رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من «الدعم» إلى «المكالمة انتهت».. كيف نفد صبر بايدن على نتنياهو؟

جريدة الدستور

طوال ١٠٠ يوم من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وقفت إدارة الرئيس الأمريكى، جو بايدن، فى صف إسرائيل على طول الخط، وأعلنت دعمها دعمًا مطلقًا، رغم الانتقادات الكبيرة التى واجهتها بسبب هذا الدعم.

لكن مع فقدان إسرائيل الدعم الدولى، بعد ارتقاء أكثر من ٢٤ ألف شهيد فلسطينى، معظمهم من النساء والأطفال، وفشلها فى تحقيق أهدافها المزعومة من الحرب، أصبح «بايدن» أمام خيارات صعبة، خاصة مع عام الانتخابات الأمريكية، وتراجع شعبيته بصورة كبيرة جراء الدعم المطلق للاحتلال، وهو ما دفعه لتغيير موقفه.

وإلى جانب تراجع الشعبية، تحول موقف الرئيس الأمريكى من الدعم المطلق لإسرائيل إلى مرحلة الغضب المُعلن لأسباب عديدة أخرى، من بينها رفض رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، مجموعة من الطلبات تمثل «أولوية» لواشنطن، مثل طلبها التوقف عن حجز جزء من الضرائب التى تجمعها للسلطة الفلسطينية، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، فضلًا عن عدم رغبة «نتنياهو» فى مناقشة خطط «اليوم التالى» للحرب فى غزة، ورفضه الخطة الأمريكية الخاصة بإصلاح السلطة الفلسطينية ليكون لها دور فى مرحلة «ما بعد حماس» داخل القطاع.

أموال السلطة الفلسطينية تدفع الرئيس الأمريكى لإنهاء اتصاله مع «بيبى»

أفاد موقع «أكسيوس»، الإخبارى الأمريكى، بأن «بايدن» أغلق الهاتف فى وجه «نتنياهو»، خلال آخر مكالمة بينهما، والتى جرت يوم ٢٣ ديسمبر الماضى، فى دليل جديد على توسع الخلاف بين الحليفين بسبب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة المستمرة منذ ١٠٠ يوم.

ونقل الموقع الأمريكى عن مسئولين أمريكيين قولهم: «بايدن لم يتحدث مع نتنياهو منذ أكثر من ٢٠ يومًا، تحديدًا منذ المكالمة المتوترة التى جمعتهما فى ٢٣ ديسمبر الماضى، والتى ختمها الرئيس الأمريكى بقوله: (هذه المكالمة انتهت)، بعدما كانا يتواصلان كل يومين تقريبًا، خلال الشهرين الأولين من الحرب»، مشيرًا إلى أن غلق «بايدن» الهاتف جاء بسبب رفض «نتنياهو» طلبه بالإفراج عن عائدات الضرائب الفلسطينية التى تحتجزها إسرائيل.

وأضاف المسئولون الأمريكيون: «بايدن ومسئولون كبار فى إدارته محبطون من نتنياهو؛ لرفضه طلبات لواشنطن متعلقة بالحرب على غزة، وهناك أدلة متزايدة على أن الرئيس بدأ يفقد صبره تجاه رئيس الوزراء الإسرائيلى، كما أن الإدارة الأمريكية قلقة من أن إسرائيل لن تلتزم بجدولها للانتقال لعمليات أقل حدة فى قطاع غزة».

وشددوا على أن «بايدن» أعلن عن دعمه المطلق إسرائيل منذ عملية «طوفان الأقصى»، عسكريًا ودبلوماسيًا، بشكل غير مسبوق، حتى رغم تلقيه ضربة سياسية وفقده جزءًا من قاعدته فى عام الانتخابات، وتراجع شعبيته بصورة كبيرة، مضيفين: «هذا الدعم استمر إلى حد كبير علنًا، لكن خلف الكواليس هناك دلائل متزايدة على أن بايدن بدأ يفقد صبره».

وقال أحد المسئولين الأمريكيين: «الوضع سيئ ونحن عالقون هنا، صبر الرئيس ينفد». فيما قال كريس فان هولين، وهو سيناتور ديمقراطى من ولاية «ماريلاند»، كان على اتصال وثيق مع المسئولين الأمريكيين بشأن حرب غزة: «فى كل منعطف أشار نتنياهو بأصابع الاتهام إلى بايدن بأنه يرغب فى إنهاء الحرب بأى شكل»، مضيفًا: «لا يزال المسئولون فى البيت الأبيض يتوسلون إلى ائتلاف نتنياهو، لكنهم يتعرضون للرفض مرارًا وتكرارًا».

وحاول المتحدث باسم مجلس الأمن القومى، جون كيربى، التقليل من أهمية انخفاض الاتصالات بين «بايدن» و«نتنياهو»، وقال للصحفيين، الأربعاء الماضى: «هذا لا يقول أى شىء عن حالة العلاقة».

وأفاد الموقع الأمريكى بأن الدافع الرئيسى لإحباط «بايدن» هو مقاومة «نتنياهو» المضى قدمًا فى الطلبات التى تمثل «أولويات» للولايات المتحدة، مثل قضية عائدات الضرائب، مضيفًا: «كما يعتقد بايدن ومستشاروه أن إسرائيل لا تفعل ما يكفى للسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، ويشعرون بالإحباط بسبب عدم رغبة نتنياهو فى مناقشة خطط اليوم التالى للحرب بجدية، ورفضه الخطة الأمريكية الخاصة بإصلاح السلطة الفلسطينية، ليكون لها دور فى مرحلة ما بعد حماس فى غزة».

ويشعر المسئولون الأمريكيون الآن بقلق متزايد من أن إسرائيل لن تفى بجدولها الزمنى للانتقال إلى عمليات منخفضة الكثافة فى غزة بحلول نهاية يناير الجارى، استنادًا إلى الوضع الحالى فى غزة، خاصة فى مدينة خان يونس الجنوبية.

وحسب الموقع، إذا لم تخفض إسرائيل عملياتها فى غزة بشكل كبير، وهو الأمر الذى يضغط المسئولون الأمريكيون من أجله على أمل تقليل الخسائر البشرية الفلسطينية، فمن المرجح أن يصبح من الصعب على بايدن الحفاظ على نفس المستوى من الدعم لـ«الحملة العسكرية الإسرائيلية».

كما أن زيارة وزير الخارجية، تونى بلينكن، إلى إسرائيل، الأسبوع الماضى، أدت إلى تفاقم الإحباط داخل البيت الأبيض ووزارة الخارجية، حسبما قال المسئولون الأمريكيون، خاصة أن كل ما منحه «نتنياهو» لـ«بلينكن» كان الموافقة على السماح لبعثة تابعة للأمم المتحدة بدخول شمال غزة؛ لتقييم احتياجات العودة المستقبلية للمدنيين الفلسطينيين إلى المنطقة.

وقال مسئول أمريكى إن «بلينكن» كان صريحًا للغاية مع «نتنياهو» و«حكومته الحربية»، مشددًا على أن خطة الحكومة الإسرائيلية لـ«اليوم التالى» لا تزال غامضة و«حلمًا لا يمكن تحقيقه».

صحف عبرية: نتنياهو أصبح تهديدًا وجوديًا لإسرائيل

يعتقد مقربون من الرئيس الأمريكى، جو بايدن، أن رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، يطيل أمد الحرب الحالية على قطاع غزة لأسباب سياسية وشخصية، وفق صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية.

واعتبرت صحيفة «جيروزاليم بوست»، الإسرائيلية، أن الحرب على غزة كشفت عن مدى خطورة الاعتماد الأمنى والدبلوماسى الكامل على الولايات المتحدة، وأن ذلك يُشكل «تهديدًا وجوديًا لإسرائيل»، فى ظل تهديدات الإدارة الأمريكية بوقف الدعم العسكرى الموجّه لإسرائيل، مضيفة: «فى حال فقدان إسرائيل الدعم العسكرى والدبلوماسى الأمريكى، ستفقد إسرائيل الدعم الدولى بالكامل، والذى تقوده الولايات المتحدة».

ورأت الصحيفة أن «نتنياهو» أصبح يُشكل خطرًا كبيرًا على صناعة الدفاع الإسرائيلية، وبالتالى الجيش الإسرائيلى، مضيفة: «نتنياهو تعهد من قبل باستثمارات ضخمة فى الصناعات الدفاعية، لتقليل الاعتماد على الغرب، لكن الصناعة اليوم فى أضعف حالاتها، ولا تحتاج للمال الذى تعهد به نتنياهو، ولكن للابتكار التكنولوجى، والاستقلال عن الدعم الأمنى والدولى الذى تقوده الولايات المتحدة، فدون الدعم الأمريكى هناك خطر وجودى يهدد إسرائيل».

وواصلت «جيروزاليم بوست»: «أكاذيب نتنياهو أصبحت تشكل خطرًا على إسرائيل، فنتنياهو هو نفس الشخص الذى تعهد طيلة السنوات الماضية بتقليل الاعتماد على الغرب، وكانت النتيجة سيئة وخيبة أمل كبرى».

وشددت على أن «الاستقلال الأمنى يشكل ضرورة كبرى لإسرائيل، ومن المفترض أن نتنياهو يدرك ذلك جيدًا، فهو دائمًا ما يلعب بهذه الورقة لكسب المزيد من الدعم والتأييد، لكن الاستقلال الأمنى ليس الشرط الوحيد الذى يمكّن إسرائيل من البقاء، فإسرائيل لا تحتاج إلى الصواريخ والقنابل الذكية فحسب، بل تحتاج إلى دعم المجتمع الدولى، الذى انهار فى عهد نتنياهو».

ووصفت جلسات محكمة العدل الدولية، التى تُعقد لمحاكمة إسرائيل بتهمة الإبادة الجماعية خلال الحرب فى غزة، بأنها «كابوس»، لأن «أى قرار من المحكمة بالوقف الفورى للأعمال العدائية، وانتقال القرار لمجلس الأمن وتمريره، دون استخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) هذه المرة لإنقاذ إسرائيل، يعنى انهيار إسرائيل، من خلال فرض قيود على تدفق الأموال، وحظر تجارى على الشركات الإسرائيلية».

وأضافت: «جلسات محاكمة إسرائيل سيناريو مخيف، لكنه يكشف عيوب وكوارث الاعتماد الأمنى على الولايات المتحدة، واعتماد إسرائيل الوجودى على الدعم الدولى الذى تقوده»، معتبرة أن «دوائر صنع القرار فى إسرائيل مطالبة بالتعلم من التجربة الروسية بعد تفكك الاتحاد السوفيتى وإعادة بناء نفسها كدولة مستقلة، بجانب تجارب مثل فنلندا وهولندا وألمانيا واليابان واليونان وإيطاليا وأستراليا».

«أسوشيتد برس»: «الدولة الفلسطينية» الخلاف الأكبر.. والإدارة الأمريكية «مُحبطة»

الملف نفسه جذب انتباه صحيفة «واشنطن بوست»، الأمريكية، التى كشفت عن أن إحباط الرئيس جو بايدن من عدم استماع إسرائيل لطلبات واشنطن بدأ يظهر إلى العلن، خلال ديسمبر الماضى، على وجه التحديد، بعد نحو شهرين من الدعم المطلق.

وذكرت الصحيفة أنه «بينما يدعم بايدن إسرائيل علنًا، حاول العمل خلف الكواليس لإقناع نتنياهو بأن يكون أكثر تمييزًا فى استخدام القوة النارية فى غزة، والحد من عنف المستوطنين فى الضفة الغربية، والتخطيط لتولى السلطة الفلسطينية المسئولية، ومع ذلك لا يبدو أن نتنياهو يستمع».

وأضافت «واشنطن بوست» أن إحباط «بايدن» بدأ يظهر للعلن، الشهر الماضى، فخلال حملة لجمع التبرعات لحملته الانتخابية شدد على أنه «سيوفر لإسرائيل ما تحتاجه للدفاع عن نفسها، ولإنهاء المهمة ضد (حماس)»، لكنه أشار أيضًا، بدقة، إلى أن «إسرائيل بدأت تفقد الدعم الدولى بسبب عملياتها العشوائية والقصف الجنونى»، مضيفًا: «نتنياهو بحاجة إلى تقوية السلطة الفلسطينية.. لا يمكنك القول إنه لن توجد دولة فلسطينية على الإطلاق فى المستقبل»، مشيرة إلى أن «نتنياهو» اختار الرد العلنى على «بايدن»، قائلًا: «لن نكرر خطأ أوسلو، لن تكون هناك حماس أو فتح فى غزة».

وأكدت وكالة «أسوشيتد برس»، الأمريكية، أن مستقبل «بايدن» السياسى أصبح على المحك، وهو «يكافح الآن لإجبار نتنياهو على إنهاء حرب غزة فى أقرب وقت، نظرًا لاستعداده لمواجهة انتخابية شرسة بعد أشهر قليلة».

وأضافت: «من المتوقع أن يصبح بايدن أكثر صرامة مع نتنياهو، فهو يدرك جيدًا أن إصرار نتنياهو على إطالة أمد الحرب نابع من رغبته فى البقاء فى منصبه، لأن نهاية الحرب تعنى نهايته، وربما دخوله السجن بتهم الفساد».

وأشارت إلى أن المسئولين الأمريكيين يزعمون أن الجهود الدبلوماسية الأخيرة التى بذلها وزير الخارجية، أنتونى بلينكن، حققت نجاحًا متواضعًا، بعد أن حصل على دعم محدود ومشروط من الزعماء العرب وتركيا للتخطيط لإعادة الإعمار والحكم فى غزة بعد انتهاء الحرب، لكن التوقعات غير مؤكدة، لأن حكومة اليمين المتطرف فى إسرائيل ليست متفقة مع العديد من النقاط الرئيسية.

وتابعت الوكالة: «إسرائيل لم تكن غير متعاونة فحسب، بل كانت أيضًا معادية بشكل علنى لبعض الطلبات الأمريكية الأصغر، مثلًا عندما ضغط بلينكن على إسرائيل لتسليم عائدات الضرائب التى تجمعها نيابة عن السلطة الفلسطينية، رفضت إسرائيل فعل ذلك».

وكتب وزير المالية الإسرائيلى، بتسلئيل سموتريش، على موقع «X»، فى رسالة ترحيب بـ«بلينكن»: «سنواصل القتال بكل قوتنا لتدمير حماس، ولن ننقل شيكلًا إلى السلطة الفلسطينية يذهب إلى عائلات النازيين فى غزة».

وبينت الوكالة أن الخلاف الأكبر بين الولايات المتحدة وإسرائيل كان مع رفض «نتنياهو» النظر فى إنشاء دولة فلسطينية، رغم أن الدول العربية تقول إن الالتزام بهذه النقطة ضرورى؛ لإقناعها بالمشاركة والمساهمة فى التخطيط لما بعد الحرب فى غزة.