رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القمة الـ19 لعدم الانحياز

تحت عنوان «تعميق التعاون من أجل الرخاء العالمى المشترك»، تستضيف العاصمة الأوغندية كمبالا، اليوم وغدًا، الجمعة والسبت، القمة التاسعة عشرة لـ«حركة عدم الانحياز»، المتوقع أن تشارك فى فعالياتها مائة دولة على الأقل، من بينها مصر، التى كانت واحدة من ثلاث دول تشاركت، سنة ١٩٥٥، فى تأسيس الحركة، التى صارت، الآن، ثانى أكبر تجمع دولى بعد الأمم المتحدة، والإطار الأهم، والأوسع نطاقًا، لتنسيق مواقف الدول النامية، تجاه مختلف القضايا السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية.

للملف الفلسطينى لجنة مختصة فى حركة عدم الانحياز. وعليه، كان طبيعيًا أن يتصدر العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، وعلى الأراضى الفلسطينية المحتلة إجمالًا، ملفات الاجتماعات التمهيدية للقمة، التى طالبت فيها المجموعة العربية والوفد الفلسطينى بإدراج هذا الملف فى «وثيقة كمبالا»، اتساقًا مع قرارات القمة الثامنة عشرة للحركة، التى أقيمت بالعاصمة الأذربيجانية باكو، فى أكتوبر ٢٠١٩؛ ولأن الحركة لديها، أيضًا، فريق عمل خاص بالصومال، فإن جدول أعمال القمة، سيركز، طبعًا، على انتهاك إثيوبيا سيادة ووحدة الأراضى الصومالية، بتوقيعها «مذكرة التفاهم» غير القانونية، مع ولاية «أرض الصومال»، التى قد تشعل نزاعًا مسلحًا جديدًا فى القرن الإفريقى.

فى العاصمة اليوغوسلافية بلجراد، أقيمت القمة الأولى للحركة، سنة ١٩٦١. ومنذ تلك السنة، تقام القمة، عادة، كل ثلاث أو أربع سنوات، وتتولى الدولة، التى تستضيف القمة رئاسة الحركة حتى موعد القمة التالية، وطبقًا لهذه الآلية، تنتقل الرئاسة الدورية، اليوم، من أذربيجان إلى أوغندا، التى استخدمت الولايات المتحدة ضدها سلاح العقوبات الاقتصادية والشطب من الاتفاقيات التجارية، بينما تنتظر الصين انتهاء أعمال قمة عدم الانحياز، لتترأس، فى كمبالا، أيضًا، قمة «مجموعة الـ٧٧ زائد الصين»، ونيابة عن الرئيس عبدالفتاح السيسى يترأس سامح شكرى، وزير الخارجية، وفد مصر المشارك فى القمتين.

بالتزامن مع حركات التحرر الوطنى فى إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضى، ظهرت فكرة إنشاء تجمع يضم الدول غير التابعة أو المنحازة للكتلتين المتصارعتين آنذاك: الكتلة الشرقية بزعامة الاتحاد السوفيتى، والكتلة الغربية التى تزعمتها، ولا تزال، الولايات المتحدة، لكن بعد تفكك الاتحاد السوفيتى، ومعه الكتلة الشرقية، صار مفهوم عدم الانحياز رمزيًا، خاصة مع إقامة غالبية الدول الأعضاء فى الحركة تحالفات جانبية، سياسية واقتصادية وتنموية وعسكرية مع دول الكتلة الغربية، قادت إلى ارتباك المواقف الموحدة، أمام حسابات ومصالح تلك الدول.

تدريجيًا، فقدت حركة عدم الانحياز تأثيرها، وخلال تسعينيات القرن الماضى «لم تعد لاعبًا تجدر ملاحظته فى ساحة التكتلات السياسية»، بوصف «المعهد الأمريكى للسلام». غير أن مصر، التى شاركت فى بلورة فكرة إنشاء الحركة، وكان لها إسهامها الواضح فى تأسيسها، ثم فى تحويل مبادئها وأفكارها إلى واقع ملموس عندما استضافت قمتها الثانية، سنة ١٩٦٤، استطاعت، أيضًا، سنة ٢٠٠٩، أن تحدث نقلة نوعية فى مسيرة الحركة، خلال القمة الخامسة عشرة، التى أقيمت بمدينة شرم الشيخ. 

الوثائق، التى صدرت عن قمة شرم الشيخ مكنت الحركة من التعامل مع التحديات المعاصرة، وعززت التعاون بين دول الجنوب من ناحية، وبينها وبين دول الشمال الصناعية من الناحية الأخرى، وأيضًا مع «مجموعة الـ٧٧ زائد الصين». ومن هذا المنطلق، تزايدت أنشطة وأهمية الحركة، خلال القمم الثلاث التالية، وصرنا ننتظر، أو نتوقع أن يتعاظم دورها خلال القمة الحالية، فى ظل التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية الراهنة، التى تواجه دول الحركة، والدول النامية إجمالًا، ومع زيادة حدة الصراعات وحالة الاستقطاب على الساحة الدولية، والتى تستوجب تعزيز دور الحركة وإحياء مبادئ باندونج.

.. وتبقى الإشارة إلى أن المبادئ الأساسية، التى تحكم علاقات الدول الأعضاء فى الحركة، كبيرها وصغيرها، المعروفة باسم «مبادئ باندونج العشرة»، وضعها الرئيس جمال عبدالناصر، وجواهر لال نهرو، رئيس وزراء الهند، والرئيس اليوغوسلافى جوزيف تيتو، وتم الإعلان عنها فى التجمع المنظم الأول لدول الحركة، الذى استضافته مدينة باندونج الإندونيسية، فى أبريل ١٩٥٥، والذى سبقه انضمام كوامى نكروما، رئيس غانا، وأحمد سوكارنو، رئيس إندونيسيا، إلى القادة أو الآباء المؤسسين للحركة.