رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من قس إنجيلى إلى شيخ الأزهر «3-4»


فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر.. تحية طيبة وبعد..

فى المقالين السابقين كتبت إلى فضيلتكم معلقاً على بعض ما جاء فى حديثكم عن العلاقة بين الدين والحضارة، فى مؤتمر الأوقاف الدولى حول تجديد الخطاب الدينى ومواجهة الفكر المتطرف، والذى عقد بالأقصر، لقد قلت فضيلتكم ما نصه: «وقد ثبت تاريخياً أن المسلمين حين أبدعوا وتحضروا وصدروا ذلك للعالم كله، كانوا يسندون ظهورهم إلى نصوص القرآن والسنة وتوجيهات الإسلام، وأنهم تراجعوا حين حيل بينهم أو حالوا هم أنفسهم بينهم وبين مصادر القوة فى هذا الدين، بعكس حضارة الغرب التى أصابها الضعف والتفكك حين كانت ترفع لافتة الدين فى القرون الوسطى، فلما تمردت على الدين وأدارت له ظهرها، نمت وترعرعت فيما يٌعرف بعصر النهضة أو عصر التنوير، وهذه مفارقة أو مقارنة لا ينبغى إغفالها فى تميز الإسلام وقدرته الخارقة على صنع مجتمعات غاية فى الحضارة العلمية والثقافية والفنية، وأن حضارة المسلمين مرتبطة بالإسلام ارتباط معلول بعلته توجد حين يوجد الإسلام، وتتلاشى حين ينحسر أو يغيب».

وقلت لفضيلتكم من حقك كمسلم أن تتحدث كيفما تشاء عن الحضارة الإسلامية، ولكن كان يجب التفرقة بين المسيحية وبين تصرفات بعض المنتمين إليها آنذاك،وأن حضارة الغرب فى القرون الوسطى تحديداً تفككت حين كان الناس منقادين دون تفكير لرجال الدين، وازدهرت حضارة الغرب ونمت وترعرعت فيما يعرف بعصر النهضة لأنها فصلت الدين عن السياسة.

وفى مقال اليوم أستكمل بقية الملحوظات:- بعد انتشار المسيحية، أعلن الإمبراطور قسطنطين إمبراطور روما الذى اعتنق المسيحية، أن المسيحية ديانة تابعة للإمبراطورية وأرسل فى أرجائها أمراً أن تٌرد للمسيحيين بيوتهم وأملاكهم، والمسجونون منهم يٌحررون، ويُسمح لهم ببناء الكنائس وحرية العبادة،ومنذ أن أصبحت المسيحية هى الدين الرسمى للدولة، كان هذا الأمر هو بداية الانحدار والانحطاط حيث أضحت الكنيسة هى أكبر مالك للأرض، وأصبحت قوة روحية وسياسية هائلة، ومن ثم استطاع بابوات الكنيسة أن يفرضوا سلطانهم على الدولة، حيث إن الحكام كانوا يكتسبون شرعيتهم من الكنيسة، وكان البابوات هم الذين ينصبون الأباطرة، وكانت الكنيسة إذا سحبت من الملوك هذه الشرعية، فإن الرعايا كان يجب عليهم السمع والطاعة دون نقاش أوجدال، وفى هذه الفترة المظلمة نستطيع أن نقول:إن أوروبا أصابها الضعف والتفكك، وجاء الإصلاح الدينى نتيجة ما ساد كنيسة العصور الوسطى من فساد، ونتيجة ما انتشر فيها من شر، شمل رجال الدين وعامة الشعب، وهنا يا فضيلة الإمام أعطى الناس ظهورهم لا للمسيحية الراقية السامية، ولكن لرجال الدين وللسلطة الدينية الفاسدة، ومن ثم أشرق عصر النهضة أو عصر التنوير أو عصر الإحياء، ففى ذلك العصر، غزا العقل البشرى مختلف الميادين، وأصبح لا سلطان على العقل إلا العقل نفسه، وفى ذلك العصر ظهر المصلحون البروتستانت. وللحديث بقية.