رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جدعون ليفى.. المثقف اليهودى الذى يرفض الاحتلال!

جدعون ليفى
جدعون ليفى

«إسرائيل لم تذهب للحرب من أجل ارتكاب الإبادة الجماعية- لا شك فى ذلك– ولكنها ترتكبها عمليًا، حتى من دون قصد.. وكل يوم يمر فى هذه الحرب، بمئات القتلى، يعزز الشكوك».. ذلك التوصيف هو أحدث ما كتبه «جدعون ليفى» الكاتب الإسرائيلى المعروف لدى صحيفة «هآرتس»، حول السلوك الذى تتبعه تل أبيب فى حربها الحالية داخل قطاع غزة المحاصر، والمستمرة لنحو ١٠٠ يوم.

لم يكن حديث ليفى عن ارتكاب إسرائيل لإبادة جماعية فى غزة هو الأول فى مقالاته التى يكتبها بانتظام لدى «هآرتس»، بل يتعمد توصيفات أخرى مثل «الحرب الشريرة»، وأن تل أبيب تدفع ثمنًا باهظًا لسجنها نحو مليونى إنسان داخل القطاع، وأن ما تفعله من شرور لن يقودها إلى شىء.

وتثير آراء جدعون الداخل الإسرائيلى، وربما تجعله مكروهًا هناك، فمناهضته السلوك الوحشى الذى تتبعه إسرائيل تجاه الفلسطينيين، وتفنيده المستمر لأن احتلال الأراضى الفلسطينية يجب أن ينتهى، يجعل منه عدوًا للسياسيات القمعية التى تتبعها حكومة الاحتلال دائمًا ضد كل ما هو فلسطينى.

«جدعون ليفى» صاحب الـ٧٠ عامًا ولد فى يافا، لأبوين ممن هاجروا إلى الأراضى المحتلة فى فترة ما قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية وهربًا من المحرقة النازية، بينما لقى أجداده حتفهم فيها.

وتم تجنيد ليفى فى الجيش الإسرائيلى عام ١٩٧٤، وفى أواخر السبعينيات كان محررًا ومراسلًا فى الجيش الإسرائيلى، وبين عامى ١٩٧٨-١٩٨٢ كان متحدثًا باسم شمعون بيريز رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق، وكان مرافقًا له فى حملته الانتخابية.

ورغم خدمته فى الجيش الإسرائيلى، إلا أنه ينتقد سلوكه ضد الفلسطينيين، لا سيما فى موجات التصعيد العسكرى، فعلى سبيل المثال وخلال الحرب الحالية، كتب جدعون، فى مقال بعنوان «لم يقف أى جندى ويرفض المشاركة فى الحرب الشريرة»،: «إن مثل هذه الحرب الوحشية، التى لم تثر بعد الشكوك بين المقاتلين، تعكس عمى أخلاقيًا.. الطيارون ومشغلو الطائرات دون طيار شىء واحد، يرون ضحاياهم كنقاط صغيرة على الشاشة، لكن الجنود والضباط فى غزة يرون ما فعلناه، معظمهم من جنود الاحتياط، آباء وأمهات لأطفالهم، ويرون أكثر من مليون إنسان محرومين من كل شىء يتكدّسون فى رفح، ويرون الجثث فى الشوارع، وبقايا الحياة بين الأنقاض، ودمى الأطفال وأسرَّتهم، والخِرَق الممزقة، والأثاث المكسور».

فى إسرائيل يصنفون «جدعون ليفى» على أنه محسوب على تيار اليسار، المناهض للحكومة اليمينية الحالية، كما أن آراءه غير المألوفة للمجتمع الإسرائيلى تجعله فى مرمى النيران دائمًا.

ولكن، كيف يصنف «جدعون» ذاته وهو يسبح ضد تيار إسرائيل الحالية؟ أجاب ليفى عن الأمر، إذ قال فى إحدى مقابلاته: «عندما بدأت تغطية الضفة الغربية لأول مرة لصحيفة هآرتس كنت صغيرًا ومغسول الدماغ.. فكنت أرى المستوطنين يقطعون أشجار الزيتون والجنود يسيئون معاملة النساء الفلسطينيات عند نقاط التفتيش، وكنت أعتقد أن هذه استثناءات وليست جزءًا من سياسة الحكومة، ولقد استغرق الأمر منى وقتًا طويلًا حتى أدركت أن هذه لم تكن استثناءات، بل كانت جوهر سياسة الحكومة».

ويهوى ليفى تعريف نفسه كـ«إسرائيلى وطنى»، وينتقد ما يعتبره عمى المجتمع الإسرائيلى الأخلاقى تجاه آثار أعمال الحرب والاحتلال، فمثلًا، يعتبر أن بناء المستوطنات على الأراضى الفلسطينية هو المشروع «الأكثر إجرامًا» فى تاريخ إسرائيل، وخلال حصار إسرائيل لقطاع غزة، قال إن محنة الفلسطينيين هناك جعلته يخجل من كونه إسرائيليًا.