رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إسرائيل التى باعت رهائنها لتشترى أهدافها!

حتى الساعة تصر إسرائيل على إبادة غزة كليًا بحجة القضاء على حماس.. تضرب كل مكان بدعوى وجود حماس تحته أو فيه، المنازل والمآوي والمدارس والمستشفيات، وتقتل المدنيين بدم بارد في قلوب الشوارع، كما جرى مع الفارين من الشمال إلى الجنوب في الأيام الفائتة، مع أنها كانت قد سمحت بالنزوح إلى الجنوب للأمان، ولكن كأنها كانت تنصب كمائن للناس الخائفين لتصفيتهم في الطريق مخلفة جثثًا بالجملة، لأطفال ونساء وشيوخ وشبان، أي مجازر رهيبة، فاقت بعض مشاهدها ما كان في الحروب العالمية، ولكن إسرائيل تكذب بشأن كل شيء، تكذب ثم تكذب لإضاعة الحقيقة وتضليل العالم! 
الغرب يدعم إسرائيل دعمًا مطلقًا، أمريكا والأوربيون، أعني الغرب الرسمي لا الشعبي، وهو ما يهمنا هنا لأنه المؤثر في الأحداث طبعًا، فالشعبي لا يوافق على كثير مما يجري في غزة، جماعات شتى منه لا توافق بالفعل، لكنه لا يملك قرارًا بإيقاف الحرب، وإنما هتاف لفلسطين وتعاطف معها ووقفات احتجاجية من أجلها..
ينادي العرب كل يوم بإيقاف الحرب فورا، وينادي منادون كثيرون بالهدنة، ولو مؤقتة، ولكن يبدو إصرار إسرائيل على استمرار عملياتها الوحشية قاطعًا، وكأنها لا تسمع أحدًا ولا ترى أحدًا!
في الحقيقة تريد إسرائيل الاستيلاء على القطاع كله لتوسيع احتلالها لفلسطين بهذه الفرصة التي قد لا تتكرر سريعًا، كما تريد دفع جموع الغزيين الصامدين، مع كثافة الدك والقصف وفدح الخسارات المادية والمعنوية، إلى ما يجعلهم يلجئون إلى مصر والأردن، لا سيما سيناء المصرية، لأنها حلم يهودي سرمدي، وهو الأمر المفهوم من قبل البلدين الكبيرين والمرفوض طبعا من حيث نقله للصراع إلى أراضيهما الآمنة، والأمر الخطر على الغزيين أنفسهم من حيث حجزهم في بلاد الجوار إلى الأبد، ومن ثم على القضية الفلسطينية من حيث هدر شرعيتها وعدالتها.
إسرائيل لا تحرص على حياة المنشآت في غزة، قيد أنملة، ففي نيتها بناء الأفضل لنفسها هناك مستقبلًا، ولا تحرص على حياة الأهالي بالتأكيد؛ فالفلسطيني الطيب، كما في الأدبيات العبرية، هو الميت، والعجيب أنها كما لو كانت لا تحرص على حيوات الرهائن من أبنائها الصافين ومن مزدوجي الجنسية والأجانب على وجه العموم؛ فهم تحت نيرانها الكثيفة السائبة كغيرهم، وهي تمارس العنف الفظيع ولا تبالي، ولا تستجيب لكل نداء يطالبها بالتوقف، كما سبقت الإشارة، وربما كان هذا نفسه ما يؤكد خطتها في احتلال القطاع من بعد إبادة سكانه وتهجير الباقين، وهو هدف مركزي لديها، يستحق أن تدفع أي ثمن لأجله، فيما يظهر من جنونها الصارخ!
هناك اختلاف حول أعداد الرهائن، إلا أنها أعداد كبيرة غالبًا (أظهر تحديث إسرائيلي يوم الخميس الفائت وجود 242 محتجزًا على الأقل لدى حماس)، وعلى كل حال فإن المعلن بهذا الشأن لا يكون دقيقًا في العادة (لاحظوا معنى شبه الجملة "على الأقل" في التحديث المذكور)، هؤلاء المحتجزون، ولو كانوا مدنيين، عرضة للفتك بهم كانتقام لمصائر المدنيين في الناحية الثانية "المدني بالمدني"، وعرضة للأخطار الشديدة المفهومة وغير المفهومة، ومن بينها الإصابة بالأمراض النفسية الوبيلة والصدمات العصبية الحادة!
إسرائيل ماضية فيما هي ماضية فيه، لما بينته آنفًا، ولا يعني هذا سكوت رافضي جرائمها الشنيعة عن الكلام، ولا يعني أيضًا يأس دعاة السلام وحل الدولتين، لكنه قد يعني أن التحرك الإقليمي والدولي يجب أن يختلف، وهو ما أتمناه بالفعل، وأول الاختلاف محاولة إقناع الداعمين الكبار للحرب بأنهم سيفقدون شعوبهم، بمرور الوقت، ويفقدون الفخر بأنفسهم ومواقفهم ودولهم، ويفقدون احترام الآخرين بكل تأكيد، ولفت نظرهم، على مستوى الاقتصاد الذي يعنيهم للغاية، إلى أنهم سيطولهم ما طال المنتج الإسرائيلي من الازدراء والمقاطعة، هكذا، وبسرعة، فهذا قد يكون رادعًا كافيًا، مبدئيًا، مع الحث المستمر على عقد اجتماع عالمي عاجل يناقش الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بإحاطة وخبرة وأمانة وموضوعية، من جذوره البعيدة العميقة، لا التعقيدات الجديدة وحدها، ويتوخى الوصول إلى اتفاق حاسم بشأن مفهومي المقاومة والدفاع عن النفس!