رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سوريا ومصر «٢»


وجاء السادات، وورث تركة ثقيلة عن جمال عبدالناصر، ومنها العدو الجاثم على قناة السويس، وكل سيناء، فحاول أن يزيل آثار العدوان، ويحرر أرضه المغتصبة، ونسق مع حافظ الأسد، وتشكلت جبهة عربية مشتركة، لمواجهة العدو. وفجأة قام السادات بطرد الخبراء السوفيت من مصر، دون سابق إنذار، ودون التنسيق مع حليفه السورى، مما شكل لطمة قاسية للسوفيت.

ولم يفهم البعض أن الرجل كان يخطط لمعركة لا يصح أن يكون فيها جنود أجانب. لقد رأينا الجنود السوفيت، وهم فى طريقهم إلى السد العالى، حملهم قطار، كان يتوقف فى كل المحطات، وفى وضح النهار، وكأن عبدالناصر كان يفاخر بوجودهم، أو لتوجيه رسالة إلى آخرين، لم يكن وجودهم يصلح أثناء المعركة، فطردهم.

وتم تحديد موعد الهجوم، وقيل إن أحد الملوك سرب موعد المعركة، وفى الموعد المحدد هجم الجيشان على العدو فى وقت واحد، وعبر المصريون القناة، وتدخلت أمريكا وجاء السفير الروسى فى القاهرة، يطلب مقابلة الرئيس، وأخبره أن الرئيس الأسد سيطلب وقف إطلاق النار، وأخبره السادات أن الأسد لو فكر فى هذا لكان قد أخبره، وطورت مصر هجومها من أجل تخفيف الضغط على الجبهة السورية، وأخيراً جاء الثعلب كيسينجر وزير خارجية أمريكا، وتدخل من أجل وقف إطلاق النار وفك الاشتباك، وبالفعل بدأت مباحثات فك الاشتباك، ورفضها حافظ الأسد. وتأزم الموقف بين الرجلين. وخلال فترة الحرب ظهر الموقف العربى واضحاً جلياً، فقطعت السعودية والخليج إمدادات البترول، ونتيجة لذلك ارتفع سعر البترول، وقفزت أسعاره قفزة هائلة، وقفزت استثمارات دول الخليج وكل الدول التى تصدر النفط، وتقدمت الجميع بثرواتها الهائلة.. وفكر السادات فى السلام، كان دافعه إلى السلام هو حرصه على بلاده كان الوضع الاقتصادى المصرى قاسياً، ومؤلماً، ولا يمكن لبلد مواردها محدودة، أن تعيش فى حالة حرب متواصلة، وفجأة اعلن أنه مستعد للذهاب إلى إسرائيل، من أجل السلام، كان دافع السادات إنسانياً بحتاً، ووطنياً خالصاً، ابتغى فيه المصالح العليا لبلاده. كان ياسر عرفات رئيس جبهة التحرير الفلسطينية موجوداً فى مجلس الأمة المصرى، عندما أعلن الرئيس ذلك، وصفق النواب وصفق ياسر عرفات طويلاً!!

وسافر السادات إلى القدس، ثم بدأت محادثات السلام، وتم الإعلان عن قرب عقد معاهدة سلام مصرية إسرائيلية، بضمان الولايات المتحدة الأمريكية. وتشكلت من العرب لمواجهة السلام، سميت جبهة الصمود والتصدى، تضم سوريا وليبيا وفلسطين والعراق والجزائر. كان هدفها ألا يتم السلام بين مصر وإسرائيل. وعرضت 16 مليون دولار مساعدة لمصر، ولكن السادات رفض أن يستقبل ممثلين عن تلك الدول، وفجأة قاطع العرب مصر، وسحبوا جامعة الدول العربية، وقاطعتنا كل المنظمات العربية.وكما انقسم العرب، انقسم المصريون داخل مصر، وظهرت الجماعات الإرهابية، جنباً إلى جنب بجوار أعداء السادات وخصومه، وكشرت عن أنيابها. وبدت قطيعة بين الأنظمة الحاكمة فى مصر وسوريا، ولكن ظلت فكرة الوحدة التى كانت، بين شعبين يشتركان فى نفس المصير قائمة، وكان المثقفون السوريون، والثقافة السورية، رسل الوحدة والحضارة، إلى الشعب المصرى، ورأينا الفن السورى والأدب السورى، وقرأنا لأنطوان سعادة، وساطع الحصرى، سعد الله ونوس، والماغوط، وأدونيس، وكوليت خورى، وشاهدنا دريد لحام وغيره من الفنانين السوريين