رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قرار سياسى أم اختيار أخف الضررين


لقد توقفت الأنفاس أمام إعلان نتيجة الفحص والتدقيق فى أوراق الطالبة «مريم» صاحبة أشهر صفر فى تاريخ الثانوية العامة، مع أن كثيرين قد حصلوا على أصفار غيرها، خاصة أولئك الذين يبغون الإعادة بهدف الإجادة فى فترة أخرى. أما «مريم» فقد اختلف صفرها عن كل الأصفار الأخرى التى سبقتها، حيث وقف الكثيرون حيارى بين إنصاف مظلوم، وسقوط منظومة، وإثارة الشكوك لدى جموع الممتحنين نتيجة فقدان الثقة فى أحقيتهم على درجات أعلى، وسبق أن كتبت لو أن هناك طالباً أو طالبة حصلت على حق «مريم»، إذ يعرف صاحب الصفر الحقيقى أنه لم يكتب سطراً واحداً، وها هو قد حصل على الدرجة النهائية، أو إلى ما يقترب لها، فيبادر بالإعلان عن نفسه، أو نفسها، وبذلك ينصف إنساناً مظلوماً، ولكنه يسقط منظومة كاملة فى أسلوب التقييم والتصحيح، وقد لا يقبل من الطالب أو الطالبة أمانته أو أمانتها حماية لنظام ووزارة، وما يترتب عليه من ردود أفعال لا يحمد عقباها، والبلد فى ظروف يصعب معها مواجهة كهذه، ومن هذا المنطلق تكون حكمة المسئول «ولو مات الجنين لإنقاذ الأم فحياة الأم أبقى وأهم»، وهناك أمثلة عديدة لمثل هذا المثال، فهناك من أفتى بجواز انتحار الأسير حتى لا يقع فى يد العدو ويضطر أن يفشى أسرار وطنه.

لقد أعلن منذ أيام أحد المصادر الإعلامية أن نتيجة الفحص المعملى أثبتت أن الورقة ليست بخط مريم، ودافع مصدر الخبر أنه صحيح مائة فى المائة، وها نحن نسمع عكس ذلك، وعلينا أن نبحث عما يحتمل حدوثه لو ثبتت صحة أقوال الطالبة، وما يمكن أن يترتب على ذلك من خلل وشكوك فى آلاف الأوراق، وقد نضطر إلى إلغاء كل نتيجة الثانوية العامة، ولنا فى التاريخ ذكرى عندما ألغيت الامتحانات فى منتصفها، يومها كانت إسرائيل هى السبب فى إعلان الأسئلة قبل أداء الامتحان، وقد كلفنا ذلك الكثير، ومصر ليست فى وضع يسمح بتكراره، لا سيما أن المضار هو شخص واحد، وخير أن يموت واحد عن الأمة، بل ربما ضمير الأمة سوف يعوض الطالبة فى العام القادم لتكون الأولى على مستوى مصر كلها لكونها مجتهدة وصاحبة واجب وطنى، وقد أنقذت سمعة بلدها ووفرت الأموال الكثيرة، ثم عوضتها الدولة فى عام تال. هذه مجرد افتراضات لا نعلم واقعها، ولكن نعرف يقيناً الضرر المتوقع من أى الاحتمالين، وقد تحاول الوزارة مراعاة ذلك مستقبلاً، وبذلك يكون الضمير الجمعى قد استراح، إذ عوضت الفتاة فى عامها التالى، مع فتح المجال لتصحيح المسار، فهناك معاناة حقيقية للطلبة والمعلمين والمراقبين والمصححين، وأكثرهم آلاماً هم الآباء والأمهات الذين يعانون لاجتياز هذه المرحلة، مع يقيننا أن هذه المعاناة لم ينتج عنها نتائج فائقة فى التعليم الجامعي، وإلا ما كانت هذه النتيجة المهينة لجامعاتنا كلها، حيث سقطت فى الترقيم العالمى بين خمسمائة جامعة على مستوى القارات الخمس، ولا نلقى كل الملامة على الجامعات وحدها، فقد قبلت الحاصلين على نتائج الثانوية العامة التى تجاوزت الرقم القياسي، أى المائة فى المائة، وفق معدلاتنا التى تفوقنا فيها على عالم الرياضيات اليونانى «فيثاغورث».

وهل يعلم القارئ أن عدد الراغبين فى التعليم العالى بعد المرحلة الثانوية المتقدمين للالتحاق بالجامعات الأمريكية من مختلف دول العالم يصل سنوياً إلى ثمانمائة الف طالب وطالبة، ومن يقبل بعد المسابقات لا يتعدى الأربعة فى المائة؟ أما نسبة الملتحقين بالتعليم العالى فى الولايات المتحدة فقد تفوقت البنات على الأولاد، وبلغت نسبتهن فى عام ٢٠١٢ «٧٢٪» بالنسبة لنظائرهن، أما نسبة البنين فلم تتجاوز ٦٢ فى المائة، وأما النسبة الإجمالية لعدد الملتحقين بالتعليم العالى ففى عام 19٦٤ بلغت ٦٨ وربع فى المائة، ونسبة ٢٨٫٦ فى المائة من المقبولين من الجنسين من الجنسيات الأخرى من المقيمين والوافدين. وفى النهاية يأتى السؤال، ما الحل لمنظومة التعليم فى مصر، وهى المشكلة العويصة التى حار فيها الجميع حتى واضعو الدستور الذين رأوا أن ما ينفق على التعليم نسبة متدنية جداً من الموازنة العامة، وحاولوا وضع نسب على مدى سنوات قد تطول، أو يعجز المسئولون عن تحقيقها، ولكن لنبدأ بتغيير أسلوب الامتحان الذى يعتمد على الحفظ، وقليل من الفهم والتطبيق، ونظام مضى عليه الزمن فى أسلوب التصحيح الذى أدى بنا إلى الواقع الذى نواجهه، ولنطلق عليه النظرية المريمية، بالنسبة إلى ابنتنا مريم، التى أوقعت الكل فى حرج، سواء أردنا أو لم نرد، ففى رد الحق خسارة للمنظومة، واهتزاز للثقة فيها، مما لا نرضاه على مصرنا الغالية، وإن دفعت فتاة لا ذنب لها الثمن، ولكن يهون ذلك لحفظ ماء الوجه للوطن كله، وغالباً سوف يبادر المسئولون بعلاج الضحية نفسياً وعضوياً باعتبارها إحدى بنات مصر الواعدة والمهتمة، وإلا ما كانت قد عانت الكثير فى هذا الموقف المحير والعسر الحل. إننى لا أعرف «مريم» إلا أنها واحدة مصرية مجتهدة، ومجاهدة، وواعدة، فى عائلة لها ذات القدر، أقول لها لا تيأسى، فالمستقبل أمامك، وسوف تثبت الأيام تفوقك، والأهم لأنك ستكونين فاتحة خير لتطوير التعليم وأساليب التقويم والتقدير للمنظومة كلها، وقد يطلق على عملية الإصلاح التعليمى اسمك الذى سيبقى محفوراً فى ذاكرة الوطن، والأيام سوف تعوضك ما عانيتينه والله معك.

الرئيس الشرفى للطائفة الإنجيلية