رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الانبا نيقولا ينشر جزءًا من تعاليم القدّيس يوحنّا كرونشتادت حول ميلاد المسيح

عيد الميلاد المجيد
عيد الميلاد المجيد

تحتفل كنيسة الروم الارثوذكس اليوم الأربعاء، بذكرى رحيل القدّيس يوحنّا كرونشتادت.

وعلى خلفية الاحتفالات، نشر الانبا نيقولا انطونيو جزء من تعاليم القديس عن ميلاد المسيح حمل شعار عيد التّجديد.

وجاء فيه انه لِكَيْما نحتفلَ بهذا العيد- عيدِ محبّةِ اللهِ غيرِ المحدودةِ وتنازُلِه- لا دنيويًّا، إنّما روحيًّا، لِنَتَأمَّل لِبرهةٍ في ما يلي: لِمَ تَأنّسَ الإلهُ فيما لا يزالُ هو الإله؟، وما الّذي يتطلبُّه منّا تَجَسُّدُ الإلهِ؟.. بعد طَرحِ هذين السّؤالين، سأجيبُ عنِ السّؤالِ الأوّلِ، مُستشهدًا بكلماتِ رئيسِ الملائكةِ لِيوسفَ، خطيبِ العذراء الكُلّيّة القداسة: «صارَ الإلهُ إنسانًا؛ لكي يُخَلِّص شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ» ..لهذا السّببِ، يُدعى اسمُه يَسُوعَ، أي المُخلِّص. إنّ الرّبَّ أتى إلى الأرضِ، وتأنّسَ من أجلِ خلاصِنا، ومن أجلِ استعادةِ صورةِ اللهِ الّتي سقطَتْ. صارَ ابنُ اللهِ، ابنَ البَشَرِ؛ لِكَيْما يجعلَنا أبناءً لله، بعد أن كنّا أبناءً للغَضَبِ وللدّينونةِ الأبديّةِ. على حدّ تعبيرِ الرّسولِ القدّيسِ، يوحنّا اللّاهوتيّ: "حَتَّى نُدْعَى أَوْلَادَ الله؛ فَصارَ الإلهُ إنسانًا لكي يجعلَ آدمَ إلهًا

محبة الله للبشر

يا لَمَحَبَّةِ اللهِ الّتي لا توصَفُ! يا لَتَحَنُّنِ الرّبِّ، الّذي لا يُنطَقُ به! وهو، الكُّلِّيُّ القداسةِ، قد فَعَلَ هذا: "لقد أَلَّهَ الجنسَ البشريَّ في مُختاريه، وطَهَّرَهُم من شُرورِ النّفسِ والجسدِ كلِّها، وقَدَّسَهُم، ومَجَّدَهُم، وانتَشَلَهُم من الفسادِ إلى الحياةِ الأبديّةِ، وجَعَلَهُم أهلًا للوقوفِ بِغِبطَةٍ، أمام عرشِ مجدِه المَرهُوبِ. كما يؤلّهُنا نحن أيضًا، أيّها الإخوة والأخوات".

ولهذا، يا إخوتي، يذكّرُنا عيدُ ميلادِ المسيحِ بأنّنا مولودون من اللهِ، وبِأنّنا أبناؤه، وبِأنّنا قد أُعتِقْنا مِن الخطيئةِ، وبأنّه يتوجّب علينا أن نحيا لله، لا للخطيئةِ، ولا لِدَمٍ وَلَحْمٍ، ولا للعالمِ كلّه الّذي قَدْ وُضِعَ فِي الإثمِ والشَّرِّ ولا للفسادِ الأرضيِّ.

أنتم يا مَن تَتَهيّئون لاستقبالِ عيد ميلادِ المسيحِ، اسألوا أنفسَكم: هل صِرتُم أقربَ إلى الله عبر الإيمانِ والمحبّةِ، كَأبناءٍ له أحبّاء؟ هل أحببتُم بعضُكم بعضًا كما يَليقُ بِأبناءِ اللهِ؟ هل احتقرتُم الخطيئةَ البَغِيضةَ، والشِّريرةَ، والمُدمِّرةَ، وازدريتُم بها؟ هل أحببتُم الحقَّ، والفضائلَ كلَّها؟ هل أحببتُم الحياةَ الأبديّةَ والخالدةَ، المُعَدَّةَ في أرضٍ، لن تفنى أو تزولَ، دَعانا إليها الّذي يأتي الآن إلى أرضِنا الفاسدة؟ يتوجّبُ علينا، أن نطرحَ هذه الأسئلةَ على أنفسِنا الآن، وأن نتّخذَ قراراتٍ بِشأنِها. ولا يمكن أن نُقَرِّرَ بِعقولِنا فحسبُ، بل قبلَ كلّ شيءٍ، بِقلوبِنا، وبِأعمالِنا.

بعد أن أجَبْنا عنِ السّؤالِ الأوّلِ: «لماذا صارَ الإلهُ إنساناً؟»، تَوَصَّلْنا أيضًا إلى الإجابةِ عنِ السّؤالِ الثّاني: «ما الّذي يتطلبُّه مِنّا تَجَسُّدُ الإلهِ؟». إنّه يتطلّبُ منّا، أن نتذكّرَ حقيقةَ أنّنا مولودون مِن الله، وأن نتمسّكَ بها بِكَرامةٍ مقدّسةٍ، وإن كنّا قد دَنَّسْنا هذا الحقَّ الطّبيعيَّ بِالبُنُوَّةِ، ودُسْناه بِخطايانا، عندئذٍ تتوجّبُ علينا استعادتُه بِغسلِه بِدموعِ التّوبةِ؛ فعلينا أن نستعيدَ ونجدّدَ فينا صورةَ الله الّتي سقطَتْ، وأن نعاودَ الاتّحادَ بِإله البَرَكَةِ والحقِّ والقداسةِ، هذا الاتّحاد الّذي سَبَقَ له أن تَحَطَّمَ.

إنَّ تجّسدَ ابنِ اللهِ يتطلّبُ منّا، قبلَ أيّ شيءٍ، محبّةً متبادلةً، وتواضعًا؛ لكي يَخدُمَ النّاسُ بعضُهم بعضًا؛ فَكيف يمكن ألّا يُحبَّ النّاسُ بعضُهم بعضًا، ومحبّةُ الله تغمُرُ الجميعَ؟ وكيف لنا ألّا نكونَ متواضعين، ونحن نشاهدُ تواضعَ ابنِ الله، وتنازلَه الطّوعيَّ من أجلنا؟ كيف لنا ألّا نتساعَدَ كلُّنا، وبأيِّ طريقةٍ، في حين أَنَّ ٱبْنَ ٱلْإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ.