رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شرف «بنزيما» وسمعته

نجم كرة القدم كريم بنزيما، Karim Benzema، هداف منتخب فرنسا السابق، الحاصل على جائزة الكرة الذهبية، سنة ٢٠٢٢، أقام «دعوى تشهير»، الثلاثاء الماضى، ضد جيرالد دارمانان، وزير الداخلية الفرنسى، بعد أن اتهمه الأخير بأنه على علاقة بـ«جماعة الإخوان».

جاء فى الدعوى، التى نشرت وسائل إعلام فرنسية مقتطفات منها، أن هذا الاتهام «يقوّض» شرفه وسمعته، وأن وزير الداخلية مرمغ اسم «بنزيما» فى الوحل، بزعمه وجود علاقة غير موجودة مع هذه المنظمة.

كريم حافظ مصطفى بنزيما، المولود سنة ١٩٨٧ فى مدينة ليون الفرنسية لأبوين فرنسيين من أصول جزائرية، انضم إلى نادى «اتحاد جدة» السعودى فى صيف ٢٠٢٣، قادمًا من النادى الإسبانى الشهير ريال مدريد، براتب سنوى قدره ٢٠٠ مليون يورو، ولعب مع الفريق السعودى ٢٠ مباراة، سجل خلالها ١٢ هدفًا. ومساء الإثنين الماضى، كشف الإعلامى الرياضى بن جاكوبس، Ben Jacobs، فى حسابه على شبكة «إكس»، عن رفض صندوق الاستثمار السعودى، عرضًا قدمه نادى «مانشستر يونايتد» الإنجليزى، للتعاقد مع بنزيما، لافتًا إلى أن السعودية تراه جزءًا مهمًا من مشروعها الرياضى الكبير.

هجوم عنيف شنه عدد من المسئولين الفرنسيين، ضد هذا اللاعب، إثر إعلانه عن تضامنه مع ضحايا العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، بتغريدة نشرها فى حسابه على شبكة «إكس». إذ طالبت فاليرى بوايى، النائبة فى مجلس الشيوخ، بسحب الجنسية الفرنسية منه، ورأت نادين مورانو، الوزيرة اليمينية السابقة، أنه إحدى «أدوات البروباجندا لحركة حماس»، و... و... وعلى قناة «سى نيوز»، أرجع وزير الداخلية الفرنسى هذا الموقف، إلى أن «بنزيما لديه علاقة مع جماعة الإخوان المسلمين».

فى المقابل، أكد اللاعب أنه «لم تكن لديه أدنى صلة بجماعة الإخوان المسلمين، ولا يعرف أى عضو فيها»، وأضاف: «أدرك إلى أى مدى يتم استخدامى، والإساءة لسمعتى، فى ألعاب سياسية»، واصفًا ذلك بأنه «أكبر فضيحة»، قبل أن يؤكد «أن الأحداث الدامية التى وقعت منذ ٧ أكتوبر تستحق شيئًا مختلفًا تمامًا عن هذا النوع من التصريحات». كما قال محاميه هيوج فيجييه لقناة «RTL» الفرنسية، إن موكله «ضحية استغلال سياسى»، واتهم وزير الداخلية بـ«زرع الانقسام» فى فرنسا.

المسلمون فى فرنسا، أو المنحدرون من أصول عربية، كما فى غيرها، يعانون من ممارسات المتطرفين المتمسّحين فى الإسلام، أكثر من معاناة أتباع الديانات الأخرى واللا دينيين، بعد أن تمكن هؤلاء المتطرفون من السيطرة على مؤسسات وجمعيات ومدارس ومساجد. ولا نعتقد أن عاقلًا يعارض مواجهة المتشددين، المتطرفين، أو الإرهابيين، سواء كانوا يهودًا، مسيحيين، كفارًا، أو كهؤلاء الذين وصفهم الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون بأنهم «يحرفون الديانة الإسلامية ويستغلونها لأغراض سياسية، وبناء مجتمع موازٍ».

سعيًا إلى مواجهة هؤلاء، المتطرفين، أو الإرهابيين، وافقت الجمعية الوطنية الفرنسية «البرلمان»، بأغلبية كبيرة، على مشروع قانون «تعزيز مبادئ الجمهورية»، المعروف باسم «قانون محاربة الانعزالية». وبموجب قانون «الأمن الداخلى ومحاربة الإرهاب»، تم حلّ منظمات وجمعيات، واتخاذ مجموعة من التدابير لمحاربة الطائفية فى التعليم و... و... ومع ذلك، نرى أن الاتهام بالارتباط بـ«جماعة الإخوان»، أو غيرها من التنظيمات الإرهابية، يحتاج إلى أدلة تثبته، وليس إلى مجرد تغريدة، يعبر فيها صاحبها عن موقف أخلاقى، أو إنسانى، خاصة حين يصدر هذا الاتهام عن وزير الداخلية.

صار دارمانان، Gerald Darmanin، وزيرًا للداخلية فى ٦ يوليو ٢٠٢٠، فى حكومة جان كاستيكس، واستمر فى حكومة إليزابيث بورن، ثم فى حكومة جابرييل أتال، الحالية، التى تم تشكيلها فى ١١ يناير الجارى. والطريف، أن له أيضًا أصولًا جزائرية، فجده لأمه، موسى واكيد، مولود سنة ١٩٠٧ فى بلدة أولاد غالية بالجنوب الغربى للجزائر، وكان من الرعيل الأول لـ«الحركيين»، أو الجزائريين الذين استعملهم الاستعمار الفرنسى لوأد حركات المقاومة.

الخلاصة، هى أن العلاقة بـ«جماعة الإخوان» صارت عارًا يتبرأ منه الحريصون على شرفهم وسمعتهم، ويواجهون محاولة إلحاقه بهم، بإقامة دعاوى تشهير. والتشهير، Defamation، بتعريف القانون الفرنسى، هو أى ادعاء أو اتهام يؤدى إلى جرح شرف شخص أو هيئة.