رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دعوة إلى التكافل الاجتماعى


ما أشبه الليلة بالبارحة ! فمع وداع عام منصرم وإشراقة عام جديد، فإن الغالبية من جموع البشر الأسوياء، تجلس إلى ذواتها لتضع على المائدة ما يشبه كشف الحساب مع النفس، ومحاولة مراجعة المواقف والأحداث التى مرت، وتبيان ماذا تحقق من آمالٍ وطموحات كانت تداعب الأفئدة والجوانح، وماذا سيكون مطروحًا فى أجندة الأمنيات لما هو قادم فى مستقبل الأيام، وأغلب تلك المراجعات لما مضى، والتنبؤ بالقادم فى المستقبل المجهول...

... تدور كلها فى فلك الذات الفرد، دون النظر إلى جموع البشر فى المجتمع الذى تعيش فى داخله، ودونما التفات إلى مدى انعكاسات وتقلبات الأحوال الاقتصادية عليه، خاصة وسط شريحة من فقراء الوطن الذين تتوالى عليهم الأحداث ومناسبات الأعياد، دون أن يهزهم الشعور ببهجتها وسعادتها لضيق ذات اليد، ودخول أفعل التفضيل لحاجات ٍ دون حاجات.

وهاأنذا.. أحاول الوقوف مع النفس، لأتمعن وأنظر فى كيف يواجه الفقراء من بنى وطنى هذه المناسبات التى تمر عليهم، وكيف تتم المواءمة بين الضروريات والكماليات، خصوصًا فى هذا الشتاء القارس والزمهرير الذى يجمد الأطراف والمشاعر، لأنتهز هذه الفرصة لدعوة الجميع إلى التضافر والتكافل مع تلك الشرائح التى تعيش على هامش الحياة بيننا، لنمد لهم يد العون بكل الحب والتضحية.

وأشكال التعاون والتكافل كثيرة ومتشعبة ؛ لكل من يرى فى نفسه القدرة على الإسهام والمشاركة فى هذا العمل الخيرى التكافلى الرائع، وليس بالضرورة أن تكون المشاركة بالمال فقط، ولكن يمكن المشاركة بمعاونة العناصر الشبابية بقيامهم بتوزيع الدعوات وبثها عبر قنوات كثيرة لحث الشركات والمؤسسات والوزارات السيادية، على تنظيم احتفاليات يخصص عائدها ويعود وبكل الشفافية على الأسر الفقيرة، بعد أن تقوم مجموعات من هؤلاء الشباب بعمل ملف بحثى عن كل عائلة وتقرير احتياجاتها الفعلية من ملابس وأغطية أو أموال لسداد بعض ما تعسر عليهم سداده من مصروفات. وساعتها سنلتقط أنفاسنا ونتصالح مع أنفسنا فرحين بما قدمت أيادينا من عونٍ للمحتاجين، وتمنعهم عزة النفس عن الطلب ومذلة السؤال.

وفى هذا المجال أذكر الدعوة التى قامت بها حكومتنا فى عام 1959، عندما أطلقت شعار مجانية التعليم وأصبح من حق أبناء الفقراء دخول الجامعة بعدما كانت ـ تقريبًا ـ محرمة عليهم، ليجىء المطرب الصاعد ـ أيامها ـ عبد الحليم حافظ، ويتصدى لتلك المشكلة فى صورة درامية رائعة الجمال والتأثير، عندما غنى ماصاغه الشاعر مرسى جميل عزيز وألحان الموسيقار كمال الطويل، أغنية « ذات ليلة» وقام بغنائها فى حفل أقيم لصالح طلبة الجامعات، وتم تخصيص ريع الحفل لسداد المصروفات الجامعية للطلبة وتوزيع ملابس على غير القادرين منهم، وضربت الحكومة يومها أعظم المثل فى التكافل الاجتماعى العظيم دون خدش حياء أو مشاعر أى إنسان.

فلماذا لا نأخذ من هذا الحدث الخيرى منطلقنا إلى الدعوة لتنظيم احتفاليات شبيهة تقوم على الغرض الإنسانى نفسه الذى يدعم الشريحة المعدمة من أبناء الوطن، وذلك مصداقاً لقول الرسول الكريم: «مَثَلُ المؤمنين فى تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى»، وأنا كلى ثقة فى فنانينا ومبدعينا وكتابنا وشعرائنا ومطربينا فى أخذ المبادرة للإعداد لهذه الاحتفالية، ومصر لم تعدم شعراءها وفنانينها العظماء الذين سيسارعون بالمشاركة الفعالة بإبداعاتهم التى تحض على التواد والتراحم والتعاطف، ليكون هذا الفعل الجليل فى ميزان حسنات كل من دعا إليه أو سيشارك فيه.

وختاما أسوق إليكم بعض مقاطع من الأغنية التى حرضت على هذا العمل الرائع العظيم، للتأكيد والتذكير بأن الفن والإبداع هما الطريق إلى صنع المشاعرالرقيقة والأحاسيس المرهفة التى نحن فى أمس الحاجة إليها فى أيامنا هذه:

ذات ليلة هبت الريح وهزت فى عناد بابيا /أطفات أمن حياتى ..أطفات مصباحيا

لم أجد نارا لدى/لم أجد فى البيت شى /غير أم ٍ هى لا تملك غير الدعوات/ وأبا لم يبق غيرى للسنين الباقيات /والنهايات السعيدة أصبحت عنى بعيدة/ ذات ليلة ../وأنا رهن الظنون المجدبة /دقت الباب.. قلوب طيبة/قالت انهض وتقدم لا تبالى /بالليالى وتصاريف الليالى/سوف نمحو عن لياليك الحزَنْ /سوف ننجو بك من كيد الزمن /قم فباب العلم رحب فى انتظارك /قم وشارك وابنى بالعلم الوطن.