توجد لجان. نعم لم تلقى الحكومة بيانها ولا استجوابات. ولكن هل هناك فكر سياسى وتوصيف للواقع وتمثيل للجماهير شعر بآلامها ويعرف مشاكلها، فيمكن أن تستغل الإجازات فى عقد حوارات اجتماعية وجلسات استماع حول قضايا كثيرة هامة ومهمة تساعد النائب فى عمله البرلمانى؟، فالانتخابات لا تعطى المصداقية، خاصة أن هذا البرلمان هو برلمان الخمسة وعشرين فى المائة. كما أن الممارسات البرلمانية وحتى الآن تخاصم أى مصداقية تعنى فقدان النظام الدستورى هذه المصداقية. وهذا يضرب فى أساس النظام السياسى، الوطن فى ظروف صعبة واستثنائية يحتاج جهود كل مواطن فما بالك بالبرلمان. كفى تقاعساً والأهم الوطن والجماهير صاحبة الشرعية الأهم وحتى تكون مصر لكل المصريين.