رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معركة نتنياهو الخاصة

خلال الأعوام الأخيرة كان نتنياهو الرجل الوحيد فى الحياة السياسية الإسرائيلية الذى يفاجئنا دومًا، عدد مرات غير قليلة، تحدث الجميع عن «نهاية نتنياهو السياسية»، ثم سيعود ليفاجئنا أنها لم تكن النهاية بل بداية جديدة.

عندما فشل نتنياهو فى تشكيل الحكومة فى ٢٠٢١، وقامت حكومة ائتلاف وطنى «لابيد- بينيت» التى كان هدفها هو تغيير نتنياهو، والتى حكمت لمدة عام قالوا إنها نهاية نتنياهو، ثم عاد إلينا مرة أخرى من تحت الأرض، وها هو فى الحكومة منذ «١٠» أشهر، على رأس حكومة هى الأكثر يمينية على الإطلاق «قبل أن ينضم له جانتس وأيزنكوت فى حكومة الحرب»، والتى رافقتها الاحتجاجات العنيفة ضده اعتراضًا على الإصلاح القضائى، وقالوا فى حينها إنها النهاية، الآن وبعد ٤ أسابيع من الحرب، عادوا ليرددوا العبارات نفسها «نهاية نتنياهو».

عندما استيقظوا من صدمة هجوم ٧ أكتوبر، تذكروا نتنياهو وبدأوا فى توجيه أصابع الاتهام إليه، والحقيقة التى يعرفها الإسرائيليون أن هجوم ٧ أكتوبر المُذنب الرئيسى فيه هو أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية التى لم تعط تحذيرًا فى الوقت المناسب، هذا ما كتبه نتنياهو فى تغريدة، ثم حذفها بعد الهجوم عليه لاحقًا، لكنها الحقيقة التى يعلمها كل إسرائيلى.

سيفحص الجيش والشاباك الإخفاقات الاستخباراتية بعد الحرب.. مَن المتورط؟، وسيتم التحقيق فى كيف اتُّخذ قرار تخصيص ٣٠ كتيبة للضفة الغربية، فى مقابل ٤ كتائب فقط لقطاع غزة. هناك تكهنات تتعلق بتركيبة الائتلاف الحالى المتطرف، لكن حتى لو كان لها أساس، فإن هذا لا يعفى المؤسسة الأمنية من تقديم إجابات بشأن سبب خفض القوات فى فرقة غزة، وهشاشة خط الدفاع الأول.

هناك حقيقة أخرى، هى أن نتنياهو يتحمل جزءًا من المسئولية أو على الأقل المسئولية السياسية، لأنه هو من ساعد فى تقوية حماس، خلال السنوات الطويلة فى حكمه، هو من حافظ على بقائها، ورتب لها الأموال القطرية كل شهر، ومنحها تسهيلات، وكان يضغط على السلطة الفلسطينية من أجلها، وكانت نظريته أن بالأموال يمكن أن تشترى الهدوء، وكان هدفه أن الانقسام بين الضفة وغزة سيبعد حل الدولتين.

نتنياهو الآن يحارب لعدة أهداف، إخضاع حماس، عودة المخطوفين، حماية إرثه الشخصى، والحقيقة أن كل هدف يتعارض تنفيذه مع الهدف الآخر.

يقف رئيس الوزراء الإسرائيلى أمام القرار الأصعب الذى أُرغم على اتخاذه خلال حياته. فمن جهة، هناك حياة أكثر من ٢٣٠ إسرائيليًا تتعلق بقراراته، سيكون هناك ثمن من حياة الأشخاص فى كل قرار يتّخذه. وليس كعادته، هذه المرة، لا يستطيع الهروب من القرار، وفى الوقت نفسه، لا يمكن لنتنياهو الدخول فى مفاوضات تمتد إلى أشهر مع «حماس» والموافقة على وقف إطلاق نار طويل الأمد، وهو ما يسمح للحركة بالتسلح وإعادة تنظيم القوات، وكأن هجوم ٧ أكتوبر لم يكن.

يقوم نتنياهو باستشارة شخصيات كثيرة، ويستمع إلى العديد من الآراء، المنطقة كلها تنظر إلى رئيس الوزراء الذى يُقال عنه إنه أحد أذكى ١٨ شخصًا فى العالم كيف سيتصرف.

من الصعب تخيُّل سيناريو ينجو فيه نتنياهو من هذه الكارثة، ويبقى رئيسًا للحكومة. حتى قبل هجوم «غلاف غزة»، تراجعت شعبيته وشعبية حكومته بسبب أضرار الإصلاح القضائى. بعد أكثر من ١٣٠٠ قتيل، ونحو ٢٢٠ مخطوفًا، هذا يبدو أكثر وضوحًا، لكن مع نتنياهو صعب توقع نهايته.