رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يا للخسارة .. يا دكتور عمارة!


دعنى أسألك يا دكتور عمارة: ألم تسافر يوماً بالطائرة، وتستخدم سيارة، وتلبس ملابس المتخلفين، ومعظم دواءك منهم؟ وإذا كان أولئك يتبعون ديانة متخلفة فلماذا يذهب إليهم أبناؤنا، فهل ليعودوا إلينا بالتخلف؟

فى البداية لم أصدق أن تخرج تلك العبارة من رجل متعلم ومعلم وكاتب، بل على رأس مجلة تصدر عن جامعة الأزهر فى عهدها الحالى بعد أن كانت مقصورة على العلوم الدينية والفقهية، ومكانها فى أروقة المسجد بمدينة القاهرة اتسعت أطنابها وتعددت علومها حتى شملت كل مناحى العلوم - نحو سبعين فرعاً فى كل مجالات العلوم واللغات، وتقتصر على فريق من أبناء الوطن دون غيرهم، وقد كتبت فى هذا من قبل، وليس هنا المجال لإعادة ما كتبت وما أعتقده بأن العلوم لا تقتصر على فريق من المواطنين دون غيرهم، وأثق أن القارئ يعرف رأينا فى التعليم أنه كالماء والهواء، لا يحصر فى فئة دون غيرها كما فى كل دول العالم، كما أن للعلوم الدينية مكانتها ومتخصصيها، أما العلوم الإنسانية فلا تقتصر على فئة أو قطاع من المواطنين دون غيرهم، ومصر كلها تجنى ثمرة ما نحن فيه، ويستطيع القارئ أن يعود إلى ما كتبته فى حينه.

ولا شك أن ما كتبه الدكتور عمارة يشكل إهانة ليس لقطاع من المواطنين المصريين، بل لملايين المسيحيين فى العالم الذين يقدمون للعالم من الطب والدواء، مما لا شك فيه أن الاستاذ عمارة استفاد وأسرته من علومهم وطبهم ودوائهم وسائر المنافع الأخرى.

لقد التقيت بأحد المشاركين فى التجارب الطبية فى أمريكا حتى وصلوا إلى أفضل علاج لما يمثل أكبر الأخطار على الشعب المصرى بأكبر نسبة إصابة دون بلاد العالم كله، وفى امريكا يكلف علاج الفرد الواحد نحو ربع مليون دولار أمريكى يدفعه المواطن الامريكى أو شركات التأمين، فى حين يقدم للمصريين بأقل من واحد من الألف من ثمنه، والسبب أنهم تعلموا من تعاليم السيد المسيح الذى كتب عنه أنه كان يجول يعلّم ويشفى، وبهذه المبادئ قامت كل المؤسسات الطبية والعلمية والمخترعات التى نستفيد بها جميعاً.

دعنى أسألك يا دكتور عمارة: ألم تسافر يوماً بالطائرة، وتستخدم سيارة، وتلبس ملابس المتخلفين، ومعظم دواءك منهم؟ وإذا كان أولئك يتبعون ديانة متخلفة فلماذا يذهب إليهم أبناؤنا، فهل ليعودوا إلينا بالتخلف؟

دعنى أناشدك يا دكتور عمارة بأنه أفضل من الاستقالة من رئاسة المجلة أن تعتذر لأبناء الوطن من اتباع الديانة التى وصفتها بما تصورت أو اعتقدت، وأنت تمسك بقلمهم، وتكتب على ورق طبع بمطابع تعرف مصادر كل هذا، فضلاً عن أنك لا شك تشتاق أن تنال فرصة لنقل بعض من علوم المتخلفين وثقافاتهم المتخلفة، وانشغالهم بعلوم الصحة والغذاء والفضاء وراحة الانسان الذى كرمه الله فوق كل خلائقه رغم تعدد العقائد والاتجاهات الروحية.

يا دكتور عمارة لا يليق برجل علم أن يسىء إلى غيره فى الوقت الذى لم يسىء إليك أحد، وبدون مناسبة إلا لمجرد الإساءة، وإلا كان لديك بعض العذر فيما عبرت.

دعنى أنقل إليك ما سمعته من أحد العلماء المصريين الذى نال كل علومه من أصحاب الديانة التى وصفتها بما قاده إليه فكرك، وهو الدكتور الباز، وكل علمه فى الفضائيات، قال ما مجمله إن التقدم الفظيع الذى نراه فى الاتصالات لا أشك أنك تستخدم الجوال بلغة عربية سليمة، وبلغة المتخلفين فى نظر سيادتكم، المحمول أى ما هو أقل من حجم كف يدك، تستطيع به أن تكلم أولادك فى السعودية، أو حتى بأمريكا، ولا تدفع فى المكالمة قرشاً واحداً، وطبعاً سيادتك أيضاً تعرف من اخترع فى الأصل الهاتف القديم. إنه أحد المتخلفين كما وصفتهم.

لا شك أن الدكتور عمارة قرأ ما أتحفنا به أحد علماء المنطقة الذى يرفض الأخذ بعلوم المتخلفين، وهو يعلل رفضه لدوران الأرض ووصف ذلك بالتخلف، فالأرض فى علمه ثابتة راسخة، أما الدوران فهو للشمس، وفى رأيه «العلمى» أن الشمس تشرق وتغيب وتنتقل من الشرق إلى الغرب، أما الأرض فلا، وإلا كنا لا نقطع أى مسافات بالطائرة لأنها تتحرك مع تحرك الطائرة، هكذا سمعنا عالمنا المثقف يصحح علم المتخلفين الذى أدى بنا إلى التخلف بما قدموه لنا فى مدارسنا من علوم أولئك الجهلة.

دعنى أخاطبك بأننى لست مع الدخول إلى المحاكم، فنحن شعب واحد، وجل من لا يخطئ بالسهو أو حتى بالقصد، والدكتور عمارة لا شك يعرف ويعلم أن «خير الخطائين التوابون»، مرة أخرى لست أرى أن أعداداً من علماء مصر فى كل المجالات مثل زويل ومجدى يعقوب و الباز، بل وآلاف الذين يدرسون لأولادنا فى الجامعات المصرية لتسألهم أين تلقوا العلم، وعلى يد من، ربما نعيد النظر فى علاقاتهم بأبنائنا، إذ ينقلون إليهم التخلف الذى أصابهم من معلميهم. ختاماً عتابى ممتد حتى نلتقى قريباً بعد عودتى من فرصة علاج، أو قل إنها تخلف لا مناص منه، فقد وجدنا عندهم الطب والدواء دون مشقة أو عناء، عفاك الله من كل مكروه، وشفى كل مريض، أعانك الله على إطفاء ما أشعلت، فذاك خيرٌ من الاستقالة.

الرئيس الشرفى للطائفة الإنجيلية