رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العلَّامة محمد حماسة..وجزاء سنمار


ودَّعنا فى مطلع العام الجديد، ركنًا من أركان مجمع الخالدين، هذا الإنسان الجميل الذى كان يعتز بتسمية مجمع اللغة العربية بـ «مجمع الخالدين» لأنهم يتعاملون مع اللغة الخالدة ؛بخلود القرآن الكريم، وأن هؤلاء الأعضاء هم سدنة هذه اللغة ؛ ذلك هو العلَّامة الجليل الذى غادر عالمنا أ.د. محمد حماسة عبد اللطيف، اللغوى والشاعر والناقد والأديب ؛ الذى أخلص كل الإخلاص للغة العربية فوهبته أسرارها وأهدته مفاتيح مغاليقها، ولم تكن تلك الهبة من فراغ، ففى مقتبل عمره حفظ القرآن الكريم وأحسن تجويده ؛ على يدى والده وشيخه الفقيه عبد اللطيف الرفاعى، فى كتّـاب قرية كفر صراوة مركز أشمون، بمحافظة المنوفية فى عام 1941 ؛ الذى خرج منه كالسهم المارق إلى سلك الأزهر الشريف، ليلتحق بمعهد القاهرة الدينى، ولما أنهى مرحلة التعليم الثانوى بتفوق ظاهر التحق بدار العلوم ليحصل على الليسانس فى اللغة العربية والعلوم الإسلامية بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى عام 1967م وفى هذا العام عين معيدًا بقسم النحو والصرف والعروض، وفى عام 1972م نال درجة الماجستير بدرجة ممتاز، وفى عام 1976م نال درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى، علاوة على أنه تبوأ منصب الأستاذ فى العديد من جامعات العالم العربى والإسلامى حيث عين عميدًا لمعهد اللغات واللغويات فى الجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد 1992 ،حيث تتلمذ على يديه المئات من طالبى العلم والإبحار فى عالم اللغة، هؤلاء النجباء الذين ينعونه اليوم بكل الحسرة والالتياع ؛ لأنه يمثل لهم الأب الروحى والقدوة والمثال الذى يُحتذى فى نمط العلاقة الحميمية بين المعلم والأستاذ وتلاميذه الذين يجلسون فى مقاعد الدرس والتحصيل، وقيل على لسانه : «اللغات تعز بعزة أهلها وتذل بذل أهلها، فاللغة العزيزة أهلها أعزاء»، وقال عنه الأستاذ فاروق شوشة، الأمين العام للمجمع فى حفل استقباله عضوًا بالمجمع: «نحن أمام عالم لغوى من طراز جديد مختلف، له مدرسة فى النقد اللغوى، وهى مدرسة تعيد علم العربية - النحو - إلى سابق دائرته الكبرى ومفهومه الأوسع وعلاقاته الحية بالإبداع الأدبى شعرًا ونثرًا . نحن أمام عالم لغوى يتابع ما بدأه عبد القاهر الجرجانى فى ربط المعانى النحوية بمدلول النص الأدبى، وأرجع كل مزيَّة فى التعبير إلى المعانى النحوية لا غير» .

هذا هو عالمنا الجليل الذى أثرى المكتبة العربية بالعديد من الدرر التى يزدان بها جـِـيد اللغة العربية العصماء، والذى اختط لنفسه فى الدرس اللغوى طريقًا واضحة المعالم، دون أن يكون يومًا مقلدًا أو ناقلاً، وترك للتاريخ وللأجيال دواوين من عيون الشعر العربى بقريحته الرومانسية المرهفة وبنظرته الثاقبة إلى العالم من حوله ،حتى غدا عالماً شهيرًا على رأس كوكبة رائعة من الشعراء خريجى كلية دار العلوم ؛ أمثال على الجارم ومحمود حسن إسماعيل وطاهر أبو فاشا و«أبو همام» وغيرهم، ورغم كل هذا العلم الغزير والإبداع الوفير؛ فإنه لم يدع يومًا أنه صاحب فضل على أحد من تلامذته، وكان دائمًا يقول لهم : «أنتم أفضل منى، أنتم الامتداد الحقيقى لى، أنتم أبنائى الحقيقيون»، لذا بكاه محبوه وعارفوه من تلاميذه، بل ومن رفقاء الدرب حيث نعاه أ. د. عبد المنعم تليمة قائلًا : إننا فقدنا رجلا جادًا فى زمن الهزل ! وقال عنه العالم الجليل أ.د.سليمان العطار : نموذج فريد للعلم والتسامح والتواضع والمرح ..رحمة الله عليه .وقال عنه د/محمد حسن عبد العزيز عضو المجمع:

«حين أقرأ ما كتبه د/محمد حماسة فى النحو أجدنى أمام نحوى عميق النظرة واسعها، يحاكى فى ذلك من القدماء ابن جنيِ، دقيق العبارة جميلها يحاكى فى ذلك من القدماء ابن هشام، ويذكرنى فى الأمرين بعباس حسن وعلى النجدى، وهما ممن أدَّبا النحو وذللاه. وحين أقرأ له فى النقد الأدبى أجدنى أمام ناقد بصير بفنون العربية شعرها ونثرها فى قديمها وحديثها، وقارئٍ واعٍ فى الأدب العالمى، عارفٍ بمذاهبه النقدية دون أن يستغرقه الحديث عن النظريات أو تستهويه الأحكام العامة غير المدروسة... وأُراه من أكرم الناس يدًا، وأحلاهم حديثًا، وأصدقهم صحبة، وأجهرهم صوتًا فيما يراه حقًّا ومع جهارة صوته تجده من أصفى الناس قلبًا».- . ونعاه أ.د.جابر عصفور وزير الثقافة السابق : رحمه الله رحمة واسعة فقد كان زميلاً كريمًا وأستاذًا فاضلاً والعزاء لعائلتهوزملائه.

يا الله .. ترجل الفارس الشاعر عن فرسه ؛ ولم يشأ أن يغادر دنياه ودنيانا قبل أن ينعى ذاته المقهورة، حيث كتب على صفحته بـ«الفيس بوك»قبيل صبيحة يوم الوداع : «لم أفعل العُرف لا خوفًا ولا طمعًا /لكنه الله والأخلاق و «الدار»/ ما كنت أبغى سوى حُسن الودادِ به/ وقد جُزيت كما يُجزى سنمـَّـارُ/يكفى جزائى أنى قد سعدت بما.. أتيت من عملٍ، والله أختارُ» ! فاختاره الله وكأنه يستجيب له !، وأخيراً أكرر مقولتى: المبدعون المخلصون أبدًا .. لا يرحلون !