رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أدباء ونقاد: مذابح الاحتلال بغزة ستؤسس لمرحلة جديدة فى تاريخ الرواية العربية

آثار الدمار فى قطاع
آثار الدمار فى قطاع غزة

- عبدالرحيم مراشدة: العدوان يعيد القضية الفلسطينية لأولويات الكتّاب العرب

- سيد ضيف الله: الأدب العربى سيصبح أكثر جرأة فى توثيق جرائم الصهاينة

منذ القرن السادس عشر، ومع ظهور المسرحية الشهيرة لشكسبير «تاجر البندقية»، دُشنت الصورة النمطية الشائعة عن اليهودى فى الأدب العالمى عبر شخصية «شايلوك»؛ ذلك المرابى الجشع والبخيل والمتآمر والانتهازى، صورة سادت فيما بعد عن اليهودى فى أعمال أدبية عالمية أخرى، ووجدت لها صدى فى الأدب العربى بوقت باكر قبل النكبة.

فى دراسة بعنوان «صورة اليهود فى الرواية العربية المعاصرة»، يتابع الباحث محمد سيد متولى تحولات حضور صورة اليهودى فى الرواية العربية من الصور السلبية عن اليهودى قبل النكبة، ثم ما أحدثته الحركة الصهيونية من تعزيز للصور السلبية عن الصهيونية واليهودية معًا، وصولًا إلى التحول الكبير منذ بداية الألفية فى تناول الشخصية اليهودية بالأدب العربى، الذى غلبت عليه الصورة الإيجابية وخفتت فيه حدة النقد السياسى للحركة الصهيونية وجرائمها.

يصل الباحث فى الدراسة المذكورة إلى أن الصورة النمطية عن اليهود قبل الاحتلال الإسرائيلى، وكذلك الصورة الدموية لليهودى الصهيونى، قد تراجعتا فى رواية الألفية الثالثة لتنتقل الرواية إلى تغيير الصور النمطية الشائعة عن اليهودى وللمساواة بين اليهود، وغيرهم فى الصفات الإيجابية والسلبية تأثرًا بعوامل، مثل تغليب النظرة الإنسانية على تلك الأيديولوجية، والرغبة فى التقارب والاندماج والمهادنة بأثر من بعض التحولات السياسية.

ولكن ما يجرى اليوم على الأراضى الفلسطينية من جرائم إبادة جماعية، وعدوان إسرائيلى غاشم على حقوق الشعب الفلسطينى منذ أحداث طوفان الأقصى استحق وصف «النكبة الجديدة»، يجعل السؤال عن إمكانية استمرار الرواية العربية فى توجهها الراهن مشروعًا؛ فبالقياس على التحولات التى شهدتها صورة اليهودى بالرواية العربية فى فترة النكبة ثم حرب ١٩٦٧، وصولًا إلى الألفية الجديدة التى لم تشهد غالبية الروايات العربية بها صورة سلبية وانتقادية لليهود.. هل نتوقع أن تشهد صورة اليهودى بالأدب العربى تغييرًا عن السنوات الماضية؟ هل تعود نبرة العداء من منطلق الثأر السياسى والتاريخى إلى أعمال الروائيين العرب؟

ثلاثة توجهات فى الكتابة عن اليهود

يرى عبدالرحيم مراشدة، عميد البحث العلمى والدراسات العليا فى جامعة عجلون الوطنية، أنه لا يمكن عزل الأزمة الراهنة عن السياق التاريخى الأقدم، الذى شهد تداخل اليهودية مع فكرتى الصهيونية والإمبريالية من جهة، وبين الرأسمالية والإمبريالية وحركة الإنجيليين الجدد المتعاطفة مع اليهود من جهة أخرى.

ويوضح مراشدة أن الرواية العربية قد شهدت ثلاثة توجهات كتابية عن اليهود؛ الأول كان مع مثقفين يؤمنون بالقضايا العربية ومستندين إلى فهم رصين للقضية، فظهرت روايات مثل «زقاق المدق» التى رسم فيها نجيب محفوظ صورة للمرأة اليهودية الشهوانية والمادية، ثم تلتها روايات فى الأردن، منها رواية مهمة جاءت بعد النكبة بعنوان «أنت منذ اليوم» لتيسير السبل، التى قدمت شخصية الجنرال موشيه ديان صاحب العين الواحدة بسخرية سوداء.

التوجه الثانى، وفقًا للناقد الأردنى، تمثّل فى روايات تدافع عن القضية الفلسطينية بأساليب سردية حداثية تناسب روح العصر، ومن هذه الأعمال رواية «سروال بلقيس» للكاتب الأردنى صبحى فحماوى، وفيها تجابه المرأة الفلسطينية العاملة الاحتلال الصهيونى بسلوكه القمعى المشين، ورواية أخرى للكاتب ذاته بعنوان «صديقتى اليهودية» وفيها يسعى البطل الفلسطينى إلى دحض السردية الغربية الفاشية المجحفة للاحتلال، ويمكن أيضًا النظر إلى رواية «الرحلة الثانية» لعبدالرحيم مراشدة التى تناقش القضية تاريخيًا وبمرجعيات دينية وأسطورية منذ عبور اليهود إلى فلسطين.

أما التوجه الثالث الذى شهد حضورًا بالألفية الجديدة، فتمثل فى روايات عربية تنحاز للمهادنة وتروج لأفكار التطبيع وحوار الحضارات الذى جاء به الغرب لتصفية القضية الفلسطينية، وفيه انحاز بعض الروائيين لما يشيعه الغرب من إمكانات التعايش المزعوم، ليشير، وعبر خطاب النص الروائى، إلى أن اليهودية كانت جزءًا من التكوين الثقافى فى الجزيرة العربية، ومن ذلك رواية «يهودية مخلصة» لسالمة الموشى، ورواية «مجنون ليلى اليهودية» لحميد الرشيدى، و«قاع اليهود» لعلى الأمير، وغيرهم.

يخلص مراشدة إلى أن الذين انتهجوا البُعد النفعى للدفاع عن وجود ما سمى بالتعايش سيندمون بعد اطلاعهم على ما يحدث من هجمة صهيونية شرسة على فلسطين بمساندة الغرب، وسيذهبون لتعديل المسار، فما حدث من هجوم على غزة قلب كل الموازين، لا سيما ميزان كيل الغرب بمكيالين وادعاؤهم الحريات وحقوق الإنسان، كل هذا وغيره سيتساقط وسيتمزق الحلم الخبيث لكيان الدولة اليهودية المزعومة.

وينهى مراشدة حديثه مع «الدستور» قائلًا: أتوقع أن تأخذ الرواية العربية المعاصرة اتجاهًا أكثر انسجامًا مع الواقع الحقيقى، بمعنى ستكون انعكاسًا لما هو كائن وأكثر انسجامًا مع قيم العدالة والإنسانية، أى ستصير الروايات أكثر التزامًا فكريًا وأيديولوجيًا.

نقطة فارقة فى وعى الأجيال

يرى أستاذ النقد الأدبى سيد ضيف الله أن التطورات الأخيرة فى فلسطين ستكون نقطة فارقة فى وعى كل الأجيال، فمن جهة لن يكون التغيير فى علاقة الإنسان العربى بالكيان الصهيونى فحسب، إنما سيكون برأيه فى علاقة الإنسان العربى بالغرب بشكل عام، إذ إن الصدمة الحقيقية لم تكن فقط فى وحشية الكيان الصهيونى، إنما فى الدعم اللا متناه والصمت المُخجِل الذى يعرى العالم الغربى وصورته المتوهمة.

ويتوقع ضيف الله، فى حديثه مع «الدستور»، أن يكون الأدب العربى فى المستقبل القريب أكثر جرأة فى فضح الغرب بشكل عام، وفى توثيق جرائم الكيان الصهيونى ومقاومة الشعب الفلسطينى، وأن يعود الاهتمام بالقضايا الكبرى عن الوطن والدين والتاريخ بعد أن شهدت تراجعًا فى العقود الأخيرة؛ بدءًا من التسعينيات. 

يوضح ضيف الله ذلك بقوله: ما يحدث من إبادة جماعية على مرأى ومسمع من العالم فى غزة سوف يُحيى السرديات الكبرى فى الأدب العربى، وأتوقع فى الفترة المقبلة، أن تنطلق هذه السرديات بقوة فى الكتابة السردية، وأن تُطرح أسئلة عن علاقة العرب بالكيان الصهيونى ويُعاد النظر فى الإيمان بالغرب؛ باعتباره نموذج الحضارة الإنسانية.

ترسيخ قضايا الهوية

أما أستاذ النقد بأكاديمية الفنون؛ حمدى النورج، فيلفت إلى أن حالة التعاطى مع الشخصية اليهودية تلوّنت انطلاقًا من ثلاثة معطيات: الأول هو البناء على الصورة الذهنية السلبية لشخصية اليهودى فى العقل الجمعى، والثانى: التماهى مع البطل اليهودى داخل الخطاب السردى لبعض الروايات مغازلة للجوائز والمكاسب، والثالث: اعتماد لغة الحياد عبر التفريق بين ما هو يهودى وما هو صهيونى.

ويتابع فى حديثه مع «الدستور»: لا يعنينى مطلقًا حال التوجه ونمط التعامل والرؤية. فالواقع يُثبت وجهة نظر شكسبير فى المرابى اليهودى، ويُثبت أيضًا شخصية اليهودى الانتهازى فى «يهود الإسكندرية» لمصطفى نصر، كما يؤكد أيضًا سلامة رؤيتى عن اليهودى فى روايتى «سكان جزيرة القرش».

يعتقد «النورج» أنه من المهم أن يُعنى الأدب فى وقتنا الحالى بترسيخ قضايا الهوية والدفاع عن الثوابت والإيمان بجوهر الأرض، كما يتوقع أن يظهر بوضوح  الأثر الدموى لما فعله اليهودحديثًا فى فلسطين. 

تصوير الجرائم البشعة

فى المقابل، تشدد الناقدة العراقية نادية هناوى على ضرورة التفرقة بين اليهودية والصهيونية قائلة: «ما جرى ويجرى من ويلات منذ ما يقرب من قرن من الزمان على أرض فلسطين العربية، إنما تقوم به العصابات الصهيونية ربيبة الإمبريالية العالمية التى لا تتردد فى اللجوء إلى أخس الوسائل للوصول إلى أخس الغايات. وهذا بعيد عن الشرائع السماوية بيد أن الصهيونية أصرت على أن تصبغ ملامحها وتزينها بمسوح دينية، فقرنت حركتها العنصرية الاستيطانية الاستعمارية بمفردة اليهودية مستثمرة ما تعرّض له اليهود فى أوروبا من مساوئ، فوجهت أنظارهم إلى فلسطين لاغتصابها من أهلها الأصليين، وذلك ينسجم تمامًا ويتعاضد مع الأهداف الإمبريالية الغربية».

وتضيف: إن أهم خطوة نتخذها لضرب الصهيونية العنصرية هو التفريق بين اليهودى الحقيقى والصهيونى الشرير. وعكس ذلك يخدم مشاريع الصهيونية العدوانية؛ ذلك أن مطالبة اليهودى أن يكون يهوديًا وفق شريعته اليهودية السماوية يجرد الصهيونية من أهم مبررات وجودها.

ترى «هناوى» أن الرواية العربية فى القرن العشرين قد جسدت، إلى جانب توظيف الصورة النمطية لليهودى التاجر المرابى والناكث العهود والماكر المخادع، بطولات المقاومة الفلسطينية والعمليات الفدائية وفضح ممارسات الكيان الصهيونى العدوانية فى اغتيال المثقفين والفدائيين وكشف الأساليب الدنيئة التى مارسها هذا الكيان، بدعم من الإمبريالية العالمية، كتوسيع المستوطنات وبناء الشبكات الإرهابية المتخصصة والتجسس والعمالة وحرب العصابات وحياكة المؤامرات.

وتتوقع هناوى أن تستمر الرواية العربية فى تجسيد الصراع العربى- الصهيونى، وأن تصور ما جرى بعد عملية طوفان الأقصى من جرائم بشعة فى حق الأبرياء العزل فى غزة ومخيمات جباليا وجنوب لبنان، فقد قلبت عملية طوفان الأقصى موازين هذا الصراع وأرعبت الصهاينة وحلفاءهم وجعلت الرأى العام العالمى يستيقظ على حقيقة البشاعة الصهيونية.