فوزى فهمى .. ونبوءة الطوفان
واعترافاً منا بأستاذيته وتعظيمًا لدوره وإضاءة على كتاباته المسرحية، نتناول مسيرته، فقد أصدرت الهيئة العامة للكتاب أعماله المسرحية الكاملة، وتنطوى على ثلاث مسرحيات: « لعبة السلطان» و«الفارس والأسيرة» و«عودة الغائب». وتبرز مسرحية «لعبة السلطان» لتصبح بمثابة نبوءة للطوفان الثورى الذى اجتاح الساحة المصرية سياسيًا واجتماعيًا فيما بعد، فهى تحكى عن عصر يظهر مفقودًا ويسوده الخوف والصمت ومناجل تحصد رءوس العباد، وعن بشر يطمحون إلى الحرية الحقيقية ويرفضون السلطة الجائرة وسطوة المال على الحكم، فيدهس فى طريقه كل القيم الأخلاقية، فوقفوا فى مواجهة الظلم كى يتحقق العدل بين ظهرانيهم، وهذا هو الدور العظيم للفنون والآداب فى تغيير الواقع فى المجتمع إلى الأجمل، فالدكتور فوزى صاحب حياة عريضة قضاها مؤمنًا بأن الثقافة الجادة هى خير زاد بديلاً عن الطعام، فباجتهاده الشخصى أنشأ المعهد العالى لفنون الطفل بالأكاديمية، لإيمانه بأن مصر البشر هى أهم عنصر فى بناء هذا البلد العظيم، وتبدأ رفعته من إعلاء ثقافة الطفل وإيقاظ وعيه السياسى مبكرًا، ومن هذا المنطلق يعزى إليه الفضل فى ترجمة العديد من الكتب المتخصصة للأطفال، ليتولى عن جدارة مكانته كرئيس لمركزثقافة الطفل المصرى حينذاك؛ ويمهد السبيل له بكل الفنون من موسيقى ورسم ونحت، علاوة على كل فنون المسرح الذى عشقه ومنحه خلاصة فكره وعقله على مدى حياته، فهو الذى أخلص لأحلامه فى تنمية الإنسان المصرى وتدعيم ثقافتنا المصرية من خلال التلاحم والإطلالة على معظم ثقافات العالم المتحضر، فقام بإنشاء مركز اللغات والترجمة بالأكاديمية بغية تعليم طلاب المعاهد بها اللغات المختلفة، وقام بتدعيمه بأول مكتبة مرئية وسمعية فى كل التخصصات، وهو مايحقق الثراء العلمى والمعرفى لكل الدارسين وغير الدارسين من محبى الفنون والآداب وأمدّها بكل التسجيلات النادرة من شتى بقاع العالم.
وأبدًا لم يتوقف د.فوزى عن العطاء طوال مسيرته العلمية الأدبية والإدارية الناجحة بكل المقاييس؛ فطالعنا بترأس مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى عبر دوراته المختلفة؛ تاركًا بين أيدى محبى وعشاق المسرح عددًا لايعد ولا يحصى من الكتب المترجمة عن الكثير من اللغات الحية زاداً ثقافياً ومعرفياً وإثراء لمكتباتهم ؛وليثبت دائمًا أنه يهب حياته لخدمة وتثقيف الإنسان المصرى وإخلاصًا لمن يعتز دومًا بأنه التلميذ النجيب له شيخ النقاد د. محمد مندور، الذى استمد منه شجاعة تحديد وتحييد العلاقة بين المثقف والسلطة فينتقد الحكم والحاكم بموضوعية دون إسفاف ودون السقوط فى بئر الدونية الباحثة عن الشهرة أو الظهور بموقف البطل المغوار، ولكن ينتقد بكل الحُب والإخلاص الصادق للوطن: أرضه وبشرٌه؛ وإعلاء لقيمة الحرية التى ينشدها كل فنان مبدع وحقيقى، فهو يطل علينا بقلمه بوصفه كاتب مقال من الطراز الأول حتى يومنا هذا.
وبعد هذه النبذة الخاطفة لمسيرة أحد روادالفكر والأدب الكبار والأستاذ الذى لم يفرط فى رسالته السامية-برغم كثرة الأعباء والمسئوليات-كأستاذ أكاديمى تجاه طلابه حتى اليوم ؛ نقول: ألم يحن الوقت لتكريمه بما يليق بتاريخه العريض من الجهات الرسمية الراعية للآداب والفنون فى مصرنا المحروسة؟ راجية ألا ترد دعوتى المتكررة لتكريم روادنا بالصمت المعهود من المسئولين! هذا ونتمناه تكريمًا خاصا بإعادة إضاءة أنوار المسرح المصرى بأعماله القيمة التى قام ببطولتها عمالقة مسرحنا من القامات التى أتقدت خشبة المسرح بأدائهم.
وأعتقد أن هذه الشهادة فى حق هذا العالم الجليل الذى شرُفت بالعمل إلى جانبه فى الأكاديمية، واكتسبت من خبراته على المستوى الإنسانى والعلمى والعملى الكثير ولمست عن كثب مدى تفانيه وحبه لعمله من أجل رفعة مصرنا الحبيبة ؛ أعدها حقاً من حقوقه على كل من تعلم منه، وأظن أنه من الطبيعى أن يعضدنى فيها كل الصفوة والنخبة فى المجتمع المصرى والعربى من المثقفين العارفين بقدره وثِقله على الساحة الثقافية المصرية والعربية عبر سنوات وسنوات من العطاء فالشكر والعرفان أضعف الإيمان!
■ أستاذ العلوم اللغوية ـ أكاديمية الفنون
