رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر ترفض مقترحًا أمريكيًا

يومًا بعد يوم نلاحظ أن الميديا العالمية تنقل بكثافة عن قادة الدول الكبرى تصوراتهم عن الحرب في غزة، وما نلاحظه أيضًا هو تكرار اسم مصر على كل ألسنة المحللين والسياسيين في الشرق والغرب، وربط الدور المصري بمجريات الأحداث في غزة، سواء في الجانب الإغاثي أو السياسي، وتأثير مصر على المعركة يومًا بيوم.
ومن الواضح أن صمود وصلابة التصريحات المصرية وموقفها الواضح والثابت تجاه الكثير من تفاصيل الأحداث الدامية يلقى ترحابا كبيرا بين صفوف المقاومة، حتى لو كانت تلك المواقف تتم دون تنسيق مشترك، وكان أول تلك الاختبارات على الأرض هو موضوع ترحيل الغزاوية إلى سيناء وتسكينهم بها ولو لمدة محدودة، هذه اللعبة المكشوفة لم تنطل على المؤسسات المصرية، وفي مقدمتها مؤسسة الرئاسة المصرية، التي رفضت بحسم أن يفكر، مجرد أن يفكر الجانب الإسرائيلي في ذلك.
بعدها بيوم أو اثنين جاءت التصريحات من الداخل الفلسطيني، ومن المقاومة؛ لتنضم إلى الرفض المصري في مقترح التهجير إلى سيناء.
ثم جاء معبر رفح شريان الحياة النابض نحو غزة لتستخدمه مصر في تفاوض الند بالند، خروج مزدوجي الجنسية يقابله دخول شاحنات المساعدات، وبعدها انضم خروج الجرحى إلى قائمة المطالب المصرية، وكلما تراجع طرف عن التزامه تراجعت مصر عن الوفاء بما اتفقت عليه، وهو ما يعني التعامل بمبدأ واحدة بواحدة.
الجديد الذي لم يكذبه الجانب المصري حتى كتابة هذا المقال، هو ما نشرته مؤخرًا صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، التي قالت إنها علمت من مسئولين مصريين كبار، أن الولايات المتحدة اقترحت على مصر إدارة الأمن في قطاع غزة بصفة مؤقتة بعد أن تحط الحرب أوزارها، إلا أن القاهرة رفضت المقترح الأمريكي.
مصيدة مسئولية مصر عن الأمن في غزة كانت مصيدة ثنائية الغرض، الأول هو انتزاع موافقة من مصر بالقضاء على حماس بواسطة ماكينة الحرب الإسرائيلية، والثاني هو أن تتجه مصر بقدميها نحو المستنقع المرتبك أمنيًا في غزة، هذه المصيدة التي تم رفضها لاقت ارتياحًا في الضفة الغربية وفي غزة.
نفس الصحيفة التي أعلنت هذا الخبر قالت في تفاصيله إن مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية "CIA" ويليام بيرنز، ناقش مقترح تولي مصرالأمن في غزة بعد الحرب مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس المخابرات اللواء عباس كامل.
هذه الأحداث المتلاحقة، والجولات المكوكية التي تقصد القاهرة، وتلاطم المبادرات التي تضع مصر طرفًا في أي حوار يتعلق بالأحداث الجارية الآن، وحرب الدم التي افترست الأخضر واليابس، تكشف بوضوح الدور المحوري المصري، حتى في أي حوار يتعلق بسيناريوهات ما بعد الحرب دائمًا تجد اسم مصر مكتوبًا كجملة مفيدة في هذا السيناريو، كل هذا يؤكد ما كتبناه منذ اللحظة الأولى صباح السابع من أكتوبر الماضي، بأن مصر في قلب المعركة، وفي الصلب لما بعد المعركة، وها هو المقترح الأمريكي المرفوض يكشف عن المحاولات المتكررة للإيقاع بمصر، لغة الخطاب المصري الحادة تكشف حجم الضغوط التي تتم ممارستها علينا، الحرب التي تدور رحاها بعنف بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية المصنفة على لائحة الإرهاب الأمريكية تحاول جر المنطقة بالكامل إلى دوامة لا قرار لها، لذلك سوف يكتب التاريخ بحروف بارزة الدور المصري متعدد المستويات، الذي لعبته مصر وما زالت من أجل العدل واستقرار المنطقة، وبناء الدولة الفلسطينية على أساس المواثيق الدولية المعترف بها، والتي أقرتها الأمم المتحدة من عشرات السنين.
والمتابع لتصريحات سامح شكري، التي ندد فيها بمحاولات فرض واقع جديد في غزة؛ سوف يعرف أن مدرسة الدبلوماسية المصرية واحدة من أعرق المدارس في العالم؛ لخبرتها الرفيعة في التعامل مع الأزمات الكبرى، ويبقى جيشنا درعنا الواقي القادر على إفشال أي مخطط يحاك ضد بلادنا.