رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التعليم يضع صفراً لتوفيق الحكيم!


تابعت باهتمام بالغ وشغف شديد خطاب السيد الرئيس الذى ألقاه يوم الأحد الماضى أمام الندوة الثقافية التى أقامتها القوات المسلحة. وهو خطابٌ اتسم كغيره من أحاديث الرئيس بالصدق والشفافية والعمق والموضوعية، ولكنه فى هذه المرة انطوى فى مقدمته وخاتمته على قدر كبير من الحزن والمرارة، وهو ما يستوجب شيئاً من الشرح والتعليق...

... بداية فقد استشعرت مدى حرص السيد الرئيس وحاجته لأن يتحدث مع شعبه تماماً كحاجة الإنسان إلى أبيه فى أوقات المحن والشدائد، ولقد بان ذلك من فجائية الخطاب الذى لم يُعلن عنه من قبل، وتجاوز الرئيس لإطار المناسبة التى يحضرها وتوجيه خطابه الشامل لعموم الشعب وليس لنخبة الحاضرين فقط، ثم التلقائية وارتجال الحديث الذى خرج من القلب إلى قلوب كل المصريين، حتى أننى أراه أروع خطابٍ منذ ثورة 30 يونيه المجيدة، رغم أن مفرداته لم تكن باللغة العربية الفصحى التى نتمناها فى أحاديث كل رموز الوطن.أعود إلى الخطاب الذى بدأه الرئيس بدعوة الحضور للوقوف دقيقة حداداً على ضحايا الطائرة الروسية التى سقطت فوق أرض سيناء صباح يوم الجمعة عقب إقلاعها من مطار شرم الشيخ. ولقد استشعر الكثير مدى حزن الرئيس جراء هذا الحادث وما يعتلج بداخله من هواجس عن استغلال الحادث من قِبل الأعداء والمغرضين للنيل من مصر وتشويه علاقتها الحيوية والاستراتيجية التى نمت وازدهرت مع روسيا الاتحادية، ولكننى كأحد أبناء هذا الوطن أقول للرئيس بصدقٍ وإيمان: اطمئن فإنك وهبت نفسك لله والوطن، فلن يخذلك الله ولن يتخلى عنك الوطن. وأعتقد أن المعلومات الأولية عن الحادث تشير إلى أنه قضاء وقدر، ولكن تبقى المسئولية ملقاة على وزارة الخارجية لإيضاح ذلك بالشكل المناسب لكل شعوب العالم، وأنهحتى لو كان مدبراً فهو شىء متوقعٌ ومحتمل فى أى دولة تخوض حرباً ضروساً ضد الإرهاب مثل مصر.

أما خاتمة خطاب الرئيس التى جاءت ممزوجة بالمرارة والأسى، فكانت عن الممارسات الإعلامية الجاهلة أو المغرضة أو المتآمرة من بعض الإعلاميين خاصةً عبر القنوات التليفزيونية، ممن يتسلحون ببذاءة اللسان وفحش القول وسواد السريرة وسوء القصد، ويجنحون بسلوكهم الإعلامى المنحرف القائم على الكذب والتضليل إلى النيل من رموز الدولة ومؤسساتها، بما يؤدى إلى زعزعة أمن واستقرار الدولة وتفتيت وحدتها الوطنية فى مرحلةٍ تاريخية بالغة الخطورة لا تحتمل مجرد الاختلاف فى الرأى بين أبناء الوطن. ولقد كان هذا الموضوع نظراً لأهميته وتأثيره على الأمن القومى محلاً للعديد من مقالاتنا السابقة، ولكننى اليوم أجد نفسى مضطراً لتذكير السيد الرئيس بمقولة سيدنا عثمان بن عفان رضى الله عنه وأرضاه بأن الله يذع بالسلطان ما لا يذع بالقرآن، ومن ثَمَّ فقد آن الأوان لإصدار التشريعات المناسبة والإجراءات الحاسمة للقضاء على هذا العبث الإعلامى أو على الأقل للحد منه، رأفةً بأبناء الوطن وحفاظاً على مقوماته الأساسية، وإذا كان البعض لا يدرك أو لا يريد أن يدرك حالة الحرب الحقيقية التى نخوضها وتبعاتها الحتمية التى تترتب عليها، فإن العقوبات التى تقرها كل شرائع الدنيا فى مثل تلك الحالة، كفيلة بإعادة الوعى لمن فقده ودرء سمومه عمن سواه. وأعتقد أن الحديث الباهت عن ميثاقِ شرفٍ للعمل الإعلامى أصبح هراءً ومضيعةً للوقتويجب أن نعى أن من أَمِنَ العقاب أساء الأدب. وبالتالى وإلى أن نسن القوانين المطلوبة فى هذا المجال أتصور أن حالة الطوارئ المعلنة منذ عدة أشهر فى مناطق سيناء تجيز نوعاً من الرقابة على البث التليفزيونى الذى يصل لتلك المناطق، كما أتصور أن النيابة العامة يمكن أن تبادر من تلقاء نفسها بالتحقيق فى كل كلمةٍ تُكتب أو تُقال ويكون من شأنها المساس بسلامة الجبهة الداخلية أو تكدير الأمن العام أو الإساءة لقيم المجتمع وتقاليده وثوابته وأعرافه وغيرها من الجرائم المؤثمة فى قانون العقوبات.

إن ظواهر العبث الإعلامى التى نشهدها الآن وتقدير التداعيات المترتبة عليها، تدعونا لغض الطرف قليلاً عن الصياح الأجوف الذى يقرع آذاننا تحت شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، لأن أمن مصر ومستقبلها فوق كل اعتبار. حفظ الله مصرنا الغالية , وهدانا جميعاً سواَءَ السبيل.