رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أدونيس يحارب الإسلام دفاعًا عن غزة!

أدونيس، بلغ من العمر عتيا «مواليد 1 يناير 1930/ العمر 93 سنة»، وَهنَ فى البنية الجسدية، وبقى مُقلًا فى الإنتاج والبنية الفكرية، برغم أنه صامد، يعاند، يفرك أصابع يديه نحو فرص تنويرية، لكنه بات متشظيا، وهو كتب فى صحيفة الأخبار اللبنانية مقالا بعنوان: [نحو صورة جديدة للمسلمين وللإسلام]، وفى ذات الوقت اعتبر ما كتب: «بيان لا يُلزِمُ أحدًا غيرى»! 
.. هنا نفسر شرح صورة الشاعر كما نشرت مع المقال، وكان التعليق لافتا: «فى شرح الصورة الشخصية: أدونيس.. الإنسان، بوَصفِهِ إنسانًا، وبوصفه صورة الخالِق، هو القضِيّةُ الأولى. والقضايا كلُّها، مهما علا شأنُها، خُلِقَت من أجله». 
* فهم النص وديباجة الصحيفة. 
.. بالتأكيد، نجحت صحيفة الأخبار، فى تقديم وديباجة راقية عن شخصية الشاعر والكاتب والمفكر أدونيس «الاسم الحقيقي: على أحمد سعيد إسبر»، وهو حق من كان شاغل عواصم الثقافة العربية والإسلامية، وتقول الصحيفة: «ما زال أدونيس «1930» يُشعل الحرائق فى مواقفه كما فى أعماله فى الشعر والنقد والفلسفة والتفكير ومقارعة الموروث والمؤسّسة الدينية و«تجّار الأديان الذين وضعوا الإسلام جانبًا منذ 1400 سنة، وحوّلوه أيديولوجيا تخدم صراعاتهم من أجل السلطة» على حدّ تعبيره. أحد آباء «مشروع الحداثة» فى بيروت، يتوقّف فى هذا النصّ عند الواقع الإسلامى اليوم والقوى الاستعمارية التى كشفت عن وجهها العارى فى العدوان الصهيونى على غزة». 
المقال/ البيان جاء فى 9 أجزاء
*الجزء الأول: صورةَ الإسلام فى العالم الحديث.
يرى أدونيس، فى هذا الجزء، أو لنقل التقديم، أن أحداث 11سبتمبر، التى أصابت أبراج نيويورك، تركت بصمتها على فهم العالم للإسلام، وقال: «صار واضحًا لكلّ مَن يريد أن يرى بعينه أو بعقله، أو بهما معًا، أنّ صورةَ الإسلام فى العالم الحديث، بخاصَّةٍ منذ 11 أيلول 2001 قد تَغيّرت كلّيًّا، نحو الأكثر سوءًا، لا فى عين العالم غير المُسلِم وحده، وإنّما كذلك فى عين العالم المُسلمِ نفسِه لكن على نَحْوٍ أكثرَ تَفاوُتًا وانشقاقًا.
.. ويضع مؤشرات ذلك التنبية الي:
صارت هذه الصّورة فى القرن الحادى والعشرين تَشويهًا لِما كانت عليه فى القرون الأمويّة والعبّاسية والأندلسية: تُخجِلُ حينًا، وتُحَيِّرُ حينًا، وتُقلِقُ أحيانًا كثيرة. وها هى اليوم تنفصِلُ كلّيًّا عن السّياق الإسلاميّ الأساس فى التّحَوُّلَين الكبيرَين اللّذَين أسَّس لهما، بعد وفاة النّبيّ، وقادَهما عمر بنُ الخَطّاب، على صعيد السّلطة والسّياسة، وعليّ بن أبى طالب، على صعيد العدالة والرّؤية «الرّوحيّة» الثّقافيّة الإنسانيّة.
كان التّحَوُّل العُمَريّ تجسيدًا لفهمٍ عَمَليٍّ إستراتيجيّ لمعنى السّلطة ولِما يكون عليه وضْعُ المسلمين العرَب بعد وفاة النَّبيّ الذى ترك قبائلَهم المُتَفَرِّقة، اجتماعيًّا، تحت مظلّة الوحدة الدّينيّة. وكان التّحَوُّلُ الذى قادهُ عليّ بن أبى طالب ينهض على رؤيةٍ للإنسان تعطى الأوّليّةَ للخُلُقِ الكريم الفعّال، وللعمل الإنسانيّ الخلّاق، وللفكر المُبْدِع الذى يرى ويستشرف ويبنى الإنسانَ وعالمَه فى اتّجاه العدالةِ، والرّحمة، والحقّ.
ثقافة السّلطة والإدارة والعدالة قادَها الأوّل، وثقافة الحرّيّة والحقّ والنُّبْل، قادَها الثانى فى وحدة مُضْمَرة، لم يُتَحْ لها أن تظهرَ إلى العَلَن إلا نادرًا وفرْدِيًّا، وتلك لحظةٌ أتاحَت للخليفة عمر أن يقول كلمتَه العالية المُضيئة فى قضيّة حياةٍ أو موت تتعلّق بامرأةٍ اتُّهِمَت خطأً أو زورًا، وبَرَّأها عليٌّ بعد أن كان عمر موشِكًا أن يُدينَها وهى الكلمة التّالية: «لولا عليٌّ لَهَلَكَ عُمَر». ويمكن أن نترجمها سياسيًّا: «لولا العدالة لهلَكَت السّلطة».
* الجزء الثاني: القطيعةَ مع المُنجَزات الإبداعية.

ينحاز أدونيس، فى هذا الجزء إلى فرضيات للتشهير بعدم جدوى أى تنوير فى المجتمع الإسلامي، ويبدو أنه أخذ محطة التطاول فكريا، على مفاهيم العمل الإسلامي، دون أن يدخل فى كيفية نشوء الإسلام السياسى - مثلا-، وقال: اليوم صار المُسلِمون يفكِّرون ويعملون خارجَ هذا الأفق الإنسانيّ النّموذجيّ. صاروا فِرَقًا: لكلّ فرقةٍ مَرجِعٌ، ولكلّ مرجِعٍ مرجِعٌ. وخَبا ضَوءُ التّحَوُّل الثّقافيِّ العُمَريّ، وتلاشى ضوءُ التّحَوُّلِ الذى أسّس له صديقُه ورفيقُه عليّ بن أبى طالب.
.. ويرد، ما كان سبق أن قدمه فى محاورات فلسفية سابقة: صار المسلمون جيوشًا وسلطات: لكلّ جيشٍ جيشٌ آخَر، داخِلًا وخارِجًا، ولكلّ سلطةٍ سلطةٌ أخرى، داخِلًا وخارِجًا.
صار «جمهورُهم» أشلاء، وأنقاضًا، وأدواتٍ وتابعين.
وها هو إسلامُ هذا الجمهور يبدو اليوم، فى الممارسة وفى النّظَر، أنّهُ عالَمٌ ليس فيه من الإسلام إلّا الاسم والشّكل، وليس فيه من سياسة النّبيّ أو عمر أو عليّ وفكرِهم إلّا الاسم والشّكل أيضًا. وها هو يصل إلى مكانٍ من تاريخِهِ لم يَعُدْ فيه أيُّ مكانٍ للعدالة والحقّ، والحرّيّة، والمحبّة، ويعنى ذلك أنّ الإنسانَ نفسه يبدو كأنّما لم يعُدْ له مكانٌ إلّا بالاسم والشّكل، بالرّقم والعَدَد.
وهذا يعنى أنّ الإسلامَ الحديث، ابتعَدَ كلّيًّا عن المَآثِرِ العظيمة التى حَقَّقَها هذان التّحَوُّلان الكبيران، كلٌّ فى ميدانِه. يعنى أيضًا أنّ القطيعةَ مع المُنجَزات الإبداعيّة التى صَنَعَت تاريخَه فى الشعر، والفلسفة، والتّصَوُّف، وفى الفنون والعلوم قد اكتملت، وها هو يعيش فى تَحَوُّلٍ ثالثٍ يكاد أن يصيرَ فيه مُجَرَّدَ سلطةٍ، ومجرّد ثكنةٍ، ومجرَّدَ جهادٍ للحماية والدفاع و«الهجوم» أفرادًا وجماعاتٍ، وِفقًا لمصالح السّلطة فى علاقاتها مع الغرب المُستَعمِر، بخاصّةٍ الغرب الأمريكيّ.
وعلينا هنا ألّا نملَّ أبدًا من التّذكير بالواقِع الأسود، على جميع المستويات، الواقع الذى يعيشه المسلمون فى مُعظَمِهم والذى يتمثّل فى أنّ القائدَ الأوّلَ لهذا الواقع الأسود هو الإسلام المُتَعَثْمِن فى عباءة الإخوان المُسلِمين. وعلى المسلمين جميعًا أن يتذَكَّروا، على الأقلّ، أنّ الخلافةَ فى صورتها العثمانيّة، دمَّرَت الإسلامَ الحضاريّ ولم تُبْقِ منه إلّا الهيكل السّلطويّ والسّيف، ودمَّرت العرب على جميع المستويات، على مدى ما يزيد عن أربعة قرون، كما لم يفعل أيّ أجنبيٍّ أو أيُّ مُستعمِر.
* الجزء الثالث: ظّواهر  خطيرة فى الممارسة الفكرية والعملية.

يحاول أدونيس، استرجاع العقل الناظم- أكاديميا-، ليعالج عدة ظواهر، وصفها الخطيرة، ويرى فى هذا السياق، معتمد على أجزاء المقال/ البيان:
أدّى هذا كلُّه إلى ممارسة سياسةٍ، داخليّة وخارجيّة، أدّت بدورها إلى الظّواهر الخطيرة التّالية:
* أوّلًا إبقاءُ الجمهور الإسلاميّ فى جهلٍ كاملٍ، معرفِيًّا بشكل عامّ، ودينيًّا بشكل خاصّ. والحقّ أنّ هذا «الجمهور» لا يعرف أن يقرأ حتّى نصوصه الدّينيّة التى يُقَدِّسها، فكيف يقدر إذًا أن يتأمّل فيها أو أن يفهمها؟
* ثانِيًا إبقاء المرأة كما هى فى عبوديّتها وقيودها وغيابها شبهِ الكامل عن حركيّة المجتمع، وهو غيابٌ يطمس نصفَ طاقاتِ المجتمع، عدا الازدراء المُهين الذى ينطوى عليه.
هذا الغياب ليس حجابًا للمرأة وحدها، وإنّما هو حجابٌ للرجل نفسه. الحرّ لا يَستعبِد، الحرّ يُحَرِّر.
الرجل المسلمُ العربيّ هو، فى ما يتعلّق بوضع المرأة، العبدُ الحقيقي.

* ثالثًا الاستمرار فى إبقاء هذا الجمهور الإسلاميّ العربيّ سجينَ الثقافة القديمة، ثقافةِ القرونِ الوسطى، ثقافةِ الفقْهِ والشرع، كما رأتْها ثقافةُ القبيلة والثّـأر، ثقافةُ التكفير والكراهية، فى إقصاءٍ كاملٍ لثقافةِ الإنسان، حقوقًا وواجبات، وحرّيّات. وهكذا لم يقدر المسلمون العرب، على مدى أكثر من أربعة عشر قرنًا، أن يؤسِّسوا دولةً واحدة بالمعنى الحديث، دولة مُواطَنةٍ يتساوى فيها الجميع. وهكذا لا تزال البلدان العربية ممالكَ وإماراتٍ وسلطاتٍ تقوم على الانتماء القبليّ أو الطّائفيّ أو العشائريّ. وما يُسمّى «المجتمع» ليس إلّا رُكامًا من البشر يتساوون فى القيام بالواجبات إزاء السّلطة، ولكنّهم لا يتساوون فى الحقوق.
* رابعًا إبقاء السّلطة فى ارتباطٍ مباشرٍ باللّاهوت، لكى يستمرّ الطّغيان تحت حجاب الغطاء اللاهوتيّ.
* الجزء الرابع: ليس الإسلامُ هو ما يجب أن يتغيّر لكى يتشبَّه بالعالم، وإنّما العالم هو ما يجب أن يتغيّر لكى يتشبّه بالإسلام.
.. فى يقين الشاعر، أنه يريد، أن يخرج من عباءة ما يحدث، مرتكزا على تحريف فكرى لـ«فوبيا الإسلام»، فيقرأ بنية التاريخ ليصل الى دوره ككاتب فى الحرب، على عالمية الإسلام اليوم بالرجوع إلى ما أسماه الإسلام العربي «...»، فكتب، محارب، عنيفا: «وها هو الإسلام، اليوم، ليس «عِلمًا» وليس «فِكرًا» وليس «فنًّا»، وليس «شعرًا» وليس «فلسفة»، وليس «صناعة» وبالأخصّ، ليس رؤيا للمستقبل البشريّ، إلخ. فلقد حوّلَتْه السّلطة إلى مجرَّد حارسٍ مهمّتُهُ السّهَرُ على بابها وحمايتها والدّعاءُ لها.
لم أعُدْ أذكرُ اسمَ ذلك المتصوِّف الذى قال: «إذا رأيتَ عالِمًا يلوذُ ببابِ سلطان، فاعلمْ أنّه لصّ». وإذا نظرنا إلى هذه الكلمة بعين الحاضر، وأصغَيْنا فإنّنا نسمع فيها ما يشبه تحويرًا لعبارة ماركس: «يا عُمّالَ العالم اتَّحِدوا»!
.. ويعود، ليترابط مع الفكرة، لا ليخرج منها: «بما أنّ الإسلام، فى يقين المُسلم، هو الكلمة الأخيرة التى قالَها الله للإنسان، ونقَلَها نبيُّهُ الأخير الذى لا نبيَّ بعده، فإنّ علاقة المسلم بالعالم تقوم عمليًّا على هذا المبدَأ الإلهيّ: ليس الإسلامُ هو ما يجب أن يتغيّر لكى يتشبَّه بالعالم، وإنّما العالم هو ما يجب أن يتغيّر لكى يتشبّه بالإسلام. وهو مبدأ يفسِّر امتناعَ المسلمين، أو عجزَهم [الإلهيّ] عن إقامة دولةٍ بالمعنى الإنسانيّ، على مدى أكثر من أربعة عشر قرنًا كما أشرنا، يُنظَرُ فيها إلى الإنسان بوصفه إنسانًا، مواطِنًا، بواجبات واحدة، وحقوقٍ واحدة، ويفسِّر كيف صارت جميع الأنظمة العربيّة الإسلاميّة، من دون استثناء، أدواتٍ فى أيدى العالم، وخَدَمًا فى قصور السياسة الأجنبية.
وهكذا نفهم، - يسأل أدونيس- كيف أنّ المسلمين العرب الذين جسّدوا ظاهرةً اجتماعيّة ثقافيّةً لا مثيلَ لها فى التاريخ: يزدادون تخلُّفًا طردًا مع تقدُّم العالم؟. الإسلام العربيّ فى العصر الأمويّ وفى العصر العبّاسيّ أكثر وعيًا ومعرفةً وانفتاحًا على العالم، منه فى العصر الذرّيّ، وعصر الغزو الفضائيّ، فى القرنين العشرين والحادى والعشرين».
* الجزء الخامس: وجود فكر دينى يهودى ومسيحي، و.. لا فكر إسلامى حديث! 
قد يبدو هذا الجزء مما كتبه أدونيس وجاهر به عبر النشر، محطة خطيرة فى تأويل المعرفة وارتباط نتائجها بالحدث، وهو يقول: استمرار المسلمين فى هذا التّخلُّف - «التّقدُّم!»، يعنى استمرار الحياة الإسلامية فى جمودها. وأبسط ما يُقال فى هذا الصّدَد هو أنّنا لا نجد فكرًا دينيًّا إسلاميًّا «حديثًا»، كما نقول: «هناك فكرٌ دينيٌّ يهوديٌّ حديث، وفكرٌ مسيحيٌّ دينيٌّ حديث».
لا أشكّ فى أنّ «المجاهدين» باسم الإسلام، أولئك الذين حقّقوا «الربيع الغربيّ» الذى سُمِّيَ «الرّبيع العربيّ»، «قادةَ» القرن الحادى والعشرين و«علماءَه» يقدّمون الدّليل الدّامِغ على أنّ انهيار المسلمين كامِنٌ فيهم وفى «العقل الإسلاميّ السّائد» ذاته، وعلى جميع الصُّعُد. ولم يَعُدْ ممكنًا أن يحجبه أيُّ خطاب. إنّه تحت الوسادة، وعلى المائدة. ولم يعُدْ يتربَّص على العتبة. ولم يعُدْ، لدى هذا الإسلام المُتَعَثْمِن، أو المُتَأمْرِك، إلّا «ثقافة الإبادة»: كمثل النّظام الأمريكيّ، وثقافة التّبَعيّة الغربية الأمريكيّة.
* الجزء السادس: المقاومة المادّيّة.. كيف؟ 
.. لكى يؤكد، يجد أدونيس أنه:
لا تكون المقاومة المادّيّة، بمختلِف أشكالها، فعّالةً وخلاقةً إلّا إذا كانت المقاومةُ المعنويّة والفكريّة والأخلاقيّة فعّالةً وخلّاقةً، وفى مختلف أشكالها وأبعادها، فى مَعْزِلٍ كاملٍ عن المَذهبيّة الدينيّة، فى مختلف أشكالها وأبعادها.
.. هنا: يضع أدونيس، مواربة فى جدوى ما يستنتج، عندما اتضح ما يريد أن يقرر:
إذًا، ما يكون، إسلاميًّا، الخطاب الفلسطينيّ اليوم؟ دفاعًا، ورؤيةً، ومشروعًا؟
.. ويطلق صرخته الشعرية:.. وها هو الشعب الفلسطينيّ يموت كلَّ يوم، بطرقٍ صريحةٍ وماكرة، إقليميّة ودوليّة، لم يُواجِهْ ما يشبهها أيُّ شعبٍ فى التّاريخ.

فى هذا السِّياق، أكرِّرُ أسئلتى للأنظمة الإسلاميّة العربيّة، الأسئلة التى طرَحْتُها كثيرًا بأشكالٍ مختلفة وفى مناسباتٍ متنوِّعة:
لماذا لا تكونين صادقةً، فى ما يتعلَّق بقضايا المَصير الإسلاميّ العربيّ، على جميع الصُّعُد، وفى طليعتها القضيّة الفلسطينيّة؟ لماذا يُواصِلُ بعضُكِ المشاركة بطريقةٍ أو بأخرى فى تدمير الشّعب الفلسطينيّ؟ تُمَدُّ له يدٌ، وتُمَدُّ الأخرى إلى مَن يدمِّرونه فى الوقت نفسه. أتَرَيْنَ هذا جديرًا بالتّاريخ الذى تنتَمين إليه؟ أتَرَيْنَه لائقًا بالإنسان بوصفه إنسانًا؟ ولماذا هذا الارتباط العضويّ بالنِّظام الأميركيّ؟
وهذا النِّظام هو الجحيم على هذه الأرض الجنّة؟
* الجزء السابع: الإنسان.. القضِيّةُ الأولى

.. يقدس أدونيس، رؤيته للإنسان، هذا المخلوق، ويقف ناظرًا بعمق فلسفي، يقول:
الإنسان، بوَصفِهِ إنسانًا، وبوصفه صورة الخالِق، هو القضِيّةُ الأولى. والقضايا كلُّها، مهما علا شأنُها، خُلِقَت من أجله.
لا يُعرَفُ الإنسان بالقضيّة، وإنّما تُعرَفُ القضيّةُ بالإنسان. والأساس، إذًا، هو فى تربية الإنسان العظيم، والعمل لمجتمعٍ إنسانيٍّ عظيمٍ وخلاق، يُشارِك فى بناء الإنسان، على مستوى الكون، وخلقِ حضارةٍ عظيمة فى مستوى العظمة الإنسانيّة.
* الجزء الثامن: لُهاثٌ فى حنجرةِ الوقت.
.. يقر، أو يقف أمام لا جدوى الإنسانية أمام إبادة انسان غزة.. يكتب، إشارات: هُوَ ذا عالمُنا الإسلاميّ العربيّ: لا مكانَ فى مدُنِه العواصِم، إلّا لسَديمٍ سياسيٍّ ثقافيٍّ أخلاقيّ يُهَيْمِنُ ويقود. وها هى خرائطُ البشر الذين يعيشون فيه، ويبدون كأنّهم لُهاثٌ فى حنجرةِ الوقت.
إنّها الإبرةُ الضّخمة المُلَقَّحَةُ بسُمِّ الهاوية الأمريكيّة تَخيطُ جسمَ الفضاء الإسلاميِّ العربيّ، وهواءَه.
وآهٍ من دواءٍ هو نفسُه الدّاء.
* الجزء التاسع: غزّة الحاضر.. غزّة المستقبل؟
.. هنا السؤال، وعلينا اجتراح، تلك المخطوطات التى تختفى فى الذاكرة، لنتوقف مع عظمة تمحوها الحرب:

السّؤال التّحدّي، إسلاميًّا وحضاريًّا، الذى يُوَجِّهُهُ التّاريخ إلى العالم الإسلاميّ العربيّ اليوم هو التّالي:
هل يمكن للمسلمين اليوم، فى مُواجَهَة الغرب السِّياسيّ، أن يُعطوا لإسلامهم صورةً جديدة تليقُ بتاريخه المُضيءِ العظيم، فى ضَوء التّجربة التى تعيشها غزّة حياةً ورمزًا غزّة الحاضر، وغزّة المستقبل؟
*.. بداية معركة قديمة. 
.. عندما ننظر، فكريا نحو محاولة أدونيس البحث عن بداية المعركة فكرية، نجده يقف عند تراث قديم، فقد حاول كثيرا شن الهجوم، تلو الآخر على ما يعرف اصطلاحًا بـ: «الدكتاتوريات الدينية»،، وهو يطالب بفصل الدين عن الدولة، وبأن يصير الإيمان قضية اعتقادية خاصة.
ويقول لبلوغ ذلك، ينبغى تغيير الأنظمة والمؤسسات. 
.. وما زال أدونيس، يعتقد أن الشعر والشاعر العربي «...» يمكنه أن يسهم فى ذلك».
أدونيس، يدافع عن نظريات الآخر، وعلى أن: المستقبل هو للعلمانية، لكن بلوغ تلك المرحلة دونها دمار كبير، كما يقول عادة.
.. ويبدو أن يوم 3 أكتوبر الماضي، صادف نشر بعض محاورات أدونيس فى متحف نابو فى العاصمة اللبنانية بيروت، وقال فى بعض منها: «أسف أدونيس لأنه بعد مائة سنة من انتهاء الحكم العثمانى «1923-2023» إذا درسنا التحولات فى المجتمع العربى وقارناها بمجتمعات أخرى، نجد أن انقلابات حصلت فى مختلف الميادين، فى العالم كله، حيث انتقل من سيئ إلى أقل سوءًا، ومن حسن إلى أحسن، إلا العرب، بدأوا جيدًا، والآن هم فى أسوأ حالاتهم. وتساءل أدونيس: «لماذا هذا الانحدار؟». 
.. لا يمكن وسم بيان أدونيس بأنه مع نظرة ما نحو فهم ما يحدث، من توغل وهمجية الغرب، قبل دولة الاحتلال الإسرائيلى فى الحرب والمجازر والإبادة الجماعية التى تحدث مباشرة أمام العالم المذهول. 
[email protected]