رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الرغيف


منذ أكثر من ثمانين عاماً قال الشاعر حافظ إبراهيم: «عض قلبى ولا تعض رغيفى»..والآن، ونحن فى القرن الحادى والعشرين، هناك من عض قلب المواطن ورغيفه، فى آن واحد. ولا يزال رغيف الخبز، متضامناً مع أصحاب المخابز، ضد أى مجهودات للحكومة لتوفيره أو تحسينه، أو إصلاح شأنه.

ربما كانت مشكلة الخبز، لا توجد فى كثير من الدول، حتى فى الدول الفقيرة، لأن هناك بدائل عن الخبز بمواد أخرى. ولأن ثقافتنا أن نأكل الخبز، فى كل الوجبات، وليس هناك بديل عنه. وهى أيضاً مشكلة تاريخية، ولكنها لم تظهر إلى حيز الوجود، إلا بعد قيام ثورة 1952، وبدأ الفلاح ينزع نحو التطور، فأهمل فى الخبز فى بيته، وبدأ فى شراء الخبز من المخابز. كما لا تزال كل مجهودات الدولة، المبذولة لإنتاج رغيف يؤكل، تذهب أدراج الرياح بسبب جشع أصحاب المخابز، وتفننهم فى الكيد لأصحاب الحق فى الرغيف. وأصبح الرغيف الذى تنتجه المخابز، فى ظل رقابة الدولة الصارمة، غير قابل للاستخدام الآدمى. ومن يقل غير ذلك، فهو بلاشك لم يدخل إلى قرى ومراكز الصعيد، ولا يعرف ما يجرى هناك من الساعة السادسة صباحاً حتى التاسعة، قبل أن تستيقظ الحكومة وموظفوها ومفتشو تموينها.

الرغيف ينتج فى منتصف الليل، ويكدس ساخناً فوق بعضه البعض، ويباع فى السابعة أو الثامنة، وعندما يصل إلى المستهلك، يصبح عبارة عن قطعة من العجين لا تصلح للاستخدام الآدمى. وبالرغم من قيام الحكومة بتدليل أصحاب المخابز، وصرف الحوافز لهم، فما زالوا يطمعون فى المزيد على حساب المستهلكين. كما قامت الدولة بالترخيص لبعض المخابز، ببيع الخبز غير المدعم بأسعار مرتفعة، غير أن تلك المخابز تحصل على الدقيق المدعم بطرق غير شرعية، وتخبزه وتبيعه بأسعار غير مدعمة، أما عن شكله وطعمه وحجمه، فهذا شىء آخر. كما تشكل المطاعم المنتشرة فى أنحاء الجمهورية بعيداً عن القاهرة الكبرى منفذاً غير شرعى لتسريب الخبز وبيعه بأسعار أعلى من السعر المدعم. الغريب أن كل هذا يحدث تحت رقابة الحكومة الصارمة. وربما تسببت بعض المشاكل فى الحصول على الخبز، وقيام الناس فى الصباح الباكر بالوقوف فى الطوابير التى لا تنتهى، تسبب هذا، فى حدوث مشاكل اجتماعية لا مجال لسردها، كما تجددت النزاعات والصراعات بين الواقفين فى الطوابير لأتفه الأسباب.

الأمر الذى جعل مفتشى التموين، يبذلون طاقة تفوق ما يبذله رجال المخدرات فى البحث عن أجولة الدقيق، وكميات الخبز المخبأة بمعرفة أصحاب المخابز. ولا أعرف، لماذا لا تطبق الحكومة، ما سبق أن طبقته فى حل مشكلة التليفونات والمواصلات والمياه والكهرباء والصرف الصحى، وتقوم بإسناد عمليات إنتاج الخبز إلى شركات عملاقة تنتج كل أنواع الخبز. المدعم والطباقى والكيزر وغيره، بالإضافة إلى الخبز الشعبى بسعر بسيط. فيستطيع القادر أن يشترى رغيفاً محسناً، ويشترى غير القادر الرغيف العادى.مع توفير كميات من الدقيق البلدى بالأسعار الحرة لمن يريد أن يخبز فى بيته.

وتوفر له منافذ للبيع بطريقة آدمية، أو تطرحه لدى البقالين ومحلات السوبر ماركت، وأن تخلق الدولة جواً تنافسياً، بين تلك الشركات حتى لا تلجأ إلى الاحتكار.

لقد أنشأت الدولة شركات عملاقة للطحن وصناعة الدقيق، فما الذى يمنعها من إطلاق حرية الاستثمار فى مجال إنتاج الخبز، وتغليفه وبيعه، وتقدم الدولة للمستثمرين بعض ما تقدمه لأصحاب المخابز من حوافز، وتترك لتلك الشركات حرية استيراد الدقيق، ومواد وأدوات المخابز، وتقدم لهم بعض الإعفاءات الجمركية، من أجل إنتاج خبز يستطيع الناس أن يأكلوه.