رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عام فشل إسرائيل

لو كان للعام الجديد ٢٠٢٤ أن يتكلم لاستعار عبارة «ونستون تشرشل» الشهيرة.. ليس لدىّ لكم سوى العرق والدم والدموع، ولو كان لى أن أقرأ الطالع السياسى مثلما يفعل العرافون لقلت إن الحرب ستستمر فى ٢٠٢٤ حتى نهايته، وربما يشتد أوارها يومًا بعد يوم.. فى غزة ستستمر الحرب بسبب فشل «نتنياهو» فى تحقيق أهداف الحرب.. فلا هو هجَّر أهل قطاع غزة، ولا هو حرَّر رهينة واحدة بالقوة، ولا هو قتل واحدًا من قادة حماس الثلاثة الذين أعلن عن استهدافهم.. وهو لا يملك إزاء هذا سوى إطالة أمد الحرب لأن فى نهايتها موته كسياسى إلى الأبد، سيخرج مشيعًا بلعنات المتطرفين قبل المعتدلين، فقد خيب آمال المتطرفين ولم يحقق لهم ما وعدهم به، وأحرق أوراق المعتدلين وقضى إلى الأبد على صورة إسرائيل الدولة «المسالمة» وسط محيط من العداء، كما حاول جيل الآباء المؤسسين رسمها ببراعة، وابتزاز العالم من خلالها.. منذ أسبوعين كان يدور نقاش عفوى فى مجلس الوزراء، وكان رئيس الأركان الإسرائيلى يحاول تسريب المعنى الذى يريد إيصاله فقال بطريقة بدت عفوية «لقد استغرقت أمريكا عشر سنوات للوصول إلى بن لادن واغتياله»!! صاحت الوزيرة التى كانت تسأله عن موعد انتهاء الحرب «ماذا؟ عشر سنوات؟ هل تقصد أننا سنبقى فى غزة عشر سنوات؟»، ليرد رئيس الأركان «أقصد أن الأمور تستغرق وقتًا».. لم يوضح تقرير «بى بى سى» الذى نشرته حول هذا الخلاف بماذا ردت الوزيرة التى كانت تتساءل حول موعد انتهاء الحرب، لكن الأكيد أن كل يوم تستمر فيه الحرب يعنى مزيدًا من الخسائر لإسرائيل، لأن استدعاء قوة الاحتياط «٧٠٪» من جيش إسرائيل تقريبًا، يعنى حرمان الوظائف التى يشغلونها من مجهودهم وتعطل الإنتاج، وتأثر عجلة الاقتصاد، فضلًا عن التكلفة المباشرة للعمليات الحربية وهى باهظة بطبيعة الحال، وأن مزيدًا من العمليات يعنى موت مزيد من الرهائن ومزيدًا من تظاهرات أسر الرهائن وأصدقائهم ومزيدًا من غضب الرأى العام على بنيامين نتنياهو وحكومته.. هذا الغضب تصاعد بلا شك بعد أن نشرت «هآرتس»، أمس الأول، أن المرحلة المقبلة من الحرب ستستمر ستة أشهر، وهذه «مرحلة» واحدة، وليست الحرب بكاملها.. وكلما استمرت الحرب زادت خسائر إسرائيل المادية والمعنوية.. «هآرتس» نشرت منذ أيام مقالًا للواء سابق فى جيش إسرائيل هو «إسحق بريك» يتهم فيه الجيش بالفشل، ويطالب بأن تعلن إسرائيل عن أهداف أكثر تواضعًا حتى تستطيع تحقيقها، ويقول إن صورة إسرائيل المنتصرة عسكريًا من صناعة قنوات تليفزيونية كثيرة «لم يقل إن بعضها عربى للأسف»!، وفى التفاصيل يقول إسحق بريك إن شبكة أنفاق حماس ضخمة للغاية ومن المستحيل القضاء عليها لأنها- والكلام على عهدته- مرتبطة بشبكة أنفاق أخرى فى مصر عبر رفح المصرية.. لا أعرف مدى دقة كلام إسحق بريك عن أنفاق غزة، ولكنى أرى فيه رد أكثر من كافٍ على لجان الذباب الإلكترونى التى تدعى أن مصر أغلقت الأنفاق خدمة لإسرائيل، فى حين أن إسرائيل تتهم مصر أنها تساعد حماس بالسلاح عبر أنفاق أخرى غير تلك التى كان يتسلل منها الإرهابيون لسيناء.. أيًا كانت صحة هذه الادعاءات، فالجميع هناك يعترفون بأن الحرب ليست نزهة ويحملون مصر المسئولية بالكامل.. بشكل عام هناك ميل لدى إسرائيل لوضع الجرس فى رقبة «قط كبير» يبرر الفشل الإسرائيلى، وإلى جانب اتهام مصر بشكل صريح بمساعدة حماس ودعمها، هناك ميل لتوسيع جبهة الحرب، واتهام إيران وعدة دول أخرى بنفس التهم، وبدلًا من خطاب تحييد إيران الذى قام به بايدن منذ اليوم الأول، ظهرت أصوات تتحدث عن توسيع نطاق المواجهة، منها ما قاله رئيس الأركان هناك حول أن إسرائيل تعرضت للهجوم من سبع جهات ردت على ست منها، وخلاصة كل ذلك أن إسرائيل لم تحقق نصرًا سهلًا فى غزة كما يبشر فريق «الصهاينة العرب» ورموزهم فى بعض قنوات الإعلام، فإسرائيل نفسها تعترف بأنها لم تنتصر، وأنها فى حاجة لمزيد من الوقت لتحقيق أهدافها التى أعلنتها، واحتمال تحقيقها لهذه الأهداف أقل من احتمال فشلها، وبالتالى فإن صورة انتصار إسرائيل هى من صُنع قنوات التليفزيون، وبعضها عربى للأسف الشديد جدًا.