رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى ذكرى ميلاد المسيح «2-2»


عاش السيد المسيح فى عصر سيطرت عليه الأصولية الدينية، وساده التطرف الدينى من رجال الدين اليهود ومعلمى الشريعة والناموس، ولكن السيد المسيح كان مصلحاً ثورياً حيث إنه وقف ضد كل القوانين البالية التى تنتهك كرامة الإنسان، وتصدى لكل الشرائع المتخلفة التى تجعل من الإنسان وسيلة لا هدفاً...

... كما أنه كان من أشد المقاومين لمن حاولوا أن يستغلوا الإنسان باسم الدين وباسم الله، وهؤلاء القوم كان كل قصدهم وجل غايتهم هو تطبيق الشريعة بغض النظر عن مراعاة حقوق الإنسان ووضعها فى الاعتبار، فمثلاً لكى يحافظوا على تطبيق شريعة يوم السبت بعدم العمل كانوا يمنعون أى عمل حتى ولو كان متعلقاً بشفاء مريض، فكان السيد المسيح يكسر شريعة السبت ويشفى المرضى، وكان يقول للمتزمتين والمتطرفين: إن السبت جُعل لأجل الإنسان وليس الإنسان لأجل السبت.

والمتزمتون من اليهود احتقروا الطفل، وازدروا بالمرأة إلى الدرجة التى فيها كان يقف الرجل اليهودى يومياً وهو يصلى شاكراً الله أنه خلقه رجلاً وليس امرأة، فكانت المرأة مبغضة ومرذولة، وكان من حق الرجل أن يطلقها لأتفه الأسباب حتى ولو زاد الملح قليلا فى الطعام!!، المتزمتون والمتطرفون أيام المسيح كانوا يريدون تطهير المجتمع دون أن يفكروا فى تطهير ذواتهم!! كانوايبغون إصلاح الغير دون أن يفكروا فى الالتفات إلى أنفسهم، كانوا يريدون أن يخرجوا القذى من عين الآخرين بينما الخشبة تسد عيونهم!!، ولعل أكبر دليل على فسادهم أنهم ذات يوم أمسكوا امرأة زانية وأتوا بها إلى السيد المسيح دون أن يأتوا بالرجل، وقالوا له إن هذه المرأة أمسكت وهى تزنى وموسى النبى أوصانا أن مثل هذه ترجم فماذا تقول أنت؟، وتوقعوا من السيد المسيح أن يقوم برجمها كما تقول الشريعة، أو أن يطلق سراحها دون عقاب، وفى كلتا الحالتين سيصطادونه فى شباكهم، فهو إما أنه لم يأت بجديد، أو إنه يبيح الفساد والزنى، ولكن السيد المسيح الذى علم مكرهم انحنى إلى الأرض وكتب، ثم نظر لكل واحد منهم وهم رجال الدين الأشداء الأقوياء الذين يبغون تطبيق الشريعة، وقال لهم قولته الشهيرة الأثيرة: من كان منكم بلا خطية فليرمها أولاً بحجر، وهنا سقطت الحجارة من أيديهم لأن أيديهم كانت تقطر دماً!!، وزاغت نظراتهم لأن عيونهم كانت ممتلئة بالزنى، وتركوا أماكنهم لأن الخزى غطى وجوههم، فانسحبوا واحداً تلوَ الآخر بدءاً من الشيوخ إلى الآخرين، فالتفت المسيح إلى المرأة التى كانت محطمة من كل وجه أدبياً واجتماعياً ونفسياً وحرص السيد المسيح على ألا يزيدها تحطيماً، فقال لها: أين هم أولئك المشتكون عليك؟ أما دانك أحد؟ فأجابت: لا، قال لها المسيح: ولا أنا أدينك، اذهبى ولا تخطئى ثانية، لقد استطاع السيد المسيح برحمته بالخطاة أن يصلح مسارهم ويغير حياتهم دون أن يريق دماءهم!!، لقد أحب السيد المسيح الإنسانية جمعاء، وبذل نفسه وحياته لأجلها، وفى محبته لم يفرق بين إنسان وآخر لا على أساس دين أو جنس أو مذهب أو لون أو عقيدة، ما أحوج المهتمين بإعطاء الأولوية المطلقة لإقامة الشعائر الدينية، أن يدركوا أن علاقة الإنسان بأخيه الإنسان لهى أهم عند الله، ولها الأولوية عن ممارسة الشعائر، وما أحوج المنادين بتطبيق الشرائع والمتذرعين بها أن يعلموا أن الشرائع وجدت لمصلحة الإنسان وليس العكس، فكرامة الإنسان فوق الشعائر و الشرائع بل وفوق حرفية النصوص!!