رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أسارق رغيف الخبز يٌسجن.. وكبار اللصوص طلقاء؟!


هذه قصة حقيقية من قلب الولايات المتحدة الأمريكية، وليس فى جزر نائية، ولا من بلاد العالم الثالث، فقد قبض على رجل بتهمة سرقة رغيف خبز دون أن يدفع ثمنه الذى لا يزيد عن دولار وبضع سنتات، قدم المتهم للمحاكمة، حيث إن صاحب المحل رفض التنازل عن الادعاء حتى يأخذ المتهم عقابه ويدفع هو ثمن الرغيف، وأمام المحكمة وقف المتهم يشرح دون إنكار للاتهام ما دفعه إلى السرقة، إن أطفاله يتضورون جوعاً، والأم مريضة، وهو بدون عمل، فاضطر أن يدخل المحل ويسرق رغيفاً للجياع،

نظر القاضى إلى المتهم وتهمته ثابتة، وحكم على المتهم بغرامة مقدارها عشرة دولارات، ثم أخرج حافظة نقوده ولم يكن بها إلا هذا المبلغ ليقدمه إلى كاتب الجلسة سداداً للعقوبة، ثم التفت القاضى إلى الحاضرين يحث كل واحد منهم أن يحذو حذوه، وبالفعل جمع القاضى مبلغاً كبيراً فى حينه وهو مبلغ ٤٨٠ دولارا جمعت فى قبعته مع ورقة رسمية للمتهم، لقد حققت العدل فى الحكم، ولكن عاقبت نفسى وجموع الحاضرين لأننا ساهمنا فى تدنى مستوى الحياة حتى يضطر مواطن أن يسرق رغيف خبز، وإن سارق رغيف خبز يعاقب وسارقى أقوات البشر طلقاء، إنه لمن العار أن نعيش لنرى جياعاً يتضورون جوعاً، أو يضطروا إلى ارتكاب جريمة سرقة ليطعموا أطفالهم الجياع.

صحيح أن هذه الرواية حقيقية، وقد مضى عليها زمن طويل، إلا أنها تتكرر فى كل عصر ومصر وإلا ما دخل العديد من النساء السجن لأنهن اضطررن أن يستدينوا لشراء جهاز زواج بناتهن، وعجزن عن سداد كل أو بعض الدين حتى حكم عليهن بالسجن، وفى القناطر الخيرية يوجد أول سجن للنساء فى مصر، وغالباً أكبر سجون النساء، بعد أن ضاق بهن سجن واحد، وحسناً فعل الرئيس عبد الفتاح السيسى قبيل عيد الفطر أن يصدر قرار وقف تنفيذ العقوبة عليهن، مع دراسة هذه الحالات، وسداد ما عليهن .

لقد مرت بنا حالات عديدة عندما تضطر المرأة غالباً، أو بعض الرجال، لشراء متطلبات زواج البنات بدعوى سترتهن، ثم يبدأن فى السداد، وعادة لا تعطى المخالصة إلا بعد سداد كامل الدين، أى أنه كل ما تم سداده لا قيمة له إلا بالمخالصة النهائية، وقد تعجز الأم عن السداد، فيحكم عليها بالمبلغ كاملاً.

إن ما فعله السيد الرئيس يدل على قلب نقى، وشخص تقى، لم يحتمل أن تقضى مجموعة من النساء سجناً قد يطول فى جريمة يشترك فيها المجتمع كله، والحكومات المتعاقبة، وما وصلت إليه حالة الكثيرين من الآباء والأمهات.

ويبقى التساؤل والتفاؤل، فالسؤال هو: أين المؤسسات الخيرية والجمعيات التى تعدت ربما العشرين جمعية ومؤسسة بالإضافة إلى دور المؤسسات الدينية التى يذهب إليها حصيلة الزكاة بالنسبة للمسلمين، والتقدمات بالنسبة للمسيحيين، حتى يسجن الآباء من أجل دفع نفقات الأبناء، خاصة البنات لسترهن كما ندعى.

أما تفاؤلى فهو: قد حان وقت إعادة النظر فى أسلوب الزواج وتغطية التزاماته، مهما كانت حالة الآباء المادية.

إنهم فى أمريكا، ومع سهولة الحصول على القروض البنكية، أو الشراء بالتقسيط، وإعادة جدولة الدين وأسلوب السداد، إلا أنهم لا يبالغون أبداً فى نفقات الزواج، إذ يمكن للعروسين أن يتزوجا بأقل النفقات، وفى أبسط المساكن التى قد تكون غرفة واحدة .

إنهم يضعون أولوياتهم فى التعليم قبل أى اعتبارات أخرى، والذى يقرأ مثلاً حياة الرئيس الأمريكى السابق بيل كلينتون بعنوان «حياتى»، والذى يحتوى نحو ألف صفحة من الحجم الكبير « ٩٥٧» عدا الفهرس - ويشمل ٤٩ صفحة - إنه يتحدث عن مولده، وموت والده الطبيعى فى حادث قبيل ولادته بشهرين، وكيف ربته أمه مع زوجها السيد روجر كلينتون، والذى اتخذه اسماً لوالده، وكيف كافح فى تعليمه حتى تفوق على أقرانه، وكيف حصل على منح لدراسة القانون فى أكبر جامعات أوروبا. إنه يقدم سجل حياته ليهدى هذا المرجع الكبير إلى والدته التى علمته حب الحياة، والى هيلارى التى أعطته حياة الحب، والى ذكرى جده لأبيه والذى علمه أن ينظر إلى الناس بقيمة عالية، بينما الآخرون ينظرون إليهم نظرة دونية، لأنه فى النهاية نحن واحد وغير مختلفين كثيراً.

إننى وأنا أقرأ تاريخ هذا الرجل، وكيف لا يخجل من فقر أو أشياء قد تبدو أنها لا تحتاج إلى توقف، وكيف بدأ حياته فى بساطة قد نخجل نحن الشرقيين عن البوح بها، فهو يروى كيف سرق مسكنه من لص زار بيته فى المرة الاولى، ويبدو أنه كان يبحث عن مال، فلم يجد، فترك له كشفاً به محتويات البيت وسعر كل قطعة فيه وقت شرائها جديدة، ولم يكن المبلغ يساوى كثيراً، فكتب له هذه كلها لا تساوى تعرضك للسجن، ولكن اللص دخل مرة أخرى وسرق كل المحتويات، ولم يهتم بما قرأ، وكيف تسبب فى حادث تصادم بسيارة كان قد استعارها من صديق، ولم يكن يحمل رخصة القيادة، حتى دخل السجن لثلاثة أيام، وكم كانت زنزانته غير مريحة، وهكذا تسير رواية حياته.. إنه رئيس أكبر دولة، لكنه لا يرى فى تفاصيل حياته ما يخجل منه. ليتنا نعيش الحياة كما أريد لنا أن تصير، ويبقى فخرنا هو الأمانة والصدق وبذل الجهد لتحقيق الآمال بما يفيد الأوطان وسائر المواطنين، فما استحق الحياة من عاش لنفسه.

الرئيس الفخرى للطائفة الإنجيلية