رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأحزاب والنخبة.. والانتخابات


من المعروف أن الانتخابات خاصة البرلمانية منها هى العرس الديمقراطى الذى يحتفل ويحتفى فيه الشعب بها لممارسة الديمقراطية والمشاركة السياسية التى تمكنه من المشاركة فى اتخاذ القرار فى الوقت الذى تنتظره الأحزاب السياسية حتى تقوم بممارسة دور للتسويق السياسى لبرامجها بين الجماهير حتى تحوز الثقة أملاً فى الحصول على الأغلبية التى تمكنها من تشكيل الحكومةحتى تترجم برنامجها إلى سياسة حكومية قابلة للتطبيق على أرض الواقع...

... وهذا لا شك سيكون حصاد عمل ونضال وتواصل هذه الأحزاب فى الشارع السياسى وبين الجماهير طوال الفترة ما بين انتخابات سابقة وأخرى قادمة. كما أن دور هذه الأحزاب وعن طريق برامجها ضم من يؤمن بهذه البرامج ومن يتبنى أفكار هذا الحزب الشىء الذى يفرز وينتج تلك النخبة الحزبية والسياسية وهى التى تكون حلقة الوصل وأداة التسويق بين الجماهير والحرب.

هذه النخبة وتلك الكوادر الحزبية هى التى يشار إليها بأنها كريمة المجتمع فى شتى المجالات لما لها من قدرة وإمكانيات وما تملكه من مثل وقدوة وما تقدمه من أعمال وتضحيات تكون دائماً نبراساً يحتذى به وقدوة يقتدى بها فى المجال السياسى والحزبى وفى المجال العام كذلك. كما أن الانتخابات أى انتخابات هى الفرصة السياسية بإطارها الدستورى وحدودها القانونية التى تمارسمن خلالها الجماهير العملية الديمقراطية بشقيها التنظيمى والقيمى والذى يعنى سلامة صندوق الانتخابات وسلامة الكشوف الانتخابية ونقائها وعدم التزوير وعدم تسويد البطاقات الانتخابية والإشراف القضائى والشعبى على الانتخابات وإتاحة الفرصة المتساوية للجميع دون انحياز لهذا أو لذاك. وهذه هى الجوانب التنظيمية والإجرائية، أما الجوانب القيمية للديمقراطية وهى الحرية الكاملة للناخب فى أن يبدى رأيه بكل حرية ودون ضغوط سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو دينية أو طائفية أو قبلية أو جهوية بصورة أو بأخرى حتى تكتمل سلامة العملية والممارسة الديمقراطية بإطارها التنظيمى ومضمونها القيمى.

فأين نحن من كل هذا؟ حتى نضع أقدامنا على الطريق الصحيح، فالبداية هى الأحزاب والحياة الحزبية فلا ديمقراطية دون تعددية ولا تعددية دون أحزاب. وللأسف الشديد فالحياة الحزبية ومن بداية معرفتها والتعرف عليها، حيث كانت الإرهاصات الحزبية فى الربع الأخير من القرن التاسع عشر مروراً بالحزب الوطنى برئاسة مصطفى كامل مع بعض الأحزاب الطائفية إسلامية ومسيحية فى بداية القرن العشرين مروراً بحزب الوفد بعد ١٩١٩ ثم تفتيت وانقسام الوفد بعد دستور ١٩٢٣ وحتى ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ والتى استبدلت التنظيم السياسى الواحد بدلاً من الأحزاب إلى إعادة الأحزاب بقرار فوقى من السادات عام ١٩٧٧ وحتى الآن بعد أن أصبحت الأحزاب عدداً بلا هوية حزبية ومقرات بلا حياة وتجمعات عائلية وطريقاً للظهور الاجتماعى والتواجد الإعلامى والنفاق السياسى.

ولذا فقد فقدت هذه البوتيكات المسماة بالأحزاب أى أرضية سياسية أو تواجد حزبى حقيقى فى الشارع السياسى أو بعض من المصداقية الجماهيرية التى تعطيها نفخة الحياة. فلم تتمكن الأحزاب من هذا حتى القديمة منها والتى تطلق على نفسها أنها تاريخية ذلك لغياب البرامج الحقيقية التى ترصد الواقع رصداً صحيحاً لكى تضع الحلول لمشاكله وتجسد آمال الجماهير حتى تعمل على تحقيقها وحتى لو كانت هناك برامج فهى فى الإطار النظرى والشعاراتى غير القابل للتطبيق ولذا لا علاقة لأحد فى الحزب بهذه البرامج ودليل ذلك ما رأيناه من تسابق هذه الأحزاب إلى قائمة «فى حب مصر» تلك القائمة التى لا علاقة لها بأى ائتلاف حزبى أو انتخابى، حيث التناقض فى الأفكار والتناحر حول المبادئ وعدم التوافق فى المواقف.

فهل فى مثل هذا الواقع يمكن أن يتم فرز وإنتاج نخبة غير تلك النخبة التى تتملكها النرجسية وتحكمها الذاتية وتسيرها المصلحة الخاصة والحرص على التواجد فى الصورة عن طريق المتاجرة بالوطنية والنفاق والتزلف للسلطة فكان من الطبيعى ما رأيناه من ممارسات مشينة وشائنة من هذه النخبة خاصة فى المرحلة الثانية من الانتخابات البرلمانية فغاب الحوار وأسقطت أى رؤية سياسة وغابت البرامج الحزبية والانتخابية وظهرت كل أساليب الردح والإساءة والضرب تحت الحزام وفوقه وجنبه وفى جميع المواقع بلا شرف أو أخلاق أو أدنى مبادئ فماذا ستكون النتائج وأين القدوة وما مردود ذلك وآثاره؟ فكانت الانتخابات التى غابت عنها أى قيمة وكل قيمة ديمقراطية حتى وإن كان هناك تقدم فى الجانب التنظيمى للديمقراطية فلا وجود لأى قيمة ديمقراطية.

بل عدنا أسوأ بعد ما كان قبل ١٩٥٢ عندما كان يقسم الجنيه للناخب فيأخذ النصف قبل التصويت والآخر بعده، الآن المال السياسى علناً بلا مواربة ولا مكان ولا مجال لغير المال السياسى حتى أن سيدة فقيرة دخلت تقول للقاضى ساعدنى فى أن أعرف أن انتخب حتى أحلل الـ ٢٠٠ جنيه اللى أنا خدتهم!! فأى برلمان سيكون نتاج تلك الأحزاب وتأثير تلك النخبة ونتيجة للمجال السياسى؟ وأين الفقراء من هذا الشعب وهم الأغلبية الغالبة ومن سيتبنى مشاكلهم ويتعرف على قضاياهم إذا كان النائب صرف الملايين التى لم يسمع عنها فقراء هذا الشعب. لك الله دائماً يا مصرنا الغالية على فقرائك.