رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صدمة «طوفان الأقصى».. انهيار نفسى يضرب الإسرائيليين ويمحو الأمان

طوفان الأقصى
طوفان الأقصى

إصابة 60% بالتوتر.. ويأس من النصر على حماس فى نهاية الحرب

كشف عدد من الدراسات الإسرائيلية عن إصابة شريحة كبيرة من المجتمع الإسرائيلى باضطرابات نفسية وعقلية جسيمة بسبب عملية «طوفان الأقصى» والخسائر الفادحة فى صفوف القوات العسكرية المتوغلة بريًا فى غزة، أعقاب ٧ أكتوبر الماضى، تتراوح بين التوتر الحاد والاكتئاب وأعراض ما بعد الصدمة.

وحسب دراسة لجامعة يافا العبرية، فإن ٦٠٪ من الشعب الإسرائيلى أصيب بالتوتر الحاد فى أعقاب عملية طوفان الأقصى.

وقالت سفيتلانا فيزالينسكى، المشرفة على الدراسة، إن المعدل الوارد من حالات التوتر الحاد غير مسبوق عبر مختلف الحروب، التى دخلتها إسرائيل، حسبما نقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت».

وأفادت الصحيفة بأنه وفقًا للدراسة فإن المتأثرين بالحرب ليسوا على علاقة مباشرة بالحدث، سواء كانوا أقارب ضحايا عملية طوفان الأقصى أو المحتجزين، أو الجنود الذين يتولون غزو غزة بريًا.

«طيف التوحد» يصيب السكان ويشكل عبئًا على الصحة العقلية بالبلاد

أوضح الباحثان أن اضطراب طيف التوحد هو اضطراب عاطفى وعقلى ناجم عن التعرض المباشر لأحداث صادمة، مثل مشاهدة حدث ما، أو التعرض لإصابة جسدية، أو تلف الممتلكات، ويمكن أن ينجم أيضًا عن التعرض غير المباشر لحدث صادم. يظهر الاضطراب خلال ثلاثة أيام إلى شهر بعد الحدث، ما يسبب القلق والخوف والاكتئاب والتجارب المتكررة للأحداث المؤلمة، مثل ذكريات الماضى أو الكوابيس، ومحاولات تجنب التفكير فى الحدث أو الوصول إلى المكان الذى وقع فيه الحدث، من أجل الحد من الاضطرابات العاطفية.

وأوضحت الصحيفة أن هناك أيضًا استجابات فسيولوجية، مثل زيادة معدل ضربات القلب والإفراز المكثف لهرمونات التوتر، ويوضح الباحثون أن «كل هذه العوامل تؤدى إلى صعوبات كبيرة فى أداء الروتين اليومى»، علاوة على ذلك، وجد الباحثون أنه مع زيادة عمر المشاركين، انخفض احتمال الإصابة باضطراب طيف التوحد.

أجرى الدراسة «بازيليانسكى»، ودكتور وفاء صوان، من كلية الخدمة الاجتماعية فى جامعة حيفا، حيث أرادا دراسة مدى انتشار اضطراب الإجهاد الحاد بين الإسرائيليين والمؤشرات المحتملة التى يمكن أن تحذر من هذا الاضطراب، مع التركيز على أولئك الذين لم يتعرضوا للأحداث الصادمة بشكل مباشر.

وأضاف الباحثان: «نتوقع أن تتطلب نسبة عالية جدًا من السكان فى إسرائيل علاجًا عاطفيًا وطبيًا فى المستقبل القريب، مما قد يخلق عبئًا كبيرًا على نظام الصحة العقلية فى البلاد».

وأوضحت الصحيفة أنه بالإضافة إلى هذه الدراسة، تشير نتائج دراسات أكاديمية جديدة أخرى فى الأسابيع الأخيرة إلى زيادة كبيرة فى الاضطرابات العقلية لدى الإسرائيليين منذ ٧ أكتوبر، ومن بينها دراسة جديدة، أجراها المركز الإسرائيلى لأبحاث الانتحار، الذى تظهر بياناتها أن نسبة اضطرابات ما بعد الصدمة ارتفعت من ١٦٪ قبل طوفان الأقصى إلى ٣٠٪ بعدها، كما ارتفعت معدلات الاكتئاب والقلق بشكل كبير، حيث وصلت إلى ما يقرب من ٤٥٪.

وأشارت الصحيفة إلى أنه مع استمرار تزايد الأرقام، أثيرت أسئلة حول من سيعتنى بهذا العدد الكبير من الإسرائيليين المتضررين، خاصة أن خدمات الصحة العقلية فى إسرائيل كانت مثقلة بالأعباء حتى فى الأيام التى سبقت الحرب.

ووفق حركة الطب النفسى العام فى إسرائيل، فإن «الحرب كشفت الإهمال المستمر من خدمات الصحة العقلية للمواطنين الإسرائيليين، ولسوء الحظ، فإن الخدمات النفسية الأساسية للضحايا وأسرهم تعتمد فى كثير من الأحيان على المتطوعين الذين، على الرغم من تفانيهم، لا يشكلون بديلًا مناسبًا لخدمة عامة منظمة».

وتشير دراسة أخرى أجرتها جامعة تل أبيب وكلية تل حاى الأكاديمية إلى أنه منذ اندلاع الحرب، كان هناك انخفاض كبير فى علامات الضيق التى تتميز بالقلق والاكتئاب لدى الجمهور، ومع ذلك، فإن عدد الأشخاص الذين تظهر عليهم هذه الأعراض لا يزال أعلى من تلك التى شوهدت فى الدراسات التى أجريت فى الماضى، كما هو الحال خلال عملية الجرف الصامد.

وأجرى الدراسة فريق مكون من البروفيسور شاؤول كيمحى والبروفيسور بروريا أدينى، من قسم الطوارئ وإدارة الكوارث بجامعة تل أبيب، والبروفيسور يوهانان إيشيل وهاداس مارسيانو من كلية تل حاى الأكاديمية، حيث اعتمدت الدراسة على عينة مكونة من ٢٫٠٠٢ شخص من السكان البالغين الناطقين بالعبرية.

وقال هاداس مارسيانو، من كلية تل حاى الأكاديمية: «اعتاد الجمهور الإسرائيلى على سلسلة من جولات القتال لسنوات، بما فى ذلك إطلاق الصواريخ من غزة إلى داخل البلاد، والقتال على طول الحدود، والعمليات فى عمق أراضى قطاع غزة، وفى حالات نادرة، تسلل محدود للمقاتلين إلى إسرائيل».

وتابع: «ومع ذلك، لم يشهد الجمهور الإسرائيلى مثل هذا العدد الكبير من المقاتلين الذين يدخلون البلاد من قبل، لذلك، فإن شدة الحادث ونطاقه، وفشل قوات الأمن فى الرد بسرعة كافية، والحوادث الأمنية اللاحقة، كلها أمور تغيب عن الرأى العام، وتسببت فى حالة عاطفية منخفضة نسبيًا تشمل أعراض القلق والاكتئاب بدرجة أكبر مما كانت عليه فى الماضى».

وأشار الباحثون إلى أن هذه النتائج تتوافق مع الدراسات السابقة التى أجريت فى إسرائيل وفى جميع أنحاء العالم، كما هو الحال فى أوكرانيا، ما يشير إلى أنه حتى فى حالات الأزمات الشديدة فإن غالبية السكان قادرون على التكيف والتعلم للعيش معها.

بينما أفاد موقع «calcalist» الإسرائيلى، بأن بعض الدراسات كشفت عن أنه عقب مرور شهرين على عملية طوفان الأقصى وما تبعها من عدوان إسرائيلى على قطاع غزة، لم يتلاش الألم والحزن بعد، بل ازداد الأمر سوءًا باستمرار الحرب فى القطاع الفلسطينى المحاصر، وزيادة القلق على المحتجزين فى القطاع.

43% يعانون الاكتئاب.. وزيادة فى أعداد المدخنين ومتعاطى المخدرات

تظهر أرقام الدراسة، التى أرفقها الموقع، أن الغالبية العظمى من الشعب الإسرائيلى لم تتعاف من الصدمة بعد، حيث يعانى ٤٣٪ من الإسرائيليين من الاكتئاب و٣٠٪ أعراض ما بعد الصدمة، مقارنة بـ٢٤٪ و١٦٪ قبل نحو شهرين من الحرب، حسب استطلاع أجراه مركز ليئور تسفاتى للانتحار والألم النفسى. 

وفى دراسة أخرى لعلماء النفس الدكتور دانييل فينجولد والبروفيسور دانا تسور بيتان والبروفيسور يوفال نيريا قدمت بيانات مماثلة، أظهرت أيضًا أن ١٦٪ يدخنون أكثر، و١٠٪ يشربون كحوليات أكثر، و٥.٥٪ يستهلكون القنب أكثر، وحسب صناديق التأمين الصحى، فإن ١١٪ تناولوا المزيد من المهدئات، و١٠٪ تناولوا المزيد من الحبوب المنومة، و٨٪ تناولوا المزيد من المسكنات، وتدل هذه البيانات على أن الإسرائيليين يهربون من جحيم الحرب.

وكشفت القناة ١٢ العبرية عن أن الطلب على العقاقير التى تساعد على التخلص من القلق واضطرابات النوم دون وصفات طبية ارتفعت بنسبة ٩٠٪، حيث قال بوعاز تشانى، صيدلى: «يأتى الكثيرون إلى الصيدليات لطلب مضادات للاكتئاب ومنوم، فهم يريدون الحصول على قسط طويل من النوم، ويطلب الكثيرون أيضًا المكملات الغذائية لتعويض فقدان الشهية».

وقالت الدكتورة هداس شهربانى صيدا، الاختصاصية فى علم النفس، إن الأعراض الأولية لصدمة عملية طوفان الأقصى، تمثلت فى التزام الأفراد منازلهم حيث كانوا يخشون الذهاب حتى للتسوق، ومع الوقت بدأوا يهدأون ويعودون للحياة الطبيعية، ولكن ظل الاكتئاب والقلق الذى يسيطر على الجميع.

وتابعت: «القلق الوجودى هو الإحساس السائد لدى الجميع اليوم فى إسرائيل، وتزايدت التساؤلات عن مدى جدوى الحياة فى إسرائيل، والخوف من أنه فى حالة الرحيل لن يكون لهم مكان آخر للعيش فى العالم».

وأضافت: «الأخبار أصبحت مدمرة للأعصاب، خصوصًا مع عودة بعض المحتجزين، عادت المخاوف مرة أخرى، وتجددت مشاهد الحرب، وشعور الجميع بانعدام سيطرة الحكومة، وفشلت مشاهد الفرحة بعودة المحتجزين بمحو هذه الصورة، بل عززتها».

بينما يقول يوآف كوهين مانور، المعالج النفسى، إن الأحلام السيئة والكوابيس سيطرت على الإسرائيليين بصورة كبيرة، ما يعكس الألم المتزايد والخوف، فهذه الأحلام عبارة عن مزيج من الصدمة الشخصية والوطنية. وتابع: «الأحلام مستمدة من واقع حياتنا، فالكثير يحلمون بأنهم داخل أنفاق غزة ويبحثون عن المحتجزين أو أنهم ضمن المحتجزين، هذه الأحلام تسبب اليأس والقلق». وأضاف: «عودة المحتجزين لم تشعرنا بالنصر، خصوصًا مع الأهوال التى تحدث فى غزة على بعد أمتار قليلة من إسرائيل، يدرك الغالبية العظمى من الإسرائيليين أنه من المستحيل الفوز على حماس، هذه ليست مثل الحروب الأخرى، لقد تكبدنا خسائر كبرى ولا تزال الخسائر تنهال، هذه المرة يبدو النصر مستحيلًا، لن تكون نهاية ما يحدث فى غزة سعيدة لأى شخص».