رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الجبهة التى لا تلفت انتباه أحد

العناوين الرئيسية فى الحروب ساخنة وعنيفة، هى دومًا كذلك، تشعرك بأنه لم يكن هناك هدوء فى هذا المكان ولا فى أى وقت من الأوقات، الحديث عن إطلاق صواريخ، ومداهمات، ودبابات تتجول فى الأرجاء، والكشف عن أنفاق، ضحايا، مصابين، نازحين.. الحرب سيئة، هى دومًا كذلك.

ما يحدث فى قطاع غزة، يجذب العيون، وما يحدث فى الحدود الشمالية «لبنان وسوريا واليمن»، يؤرق كثيرين، لكن من يسأل عن الضفة الغربية؟ من يهتم بها؟ من يتابع ما يجرى بها؟ فى إسرائيل يضعونها خلف الجبهات الأخرى، لكن الإعلام الدولى يهتم.. هذه هى الحروب هى دومًا كذلك.. حرب تنسيك حربًا، مثلما أنستنا حرب غزة الحرب فى أوكرانيا.

وفق وزارة الصحة فى رام الله، منذ بداية الحرب، قُتل ٢١٢ شخصًا، وجُرح أكثر من ٢٨٠٠، بالإضافة إلى زيادة الاعتقالات، حيث وصل عدد المعتقلين فى القدس الشرقية إلى ٣٠٠٠ معتقل «الرقم كبير خلال فترة زمنية قصيرة ليس له مثيل منذ الانتفاضة الثانية»، فى إسرائيل هناك تهمة جاهزة للضحايا والمعتقلين وهى أنهم «من المطلوبين المتورطين بالإرهاب»، فى الضفة يعتبرونهم ضحايا، كل حادثة تقربنا من الاشتعال أكثر فأكثر. هذا بجانب هجمات المستوطنين ضد الفلسطينيين ومضايقتهم خلال الأسابيع الأخيرة.

العمليات رافقتها كثيرًا خطوات على الأرض، مثل تقليص أموال الضرائب التى تستخدمها إسرائيل كحركة عقابية ضد السلطة، مصادرة الأراضى من أجل بناء بؤرة استيطانية، من لا يفهم أن كل ما سبق يؤدى إلى زيادة الغضب والإحباط وسط جيل آخر من الفلسطينيين! التحذيرات تتصاعد من الكُتاب والمُحللين فى إسرائيل، من القنبلة الموقوتة الجديدة التى قد تنفجر فى الضفة.

المشهد ليس له مثيل، القوات الإسرائيلية مستنفرة بشكل غريب، الصواريخ تضرب فى كل الاتجاهات، فى الجنوب فى غزة، وفى الشمال ضد لبنان، وقريبًا ضد الحوثى فى اليمن، القوات تداهم الضفة الغربية والقدس الشرقية.. إذا كانت هناك محاكاة حقيقية للحرب متعددة الجبهات التى كانت تستعد لها إسرائيل فإن هذه هى المحاكاة.. لكنها محاكاة بحرب حقيقية.

الغريب أنه فى الوقت الذى تضرب فيه إسرائيل غزة بقوة وتداهم الضفة، ما زال هناك حديث فى تل أبيب حول أن السلطة الفلسطينية يمكن أن يكون لها دور فى حكم القطاع، وتحل المعضلة التى تؤرق القيادة فى تل أبيب حول من سيحكم القطاع فى اليوم التالى للحرب.. لكن كيف؟ أريد أحدًا أن يشرح لى!

كيف تنكل بطرف «ليس هو المتورط فى هجوم ٧ أكتوبر»، وتنتظر منه أن يهب لمساعدتك فى حكم القطاع «بالطريقة التى تحبها»، بعد أن تنهى الحرب «بالطريقة التى تريدها»؟ كيف؟ من لديه الجرأة على تخيل ذلك؟ بل واعتباره سيناريو منطقيًا؟ 

وراء هذا كله، تقف الغطرسة الإسرائيلية، وهذه الغطرسة هى التى كانت وراء الفشل فى هجوم ٧ أكتوبر، والقيادات التى تتعامل بتعال مع التحذيرات المتكررة، إذا كان هجوم ٧ أكتوبر حدث بعد سنوات من الحصار، ومن التجاهل، فإن يوم انفجار الضفة سيكون بسبب تحذيرات واضحة لا تتعامل معها إسرائيل الآن بجدية أيضًا مرة أخرى.